5 مايو 2010 22:27
بعد 400 عام من الاحتلال العثماني، وعقود طويلة من الضربات التي تعرضت لها بلادهم في العصر الحديث من قوى أكبر، أصبح لدى اليونانيين حساسية شديدة لكل ما يرمز للهيمنة الأجنبية. ولكن نظراً لأن اليونان تقف الآن على حافة الإفلاس فلم يكن أمام قادتها من الخيارات ما يتيح لهم تجنب وضع أنفسهم رهينة في أيدي أوروبا، وصندوق النقد الدولي.
بعد شهور من المفاوضات المكثفة، وافق شركاء اليونان في منطقة اليورو، وصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، على تخصيص 146 مليار دولار كحزمة لإنقاذ اليونان، والحيلولة دون أن تكون أزمتها سببا في عرقلة اقتصادات باقي الدول الأوروبية. في مقابل ذلك، فُرض على المسؤولين اليونانيين تنفيذ برنامج تقشف ضخم سوف يتضمن إجراء تخفيضات كبيرة في المعاشات، وأجور الموظفين الحكوميين، بالإضافة إلى زيادة الضرائب.
في كلمة له أمام اجتماع طارئ لمجلس الوزراء اليوناني قال "جورج باباندريو" رئيس المجلس: أود أن أوضح بجلاء للجميع، أنني قد بذلت كل ما في وسعي، وسوف أبذل كل ما في وسعي، من أجل الحيلولة دون إفلاس بلدي". ودعا باباندريو في كلمته الشعب اليوناني لتقديم التضحيات من أجل المحافظة على مستقبل بلاده. ومع أن المسؤولين الأوروبيين قد وافقوا على حزمة المساعدات من أجل إنقاذ اليونان، وإنقاذ منطقة "اليورو" في ذات الوقت، إلا أن الأزمة أبرزت عمق الخلافات بين أعضاء منطقة "اليورو"، وهزت من الإيمان بالعملة الموحدة المستعملة في 16 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ويقول "جينس باستيان" عالم الاقتصاد السياسي الألماني، والأستاذ في "المجمع الهيليني للسياسة الأوروبية والخارجية"، في معرض إشارته إلى تردد ألمانيا كثيراً في الموافقة على حزمة المساعدات لليونانيين المسرفين: "لا شك أن حزمة الإنقاذ تحقق مصلحة ألمانيا، كما تحقق مصلحة اليونان، وتصب في مصلحة أمن منطقة اليورو بشكل عام... ولكن ليس هناك جدال مع ذلك في أن نجاح البرنامج المحدد للإنقاذ يتوقف في المقام الأول على اليونان، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها خلال السنوات الثلاث القادمة". والأسباب التي دفعت باليونان إلى حافة الأزمة معروفة وهي: ثقافة الفساد، والمحسوبية، وإيثار الأقارب بالإضافة لترهل الدولة، والاعتياد على تقديم الإحصائيات المغلوطة التي استمرت لعقود دون أن تنتبه إليها الدول الأوروبية الأخرى بسبب فترة الازدهار، التي كانت سائدة في القارة، والتي أعمت الأبصار عن رؤية الاختلالات البنيوية في اليونان وغيرها من دول منطقة "اليورو".
وفقاً للاتفاقية الموقعة مع صندوق النقد الدولي، وافقت اليونان على إجراء إصلاحات في اقتصادها، لكن قدرتها على الوفاء بهذا الوعد تتوقف كما يقول الخبراء على قدرتها على إجراء تغيير جذري في ثقافة الفساد السائدة.
والسؤال المطروح في الوقت الراهن هو: هل سيقبل الشعب اليوناني بالشروط التي وضعتها الدول المساهمة في الحزمة وصندوق النقد الدولي، ومن بينها تخفيض الإنفاق، وكبح عجز الموازنة، وتخفيض الفاقد، وتحسين الكفاءة البيروقراطية، وتطهير المجتمع من ثقافة الفساد، واتباع سياسة تقشفية؟
من المعروف أن الاتحادات والنقابات في اليونان قوية، ومنظمة جيداً، ومقاومة للتغيير. وقد تعهدت تلك الاتحادات، التي وصفت الإجراءات المفروضة على اليونان مقابل حزمة الإنقاذ بأنها "وحشية"، بإشعال فتيل عاصفة اجتماعية في شوارع اليونان، كما دعت إلى تنظيم سلسلة من الاحتجاجات ضد تلك الإجراءات.
واليونانيون يشعرون في الوقت الراهن بالغضب الشديد بسبب وصفهم عبر أوروبا بأنهم شعب كسول، يتهرب من الضرائب، ويسعى إلى المعاش المبكر، وإن كان البعض منهم يعترف مع ذلك بالمشكلات العميقة الموجودة في مجتمعهم. وربما يكون هذا هو السبب في أن اليونانيين قد ابتلعوا حبة الدواء المرة الخاصة بالتقشف دون أن يظهروا ذلك القدر من الغضب والسخط المعروف عنهم.
فعلى الرغم من أن المظاهرات والاحتجاجات قد تكررت في اليونان خلال الشهور القليلة الماضية، وشهدت صدامات عنيفة مع رجال الأمن، إلا أن تلك المظاهرات والاحتجاجات لا تقارن بالمظاهرات التي هزت أثينا في ديسمبر 2008، أو حتى الاحتجاجات التي اندلعت ضد إجراءات التقشف في بداية التسعينيات.
وفي الحالتين كانت الحكومة في اليونان تنتمي إلى "يمين الوسط"، وكون أن الحكومة التي تفرض الإجراءات التقشفية في الوقت الراهن اشتراكية، يفسر السبب في أن الغضب هذه المرة ليس على المستوى المعروف عن اليونانيين، ولكن نطاق الإجراءات التقشفية هذه المرة، وحقيقة أنها مفروضة من قبل صندوق النقد الدولي الذي ينظر إليه من قبل اليونانيين على أنه قوة رأسمالية وإمبريالية، يمكن أن يؤدي إلى تغيير المشاعر الشعبية ضد الجميع.
تقول الحكومة اليونانية إنها ستقلص الإنفاق الحكومي بمقدار 38 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث القادمة. ومن المتوقع كما يقول خبراء اقتصاديون أن يكون العاملون في القطاع الحكومي هم أكثر المتأثرين بذلك التقليص، حيث سيتعرضون لتخفيضات حادة في رواتبهم في صورة تخفيض للعلاوات ورواتب الإجازات.
مع ذلك يؤكد هؤلاء الخبراء أن كافة قطاعات الشعب اليوناني سوف تحس بتأثير تلك الإجراءات: فضريبة المبيعات سوف يتم زيادتها بنسبة 23 في المئة، كما سيتم تجميد مستوى المعاشات للجميع، ورفع سن التقاعد للمرأة.
وقد أقر وزير المالية اليوناني "جورج باباكونستانتينو" الذي أعلن تفاصيل الحزمة الإنقاذية قبل أن يستقل الطائرة إلى بروكسل لاعتماد الصفقة بصفة نهائية من قبل وزراء مالية الاتحاد بأن المفاوضات كانت شاقة، بيد أنه أكد مع ذلك أن الحكومة اليونانية، قد كسبت بعض المعارك خلال تلك المفاوضات وخصوصاً في مجال حماية اليونانيين الأكثر فقراً. وكان من ضمن ما قاله "كونستانتينو": "سنمضي في هذا الطريق لأنه الطريق الوحيد لإنقاذ بلادنا، وعندما نفعل ذلك فإننا نكون واثقين من أن غالبية الشعب اليوناني ستقف وراءنا". ولكن البعض في اليونان يظلون مع ذلك متشككين في قدرة الحكومة على تغيير الأشياء. من هؤلاء "جورج كالابوداس" مهندس الكمبيوتر، الذي كان قد صوت لصالح الحكومة الاشتراكية الذي يقول: ليس باباندريو نفسه، ولكن هناك جزءا من الحكومة فاسد. دعني أقول بطريقة أخرى إن جزءاً من الحكومة اليونانية يحاول تقديم المساعدة، في حين أن الجزء الآخر فاسد وغير مهتم بشيء".
نيكول إيتانو - أثينـا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»