دبي - سامي عبدالرؤوف:
قال فضيلة الدكتور أحمد الحداد كبير مفتي دبي ومساعد مدير إدارة الافتاء والبحوث بدائرة الشؤون الإسلامية في دبي: ان تعلم السحر حرام شديد التحريم لما فيه من أثر سيىء في الافساد في الارض، وإيذاء خلق الله تعالى وقد أشار القرآن الكريم إلى حكم تعلمه بقوله: (··· ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) فقد دلت الآية على كفر تعلم السحر في موضعين منها: الاول بقوله: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر··) حيث كان هذا التعليم علة كفرهم، الثاني بقول الملكين: (إنما نحن فتنة فلا تكفر) فدلت على أن تعلم السحر يؤدي إلى الكفر، لما يترتب على ذلك التعلم من أفعال ودعاوى تخيل قلب الحقائق وتضر بالناس ومضاهاة الانبياء في المعجزات·
ودلل الدكتور الحداد على كفر تعلم السحر بما اخرجه الحاكم وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) والتولة شيء كانوا يصنعونه يزعمون انه يحبب المرأة إلى زوجها، أو الزوج إلى زوجته وذلك ضرب من السحر فلذلك يحرم تعاطيه والسعي اليه بأي وسيلة من الوسائل·
وعن كيفية العلاج من السحر والشعوذة، ذكر كبير مفتي دبي أن الإنسان إذا أصيب به كان لإذهابه ومعالجته طريقتان، الأولى - مشروعة بالاتفاق - وهي الرقية الشرعية من قراءة القرآن الذي هو شفاء ورحمة، والتعوذ به، وكما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رقاه جبريل من سحر اليهود بالمعوذتين كما ثبت في الصحيحين وغيرهما·· وكذا بنحو ذلك من الاذكار والاستعاذات المعروفة المشروعة، والدعوات الصالحة، من الأنفاس الطيبة المرضية، كما هو عمل الأمة سلفاً وخلفاً·
أما الطريقة الثانية، فهي أن يحل السحر بسحر مثله، وهذا أمر اختلف أهل العلم فيه فمنهم من يرى انه حرام ولا يجوز لانه سحر وتنطبق عليه أدلة تحريم السحر التي تقدمت، وهناك من يرى - أي الثاني - انه يحل لما فيه من إزالة الضرر، والضرورات تبيح المحظورات، ولرفع المشقة النازلة والمشقة تجلب التيسير، ولقوله تعالى: (والله يعلم المفسد من المصلح)، وقد جاء في صحيح البخاري عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو يُنشر؟ فقال: لا بأس انما يريدون به الاصلاح فإن ما ينفع لم ينه عنه·
كذبة الأموال
ويقول الدكتور حسن المرزوقي استاذ الفقه ومساعد عميد كلية الشريعة والقانون بالعين: إن للشعوذة والسحر خطورة كبيرة على أفراد المجتمع، لأن من السحر ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، مشيراً إلى أن من أنواع السحر الآن ما يعرف (بمضاعفة الاموال) وهو نوع صريح من الدجل والتحايل، حيث يخدعون الناس بمساعدتهم على الثراء السريع، ولكن الحقيقة انهم يجرون وراء سراب يغر من رآه ويخلف من رجاه·
ويشير الدكتور المرزوقي إلى أن أنواع السحر كثيرة ويمكن ان تندرج تحت ثلاثة انواع وهي السحر الحقيقي والسحر التخيلي والسحر المجازي، ومنها المأكول والمشروب وهو أشد أنواع السحر تأثيراً على المسحور ومثله المشموم وما يرش على البدن، كذلك المشموم وهو ما يخلط في الطيب أو يعمل من الطيب والبخور، بالاضافة إلى المعقود وهو كل ما يمكن عقده والنفث عليه، فضلاً عن سحر الأثر وهو ما يؤخذ من اثر المسحور كالشعر والاظافر والثياب، والمني·
وأكد مساعد عميد كلية الشريعة أن الإنسان الذي يقوم بالسحر والشعوذة هو في الحقيقة من شياطين الانس، لا يحب الخير أبداً، يركع ويسجد لشياطين الجن من دون الله، نزعت الرأفة والرحمة من قلبه، همه المال والشهوة وارضاء أسياده من شياطين الجن، كافر بالله بل لابد لساحر الانس ان يكفر بالله حتى يكون ساحراً، لقوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر) الآية، يلعن ذات الله ويسب رسوله، ويكتب 'والعياذ بالله' بعض آيات القرآن الكريم بمداد نجس وغير ذلك من الأفعال المشينة· وعن العلامات التي يمكن للمجتمع ان يعرف بها السحرة والمشعوذين، ذكر الدكتور حسن المرزوقي انه اذا وجدت علامة واحدة من هذه العلامات في احد المعالجين فهو من الدجالين والمشعوذين ومن الكهان والعرافين وهو من السحرة بلا ادنى ريب، وهذه العلامات هي ان يسأل المريض عن اسمه واسم امه، أو يأخذ أثراً من آثار المريض (ثوب، منديل) وكذلك ان يطلب حيواناً بصفات معينة ليذبح ولا يذكر اسم الله عليه، وكتابة الطلاسم أو تلاوة العزائم غير المفهومة، بالاضافة إلى اعطاء المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف أو أرقام ويأمر المريض بأن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها شمس ويسميها العامة الحاجبة·
عقوبة المشعوذين
وعن جزاء من يذهب للمشعوذين، قال المرزوقي: إن من يذهب إلى هؤلاء الناس ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة اربعين ليلة) وفي رواية عن ابي هريرة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم· وحذر استاذ الفقه الإسلامي بجامعة العين من اتيان المشعوذين والسحرة، مؤكداً ان العلاج وتفريج الكروب وزيادة الاموال بيد الله وليس احد من البشر، مشيراً إلى أن طالب السحر هو إنسان حاقد وظالم وجاهل وجبان يعمل بالخفاء لانه اذا اراد ينتقم من إنسان آخر ذهب إلى عدو الله الساحر فيطلب منه ان يفرق بين فلان وفلانة أو ان لا يجعل فلانة تتزوج من فلان أو ان ينفر فلان من أهل بيته ومجتمعه وعمله، مشدداً على ان طالب السحر يخسر دينه ويغضب ربه ويقحم نفسه في نار جهنم والعياذ بالله ودعا الدكتور حسن المرزوقي من يتعامل مع هؤلاء السحرة إلى تقوى الله والاستغفار والتوبة وليبطل ما عمل من السحر، وليكثر من الطاعات والاستغفار لعل الله ان يتوب عليه·
كما دعا من ابتلي بسحر أو شعوذة أن يصبر على البلاء وليحتسب الاجر والمغفرة عند الله، وليتخذ من الاسباب الشرعية المباحة في علاج نفسه وإبطال سحره وليرفع أكف الضراعة وليلح في الدعاء فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون) (النمل: 62)·
تهديد المجتمع
فيما يرى بلال محمد الخبير الاجتماعي ومدير المكتب الفني بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن اللجوء إلى المشعوذين والسحرة له كثير من الآثار الاجتماعية السلبية حيث يؤدي إلى نشأة الحقد الاجتماعي وزيادة الخلافات بين افراد وطبقات المجتمع الواحد يمتد اثره إلى الاسرة الواحدة وهو ما يؤدي في الاخير إلى انتشار الكراهية وحب الانتقام وجميعها امراض اجتماعية يجب التخلص منها وتجفيف منابعها الاساسية حتى يظل المجتمع ينعم بالاستقرار والرخاء·
وذكر بلال محمد أن اللجوء إلى المشعوذين يعتبر حتى الآن لم يرق إلى أن يكون ظاهرة حقيقية أو مشكلة اجتماعية، وهو ما يساعد على التغلب عليها والقضاء عليها وهي في مهدها، مؤكداً أن الاستعانة بالسحر والشعوذة هو سلوك غريب على المجتمع الإماراتي وتقليد دخيل على الدولة، باعتباره احدى الظواهر التي استقدمت مع بعض الجنسيات وخاصة الافريقية، مشدداً على ان ثقافة الثراء السريع ومضاعفة الاموال ثقافة ليس لها اصول ولا تعتمد على اسس في هذا المجتمع· وطالب الخبير الاجتماعي بالتصدي لمثل هذه الحالات التي تظهر بين الحين والآخر، وذلك من خلال تكثيف حملات التوعية وتسليط الضوء على خطورة هذه الافعال وطرح البديل المناسب حتى لا يلجأ الناس إلى هؤلاء المشعوذين والدجالين، كما طالب بضرورة تغليظ العقوبة على مرتكبي هذه الجرائم، مؤكداً أن هذا الاجراء سيكون الرادع الحقيقي لكل من تسول له نفسه خلخلة قيم المجتمع والتلاعب بأفراده·