الهاتف الذكي المقبل أو الذي يليه، ربما لا يكون مزوداً ببطارية تقليدية كمصدر طاقته الوحيد، بل قد يستمد الطاقة من الهواء أو يشحن ذاته عن طريق موجات الإرسال التليفزيوني أو ذبذبات المحمول أو واي فاي.
وحاول مهندسو آبل لسنوات عدة تصميم بطارية أذكى من خلال تزويد هواتف آي فون وأجهزة آي بود، بأداة شحن تعمل بالطاقة الشمسية، حسب مصادر من الشركة ذاتها.
فالبطاريات التي طالما كانت القريب المظلوم لرقائق الذاكرة في وادي السليكون المهووس بالبحوث، أضحت الآن مجال التحدي لكثير من الشركات.
ومع توجه شركات التكنولوجيا نحو الأجهزة الملبوسة مثل أطواق اللياقة البدنية والنظارات وساعات اليد الذكية، باتت قيود تكنولوجيا البطاريات أكبر معوقات المبيعات وزيادة الأرباح. فمن غير المرجح أن يعجب المستهلكون بكمبيوتر على هيئة ساعة يد مثل الذي تعكف آبل حالياً على تصنيعه، أو يقبلوا على نظارات جوجل الذكية لو أن هذه الأجهزة لا تعمل غير ساعات قليلة فيما بين مناوبات الشحن بحيث يجب خلعها لتوصيلها بالشاحن.
ولذلك ينطوي الشاحن على عنصرين - البحث عن بديل للبطاريات التقليدية واكتشاف طرق تطيل زمن استهلاك شحنة البطارية.
وقال مجيب إعجاز مدير التكنولوجيا في شركة إيه 123 سيستمز المتخصصة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والذي يستثمر في شركات ناشئة تقوم بتطوير تقنيات بطاريات جديدة: «سيقول المستهلكون أعطني بطارية أفضل لأنها لا تدوم على النحو الكافي». وأضاف إعجاز: «لم يكن هذا المطلب موجوداً من خمس سنوات مضت والآن أضحى هذا المطلب ملحاً».
وفي الوقت الذي ضاعفت فيه رقائق الكمبيوتر سرعتها كل عدة سنوات وزادت فيه الشاشات الرقمية وضوحاً وبريقاً، لا تزال تكنولوجيا البطاريات متمسكة إلى حد كبير بالقرن العشرين.
تحسينات تدريجية
وعول مصنعو الأجهزة علي إجراء تحسينات تدريجية على طاقة البطارية المزودة الآن عادة بمزيج من ايونات الليثيوم بالإضافة إلى رقائق وشاشات أعلى كفاءة من حيث استهلاك الطاقة.
وتكمن المشكلة جزئياً في صعوبة ضمان سلامة العديد من تقنيات الطاقة الجديدة. إذ إن بطارية معيبة يمكن أن تتحول إلى قنبلة صغيرة. ولذلك يلزم فحص المنتجات فحصاً دقيقاً وشاملاً من قبل الجهات الرقابية المسؤولة قبل بيعها في المتاجر.
حتى لو تم اعتماد نظام طاقة جديد، فإنه غالباً ما يتطلب أن تتبناه أسماء تجارية شهيرة مثل آبل أو سامسونج أو مايكروسوفت قبل أن يبدأ المستهلك اليومي في الوثوق به.
ويرى البعض في وادي السليكون، مثل طوني فاضل نائب رئيس آبل السابق الذي قاد تطوير آي بود وآي فون، إنه من الأجدى التركيز على تحسين البطاريات والمكونات الأخرى من خلال اتخاذ خطوات صغيرة بدلاً من محاولة إعادة اختراع البطارية ذاتها.
وقال فاضل الرئيس التنفيذي حالياً لشركة نست التي تصنع تكنولوجيا المنازل والتي اشترتها جوجل في شهر يناير الماضي: «تعليق الأمل والرهان على تقنية بطاريات جديدة يعتبر في رأيي خطأ كبيراً. لا ينبغي انتظار قدوم تقنية البطاريات بسبب أن حركة تقدمها بطيئة للغاية».
وقال فاضل الذي كثيراً ما يطلق عليه أحد آباء آي بود نظراً للجهد الذي بذله في أول نسخة من مشغل الموسيقى المعروف الذي أطلقته آبل، إن آبل حاولت لسنوات عدة تصنيع بطارية أصغر من خلال تزويد آي فون وآي بود بشاحن شمسي.
وأضاف أنه لم يثبت أبداً أن تلك الطريقة عملية لأن الأجهزة المحمولة تظل غالباً داخل الجيوب حين يكون الناس خارج المنزل، وأن الضوء الاصطناعي داخل المنازل لا يولد سوى قدر قليل جداً من الطاقة.
وحالياً يعول آخر ما أنتجته آبل بما يشمل أحدث نسخ ماكبوك ايرز وآي باد وآي فون على أدوات معالجة ونظم برمجيات عالية الكفاءة من حيث تقليل استهلاك الطاقة، بدلاً من اعتمادها على البطارية ذاتها. ورفض متحدث باسم آبل التعليق على المنتجات والتقنيات المقبلة ولكن هناك دلائل على أن الشركة تدرس طرقاً لتحسين تقنية البطاريات.
ففي السنوات القليلة الماضية عينت آبل مهندسين ذوي خبرة في تقنية الطاقة وتصاميم البطاريات من شركات مثل تيسلا وتويوتا وإيه 123 سيستمز. كما استحوذت آبل على شركة باسيف سميكوندكتور الناشئة التي طورت رقائق اتصالات منخفضة الطاقة.
وبشأن ساعة اليد، دأبت آبل على تجربة طريقة لشحن البطارية لاسلكياً عن طريق الحث المغناطيسي حسب شخص تلقى ايجازاً عن المنتج. وتستخدم بالفعل تقنية مماثلة في بعض هواتف نوكيا الذكية حين يوضع الهاتف على طبق شحن يولد تيارا كهربيا حقلاً مغناطيسياً يحدث جهداً كهربياً يزود الهاتف بالكهرباء.
شحن شمسي
كما أجرت آبل تجارب على طرق شحن طاقة جديدة لساعة يد وإن كان أمام تلك التجارب وقت طويل قبل أن تصبح واقعاً. وينتظر أن تكون الساعة مزودة بشاشة منحنية. وتكمن إحدى الأفكار في إضافة طبقة شحن شمسي لتلك الشاشة تمد الجهاز بالطاقة أثناء ضوء النهار.
وفي إعلان عن قائمة الوظائف التي نشرتها آبل في الخريف الماضي كانت الشركة تبحث عن مهندسين متخصصين في الطاقة الشمسية.
كما تضمنت تجربة أخرى في آبل عملية شحن البطارية من خلال الحركة وهي طريقة تستخدم بالفعل في العديد من الساعات العصرية. ذلك أن تأرجح ذراع الشخص يمكن أن يشغل محطة شحن صغيرة تولد وتنقل الطاقة إلى الجهاز أثناء المشي حسب براءة اختراع سجلتها آبل عام 2009.
وفي شهر يوليو حصلت آبل على براءة اختراع بطارية مرنة يمكن تركيبها في ساعة يد أو تابليت. ورغم أن البطارية ستكون تقليدية إلا أنه سيكون لها شكل رفيع ومنحنى يمكن بسهولة اقترانه بطبقة لوح شمسي مرن.
كذلك بحثت جوجل عن تقنيات بطاريات جديدة، سعياً منها إلى اختراع طرق تطيل بها عمر الهواتف الذكية. وقال مارك رندال نائب رئيس جوجل لشؤون سلسلة التوريد والعمليات في موتورولا موبيليتي التي أعلنت جوجل مؤخراً عن أنها ستبيعها إلى لينوفو: «لا يريد الناس الاضطرار إلى البحث عن شاحن بين الفترة والأخرى يومياً».
وسامسونج أيضاً عكفت على تصميم أنواع جديدة من البطاريات يزود بها الكمبيوتر الملبوس. وابتكرت الشركة بطاريات صغيرة منحنية يمكن تركيبها داخل أطواق الرسغ. وفي العام الماضي أطلقت سامسونج بطارية دريم (الحلم)، التي تستخدم الكتروليت جاف بدلاً من السائل أو البوليمر الذي تستخدمه بطاريات ايون الليثيوم، منعاً لاحتمال خطر الانفجار وغيره من مشاكل السلامة للإلكترونيات المرنة. جذب رؤوس الأموال، كما تعكف جامعات وشركات ناشئة على بذل جهودها أملاً في الحصول على جزء من الكعكة المنتظرة، واستطاعت تلك المؤسسات جذب الأنظار ورؤوس أموال مغامرة.
وعلى سبيل المثال هناك مستثمرون بارزون مثل صندوق فاوندز فند بالتعاون مع رئيس تنفيذي ياهو ماريسا ماير وشركة اندريسين هورو ويتز يدعمون يوبيم الشركة الناشئة في ماونتن فيو كاليفورنيا التي تحاول تطوير منظومة تستمد فيها الأجهزة طاقتها من الهواء.
وقالت ميريدث بيري مؤسسة يو بيم: «تأخرت تطويرات تقنية البطاريات كثيراً عن تطويرات تقنيات المحمول في الوقت الذي يزيد فيه معدل استهلاك الطاقة نظراً لأن المستهلكين يطلبون المزيد من أجهزتهم». وأضافت بيري: «حين تنتشر الطاقة اللاسلكية في كل مكان، لن يكون عمر البطارية ومعدلات الشحن عوامل مهمة في الأجهزة المحمولة نظراً لأن أجهزتنا ستكون دائماً وتلقائياً في حالة شحن».
كذلك ينشغل يي كوي البروفيسور في ستاندفورد الذي أسس شركة امبريوس الناشئة، في تطوير طريقة استبدال القطب الكربوني في بطاريات ايون الليثيوم بالسليكون. وقال كوي إن للسليكون عشرة أمثال طاقة تخزين الكربون ولكنه يتمدد وينكسر. ولذلك قام كوي وفريقه بتغليف السليكون بطبقة من البوليمر وهي مادة ناعمة قابلة للتمدد تشبه المادة المستخدمة في العدسات اللاصقة، تعالج تلقائياً الشقوق الصغيرة أثناء عمل البطارية.
كما عكف باحثون في جامعة واشنطن على تجربة طريقة يمكن بها للأجهزة اللاسلكية الاتصال من دون استخدام طاقة بطارية.
وتشمل هذه التقنية الحصول على الطاقة من إشارات ارسال التلفاز أو الهاتف المحمول أو واي فاي الموجودة أصلاً في الهواء حسب شيامناث جولاكوتا البروفيسور المساعد في علوم وهندسة الكمبيوتر الذي يعمل بالمشروع. وقال جولاكوتا: «الفكرة أساساً أن هناك إشارات ارسال من حولك. إذن لماذا نضطر إلى توليد اشارات جديدة لتوصيلها؟».
وأضاف جولاكوتا: «في الهاتف الذكي التجاري سيظل من الضروري تركيب بطارية لشحن الشاشة والاستخدامات الأخرى بالطاقة ولكن طريقة استمداد الاشارات ستتيح إجراء المكالمات الهاتفية والرسائل النصيبة من دون استخدام أي طاقة.
وفي جوجل تعتبر مسألة تصميم بطارية أفضل من الأهمية لدرجة أن السعي إليه يشغل الجميع حتى الادارة العليا. فخلال أحد المؤتمرات العام الماضي قال لاري بيج رئيس تنفيذي جوجل أن عمر البطارية في الأجهزة المحمولة بما يشمل التابليت والهاتف الذكي، يحظى بأهمية كبرى في مجال الاختراعات الجديدة بالشركة. (عن انترناشيونال نيويورك تايمز)