18 مارس 2012
محمود عبدالعظيم (القاهرة) - تسعى البنوك المصرية إلى اجتذاب المزيد من مدخرات المصريين العاملين بالخارج عبر طرح أوعية ادخارية جديدة بالدولار.
وجاءت هذه الخطوة عقب إطلاق البنك الأهلي المصري شهادات دولارية مطلع مارس الجاري عبر فروع البنك العربي المتواجدة في معظم دول الخليج العربي ودول أوروبا والولايات المتحدة باسم شهادة “المصري الدولارية” بضمان الحكومة المصرية للمساهمة في دعم الاقتصاد المصري وبهدف البحث عن أدوات بديلة لتدبير سيولة من النقد الأجنبي لتخفيف الضغوط على الاحتياطي الأجنبي.
وتمنح الشهادة الجديدة عائدا ثابتا يصل إلى 4% سنويا ويبلغ أجلها ثلاث سنوات، فيما تقتصر طلبات شراء الشهادة على المصريين العاملين بالخارج وتتاح للبيع لمدة 6 أشهر تنتهي في أغسطس المقبل وتصدر بفئات 1000 دولار ومضاعفاتها من دون حد أقصى، ويمكن استردادها بعد 6 أشهر من تاريخ إصدارها.
وتخطط الحكومة المصرية استناداً لدراسات وزارتي التخطيط والمالية بالتعاون مع البنك المركزي المصري والبنك الأهلي لجذب خمسة مليارات دولار من ثمانية ملايين مصري في دول العالم يحتفظ نصفهم على الأقل بمدخرات دولارية في بنوك الدول التي يعملون بها لاسيما بين أوساط المهاجرين مؤقتا في أوروبا والولايات المتحدة والمقيمين منذ سنوات طويلة في دول الخليج العربي وانخرطوا في أنشطة تجارية مع شركاء محليين في هذه الدول.
ويتوقع البنك الأهلي المصري جذب ثلاثة مليارات دولار كمرحلة أولى من الحصيلة المخطط لها خلال الشهور الثلاثة المقبلة وقبل اغلاق باب الاكتتاب في الشهادة الجديدة، فيما تبدأ مرحلة ثانية من الاكتتاب بمشاركة بنوك خليجية وأوروبية أخرى بخلاف البنك العربي وبناء على تقييم تجربة الطرح الأولى.
ورغم العائد الكبير على شهادات الإيداع الدولارية وهو 4 بالمئة مقارنا بمتوسط عائد عالمي على الدولار يتراوح بين نصف وواحد بالمئة في معظم بنوك العالم، فإن العديد من البنوك المصرية تترقب نتائج عملية الطرح الأولى للدخول بقوتها بعد ذلك في سباق لجذب المدخرات الدولارية للعاملين بالخارج وذلك عبر طرح أوعية ادخارية مماثلة لهؤلاء المغتربين وبأسعار فائدة مميزة قد تكون أعلى من العائد المقرر على شهادة “المصري” مما يرجح أن يتراوح العائد الجديد بين 4,5% و5% لاسيما وأن الشهادة الأولى مضمونة حكوميا بينما ستكون الثانية صادرة عن البنوك كأي عمل مصرفي عادي.
ظاهرة الدولرة
ورغم أن شهادات الايداع الجديدة سوف يقتصر الاكتتاب فيها على المصريين العاملين بالخارج منعا لعودة ظاهرة الدولرة (تحويل الودائع إلى الدولار) داخل السوق المحلية فإن هذه السوق تنتظر نتائج عملية الاكتتاب الأولى لاتخاذ قرارات بشأن التحول الى الادخار بالدولار في ظل عائد كبير متوقع وفي ظل مخاوف من حدوث خفض إجباري لسعر صرف الجنية في الفترة المقبلة بسبب استمرار تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي.
وقد بدأ العديد من البنوك المصرية خصوصاً التي تتمتع بتواجد قوي خارج البلاد مثل القاهرة ومصر والعقاري العربي أو التي يشارك في رأسمالها مؤسسات عربية، دراسة مشروعات لطرح شهادات دولارية وأخرى باليورو لاجتذاب إيداعات بالعملة الأجنبية والمتاحة لدى عدد كبير من العاملين بالخارج والذين قد يفضلون عدم شراء شهادات “المصري” خاصة أنه لايوجد تعارض بين شهادات المصري وتلك التي تستعد البنوك الأخرى لطرحها حيث إن اجمالي حصيلة هذه الأوعية الادخارية سوف يصب في رصيد العملة الأجنبية بالبلاد ويسهم في دعم قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود خلال المرحلة الراهنة.
وتسعى البنوك الى توظيف شبكة مراسليها في الخارج وبعض الفروع التابعة مباشرة، في جمع أكبر حصيلة ممكنة من العاملين بالخارج بينما سوف تتيح هذه البنوك الأوعية الادخارية الجديدة بالعملات الأجنبية لعملائها بالداخل ولكن بضوابط محددة حتى لا يؤدي ذلك الى اندفاع أصحاب المدخرات داخل البلاد الى التخلي عن مدخراتهم بالجنيه وتحويلها الى اليورو والدولار لشراء الشهادات الجديدة.
رفع الفائدة
وهذه الشهادات يعتبرها خبراء مصرفيون بداية صراع شرس بين البنوك على أموال المصريين العاملين بالخارج وبالتالي سوف يلقى هذا الصراع بآثاره من دون شك على بقية أعمال البنوك في السوق المحلية الأمر الذي يعني اضطرار البنوك الى القيام بعمليات رفع تدريجي للفائدة على الودائع بالجنيه بمختلف أنواعها وآجالها خلال المرحلة المقبلة لتحفيز المودعين على الاحتفاظ بمدخراتهم في وعاء العملة المحلية.
ويشير هؤلاء الخبراء الى أن العاملين بالخارج في هذه الحالة سوف تكون لديهم فرص متنوعة للاختيار بين شهادات ايداع حكومية وشهادات أخرى مصرفية تعظم العائد على مدخرات المغتربين خاصة الذين يضطرون للاحتفاظ بجزء من مدخراتهم في بنوك الدول المقيمين بها.
ويؤكد الخبراء أن هذه الخطوة سوف تكون بداية جديدة لدعم دور المغتربين المصريين في دعم عملية التحول الاقتصادي بالبلاد في السنوات القادمة لاسيما وأنها مرتبطة بعوائد جيدة سوف يجنيها هؤلاء على مدخراتهم وهي عوائد لا تتوافر لهم حال الاحتفاظ بهذه المدخرات في بنوك الدول التي يعملون بها وكذلك تزامنها مع عمليات أخرى لطرح أراض للعاملين بالخارج لبناء منازل لهم في المدن الجديدة. وأشاروا الى أن هذه الخطوات مجتمعة تمثل استراتيجية جديدة لاعادة ربط المصريين بالخارج خصوصا المهاجرين مؤقتا بالوطن الأم عبر مشروعات واضحة ومحددة مما يسهم في خلق دور اقتصادي فعال لهم في المرحلة القادمة وعلى ضوء النمو الكبير الذي حققته تحويلات العاملين بالخارج في السنوات القليلة الماضية حيث بلغ اجمالي هذه التحويلات 12,7 مليار دولار في العام الماضي وبنسبة زيادة 32% على العام الأسبق.
ويرى محمود عبداللطيف رئيس بنك الإسكندرية السابق أن شهادات الايداع الحكومية وسيلة جيدة لتحقيق هدف الحكومة والعاملين بالخارج في توقيت واحد، مضيفا أن الحكومة تسعى لاعادة بناء الاحتياطي النقدي مرة أخرى وتريد موارد من النقد الأجنبي لسد الاحتياجات الاستيرادية.
وقال إن موارد السياحة تتراجع وكذلك الصادرات البترولية فكان من الضروري البحث عن مصادر جديدة ولو مؤقته من النقد الأجنبي فكانت شهادات الايداع وهي تجربة سبقتنا اليها دول عديدة خاصة من التي مرت بتجارب حروب أو ثورات وأرادت إعادة بناء اقتصاداتها على أسس جديدة مستفيدة في ذلك من وجود جاليات كبيرة لها موزعة على بلدان العالم المختلفة.
كما تمثل هذه الخطوة وسيلة جيدة لتنمية مدخرات العاملين بالخارج فإذا أودعوا الدولار في أي بنك في أي بلد فلن يحصلوا سوى على عائد 1 بالمئة على هذه الأموال بينما توفر شهادات الايداع المصرية عائدها في حدود أربعة بالمئة وهو عائد كبير ومطلوب لتحفيز المغتربين على شراء هذه الشهادات الى جانب أن الشهادات مضمونة حكومياً أي تتمتع بميزة اضافية وهو ما يفسر قصر الشهادات على المصريين العاملين بالخارج وعدم السماح لأصحاب المدخرات بالداخل للاكتتاب فيها وكذلك حظرها على المؤسسات المالية الأجنبية.
ويضيف أن هذه التجربة ونتائجها خاصة اذا حققت نتائج ايجابية سوف تصب في صالح الجهاز المصرفي المصري الذي سوف يجد في العاملين بالخارج ما يغريه بالتواجد في العديد من الأسواق العربية والدولية.