السبت 26 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسـراء والمعـراج:يوم تتوجـه أنظار المسلمين إلى زهرة المدائن

الإسـراء والمعـراج:يوم تتوجـه أنظار المسلمين إلى زهرة المدائن
1 سبتمبر 2005
د· محمد يونس:
تظل ذكرى الاسراء والمعراج كتابا مفتوحا نقرأ فيه كل عام دروسا وحكماً، وتثير في الأذهان آفاقا جديدة في عوالم المكان والزمان· المكان الممتد من المسجد الحرام 'قبلة المسلمين الثانية' إلى المسجد الأقصى 'قبلة المسلمين الأولى'· والزمان الممتد منذ نحو14 قرنا وحتى ليلة الإسراء، حيث يحتفل المسلمون في كل بقاع الأرض بهذه الذكرى· وإذا كانت الذكرى ترد في القرآن مقرونة بفائدة وهي نفع المؤمنين: 'وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين فإن هناك تساؤلات تثار ونحن نحتفل بهذه المناسبة، من أبرزها: كيف ينتفع المؤمنون بهذه الذكرى في واقعها وامتداداتها على مستوى الزمان والمكان ؟ ولماذا لم ترتبط الذكرى بالصوم أو القيام؟
لعل أول ما ينفع المؤمنين ونحن نحتفل بهذه الذكرى هو تلك الدلالة التي تشير إليها حادثة الإسراء والتي تتجسد في الربط العقيدي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى وبين مكة المكرمة والقدس الشريف· الربط الذي افتتحت به سورة الإسراء: 'سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير'· فليس من قبيل المصادفة أن تتكثف محاولات تهويد القدس وتزييف تاريخها وجغرافيتها، قبل أيام قليلة من احتفال مليار و250 مسلما في مختلف بقاع الأرض بذكرى الإسراء والمعراج· لا شك أن هناك حكمة إلهية من هذا التزامن، قد تكمن في تنشيط ذاكرة المسلمين تجاه المسجد الأقصى وزهرة المدائن لتأكيد قدسيتها لجميع المسلمين وما يستتبع ذلك من ضرورة الحفاظ عليها واستعادتها إلى حضن أمتها الإسلامية، والتذكير بالتحديات والمخاطر التي تتعرض لها، إيمانا منا بأن الذكرى تنفع المؤمنين·
إذا تتبعنا ما تتعرض له المدينة من أخطار خلال هذه الأيام التي تصادف مرور 36 عاما على حريق المسجد الأقصى على يد الصهاينة (21- 8-1969) نعي جوانب من هذه الحكمة ومدلولاتها، حيث تجاوزت التهديدات مسألة التهام أراضي القدس بالمستوطنات والجدار العازل لتصل إلى رمز التقديس في هذه المدينة وهو المسجد الأقصى· فقد هددت جماعات صهيونية متطرفة باقتحامه وتدميره مما دعا المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في فلسطين إلى إصدار بيان يوم 21أغسطس الجاري يحذر من تصاعد اعتداءات اليهود المتطرفين على مدينة القدس المحتلة والمسجد الشريف؛ بغية تهويدها، وتدمير الأقصى·
كما تسربت أنباء قبل ذلك عن السيناريوهات التي أعدها متطرفون صهاينة لتدمير المسجد الأقصى، ومن بينها ضربه بصاروخ· وشهد هذا العام أيضا إعلان العصابات الصهيونية المتطرفة موعد لمهاجمته وتم تحديد يوم العاشر من ابريل الماضي لحشد جماعات يبلغ عددها 100 ألف صهيوني متطرف، لاحتلال الأقصى والصلاة فيه، تمهيداً لإقامة هيكلهم المكذوب على أنقاضه· وقد هبت على إثرها جموع غفيرة من الفلسطينيين وشدت الرحال للدفاع عنه، وسط بيانات معتادة من بعض المؤسسات الدينية وبعض المنظمات الدولية العربية والإسلامية للتحذير والإدانة، وباقي المفردات المكررة في القاموس الإعلامي العربي·
التهام أراضي القدس
أما الاستيطان والتهام أراضي القدس ففي تصاعد مستمر لدرجة أن مركز القدس للديمقراطية وحقوق الإنسان يصدر تقارير شهرية عن التعديات على البشر والشجر والحجر في المدينة المقدسة· وعلى سبيل المثال رصد المركز العديد من هذه الانتهاكات الإسرائيلية خلال شهر يوليو الماضي وتلخصها مقدمة التقرير في 'مصادرة الأرض والتوسع الاستيطاني داخل أسوار البلدة القديمة في القدس، ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري في المدينة ومحيطها، والاعتداء على المقدسات الدينية وانتهاك حرية العبادة وحق ممارسة الشعائر الدينية، وهدم ما يزيد عن 13 منزلا ومحطة وقود، ورفض منح تراخيص البناء وانتهاك الحق في السكن، ومداهمة البلدات والأحياء المقدسية والتوغل فيها ومداهمة المنازل واعتقال عشرات المواطنين، وفرض الغرامات عليهم·'
وفي سياق هذا التذكير الذي ينفع المؤمنين، نشير إلى أن المركز ذاته ذكر يوم 23 أغسطس الجاري أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت أمراً عسكرياً، أعلنت بموجبه مصادرة 809 دونمات من أراضي أبوديس و477 دونما، من أراضي العيزرية و212 دونما من أراضي السواحرة الشرقية· كما أصدرت سلطات الاحتلال في الوقت نفسه إخطارات، بمصادرة أراض أخرى في منطقة الطور تبلغ مساحتها 87 دونماً·
وهكذا تستمر الانتهاكات والتعديات بشكل يومي· فقد كشفت صحيفة 'هاآرتس' الإسرائيلية النقاب يوم الخميس الماضي عن أن الحكومة الإسرائيلية ستبدأ في أعمال بناء في المنطقة المسماة 'أيه '1 الواقعة بين مدينة القدس المحتلة ومستوطنة 'معاليه أدوميم'، إحدى أكبر المستوطنات في الضفة الغربية· وبحسب ما هو مخطط له فإن الخطة الاستيطانية ستخلق تواصلاً جغرافيًّا استيطانيًّا بين مستوطنة 'معاليه أدوميم' اليهودية ومدينة القدس؛ وهو ما يعني فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وإكمال تطويق القدس بالمستوطنات وعزلها بالكامل عن محيطها في أراضي الضفة الغربية بأحياء يهودية، بشكل يمنع تطورها كعاصمة لدولة فلسطينية مستقبلاً·وكانت تقارير إسرائيلية قد أفادت في الأشهر الأخيرة بأن الحكومة الإسرائيلية أعدت مخططًا لبناء نحو 3500 وحدة سكنية في منطقة 'أيه ·'1 يشار إلى أن شارون أعلن مرارًا في السنوات الأخيرة أن الكتلة الاستيطانية 'معاليه أدوميم' سيتم ضمها لإسرائيل وإنشاء تواصل بينها وبين القدس·
هدم 538 منزلا
ويشير تقرير مركز القدس أيضا إلى تصعيد إسرائيلي آخر فيما يتعلق بسياسة هدم المنازل والتي سجلت في غضون السنوات الأربع الماضية ارتفاعا كبيرا رافقه أيضا تشديد في الإجراءات التي حدت من هذا البناء، وفرضت قيودا كبيرة عليه· واستنادا لمعطيات مركز القدس فقد تم خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الانتفاضة هدم ما مجموعه 538 منزلا، فيما تشير معطيات إسرائيلية إلى وجود ما يزيد على 6 آلاف منزل شيدت دون ترخيص· وتزعم مصادر إسرائيلية أخرى أن العدد هو ثلاثة أضعاف العدد المعلن عنه· وهذا يمهد للهدم·
و رصد المركز- في تقرير آخر له - نشاطا استيطانيا حول المدينة المقدسة من نوع مختلف، تمثل في شبكة الأنفاق والجسور والطرق الاستراتيجية التي أنهى العمل في جزء كبير منها في حين جاري العمل في الجزء المتبقي، وأشهرها شارع النفق أسفل جبل الزيتون حيث صودر 52 دونما من أراضي حي وادي الجوز، وشارع رقم 1 الذي التهم 370 دونما من أراضي المواطنين، ثم شارع رقم4 والذي صودر لشق ما مجموعه 2200 دونما من أراضي بيت حنينا القديمة، وتم الانتهاء منه إضافة إلى شارع الطوق الشرقي الذي التهم 1070 دونما من أراضي عدد من القرى المحيطة بالقدس·
النكتة المؤلمة
في ظل كل ذلك لا يزال الكثيرون يعيدون سماع النكتة المؤلمة التي تقول أن ملف القدس مؤجلة لمفاوضات الحل النهائي· لكن ماذا يبقى من القدس للحل النهائي المنتظر؟ بعض الباحثين الجادين تصدى للإجابة عن هذا السؤال، ومنهم الكاتب محسن صالح الذي يرصد خمسة محاور تتناغم مع بعضها لتهويد المدينة:
أولا: المسجد الأقصى
لا يظهر أن هناك خلافا بين اليهود على ملكية الأرض التي يقوم عليها المسجد الأقصى (يسمونها جبل المعبد)، وإنما يتركز الخلاف على اختيار التوقيت المناسب للسيطرة عليها وبناء الهيكل مكان الأقصى· وبالإضافة إلى جريمة إحراق المسجد الأقصى، والحفريات تحته والتي دخلت مرحلتها العاشرة، فإن عمليات الاعتداء على الأقصى قد زادت بشكل كبير بعد اتفاق أوسلو ·1993 فقد كان عدد الاعتداءات المسجلة عليه في الفترة 1967-1990 حوالي 40 اعتداء، لكن الفترة 1993-1998 شهدت 72 اعتداء· وفي العام الماضي وحده (سنة 2004) تمّ تسجيل 16 اعتداء· ويزاد الأمر خطورة، في ظل وجود 25 منظمة متطرفة مشابهة لمنظمة 'رباباه' اليهودية المتطرفة التي سبق الإشارة إلى خطتها لاجتياح المسجد الأقصى بعشرة آلاف مستوطن·
ثانيا: القدس القديمة
وهي القدس المسورة التي لا تزيد مساحتها عن ألف دونم، وهي في قلب الصراع على المدينة· فبعد بضعة أيام من احتلال القدس قام الإسرائيليون بتدمير حي المغاربة (135 بيتا ومسجدان) وجعله ساحة لعبادتهم مقابل حائط البراق أو ما يسمونه حائط المبكى·
وسيطر الصهاينة على كل حارة الشرف (الحي اليهودي)، كما سيطروا على الحي الأرمني، وتغلغلوا في الحي المسيحي، خصوصا بعد سيطرتهم على دير مار يوحنا الكبير سنة ،1992 وتمكنوا حتى الآن من وضع اليد على سبعين بؤرة سكنية في الحي الإسلامي في القدس· وقد زاد اليهود نفوذهم مؤخرا من خلال الصفقة التي تورط فيها بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية إيرينيوس والتي شملت فندقين و27 محلا·
ثالثا: الطوق الاستيطاني
لكي تحكم السلطات الإسرائيلية سيطرتها على القدس الشرقية، وحتى تصادر أكبر قدر ممكن من الضفة الغربية، قامت بتوسيع مساحتها من 6,5 كيلومتر مربعة إلى أن بلغت 123 كيلومترا مربعا سنة ·1990كما استولت على 86% من أراضي القدس ومنعت الفلسطينيين من استخدام 10% من الأرض، ليبقى لهم 4% فقط، وأنشأت 11 حيا يهوديا في القدس الشرقية، ثم أحاطتها بطوق آخر من 17 مستوطنة يهودية إلى أن بلغ عدد اليهود شرقي القدس نحو 200 ألف مستوطن·
رابعا: جدار الفصل العنصري
وحتى يكتمل الخناق حول القدس بدأت السلطات الإسرائيلية ببناء جدار عازل حول القدس الشرقية يصل طوله إلى نحو 72 كيلومترا، حيث تم بناء 26 كيلومترا منه فعلا· ووفقا للتقديرات، فإن الجدار سيعزل 18 قرية وبلدة فلسطينية· ويمزق الجدار النسيج الاجتماعي لمنطقة القدس، إذ يشق قرية السواحرة التي يبلغ سكانها 25 ألفا فيضع 10 آلاف شرق الجدار و15 ألفا آخرين غرب الجدار، ويقطع الجدار قرية أبو ديس فيعزل حي أم الزرازير وحي خلة عبد عن باقي القرية·
كما يشطر ضاحية السلام غربي قرية عناتا إلى شطرين، ويقسم قرية بيت حنينا الفوقا إلى قسمين، ويفصلها عن 7 آلاف دونم من أراضيها الزراعية· ويحيط الجدار بقرية الجيب ليصادر 85% من أراضيها· وهكذا، فمع اكتمال بناء الجدار ستجد محافظة القدس أنها فقدت 90% من أراضيها· ثم إن استكمال هذا الطوق الخطير على القدس يعني باختصار عزل 617 موقعا مقدسا وأثرا حضاريا عن محيطها العربي والإسلامي· وهكذا لم يتبقى من القدس الشرقية سوى 4% ·
خامسا: التضييق على السكان العرب
وهكذا لم يبق إلا القليل من الأرض· ولكن في المقابل بقي الكثير من مشاعر العزة والكرامة وحب الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس في نفوس أبناء فلسطين· بل لدى كل العرب والمسلمين· فالقدس ليست شأناً فلسطينينا فحسب أو عربيا فقط وإنما هي قضية إسلامية تشغل عقل ووجدان جميع المسلمين في أنحاء المعمورة، باعتبارها تحتضن أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم·
ومن ثم فإن الحفاظ عليها وحمايتها وتحريرها يعتبر من أبرز الثوابت الحضارية لأمتنا، وحتى إذا كانت موازين القوة ليست في صالح المسلمين اليوم، فإن ذلك ليس مبررا بحال من الأحوال للتفريط فيها· أو التخاذل عن نصرتها بكل الوسائل·
لاصيام ولا قيام
إن استقراء المناسبة يبين لنا انه لم تشرع في الإسراء والمعراج صيام نهار ولا قيام ليل· لماذا؟ كأن المقصود هو التركيز على دلالة الحادثة ومعانيها ودروسها، وبخاصة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى ومدينة القدس·
فهذه المدينة المقدسة ظلت مطمعا للمعتدين على مدار التاريخ شهدت من قبل نفس السيناريو الذي ينفذه الصهاينة اليوم، واستخدمت من قبل نفس المبررات المزعومة من اجل ابتلاعها· فالاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي الذي تتعرض له القدس اليوم هو نفس الاحتلال الاستيطاني الصليبي الذي تعرضت له من قبل ودام نحو قرنيين خلال الحروب الصليبية، والشعارات والمبررات الدينية التي تستخدم في الاحتلال الراهن هي نفس المبررات التي سبق أن اعتمد عليها الاحتلال الصليبي للقدس·
ولكن عندما سقطت القدس تحت الاحتلال الصليبي لم تسقط من عقول المسلمين وقلوبهم، وإنما بقيت حية يزيدها الزمن اشتعالا طالما ظل التذكير بها مستمرا· وبعد قرنين من الاحتلال الصليبي وجدها صلاح الدين الأيوبي لا تزال مشتعلة في عقول ووجدان المسلمين وعقب كل انتصار يحرزه صلاح الدين على الصليبيين كان الشعراء ( وهم رجال الإعلام آنذاك) يذكرونه بالقدس، حتى أعادها إلى حضن أمتها الإسلامية·
وكما عادت القدس عربية إسلامية من قبل، فإنها سوف تعود عربية إسلامية مرة أخرى، بشرط أن يأخذ المسلمون بالسنن الإلهية، عندها سوف يتحقق وعد الله تعالى بالفتح المبين·
ومن ثم فإن واجب المسلمين اليوم الدفاع بكافة الوسائل عن القدس واتخاذ جميع السبل لإعادتها إلى حضن الأمة، ومواجهة كل محاولات تزييف الوعي وتزوير التاريخ والجغرافيا التي تستهدف تهويد المدينة وتغيير معالمها·
وإذا كان هذا المعني يجسد حكمة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على مستوى المكان، فإن هناك أبعاداً ومعانى أخرى للحادث على مستوى الزمان· نستحضر فرض الصلاة في هذه الذكرى لتكون معرجا يوما للمسلم إلى ربه، فإذا كانت سائر العبادات الأخرى قد فرضت في الأرض، فإن الصلاة قد فرضت في السماء خلال تلك الليلة العظيمة· وهذا دلالة على أهمية الصلاة، الركن الأهم من أركان الإسلام· فالصلاة بمثابة المعراج الروحي أو الإيماني لكل مسلم ليرقى به إلى خالقه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض