لكبيرة التونسي (أبوظبي)
تتواصل فعاليات «المغرب في أبوظبي»، التي تنظمها وزارة شؤون الرئاسة بنجاح كبير، حيث تشهد تدفقاً جماهيرياً خاصة خلال نهاية الأسبوع، ويحرص المعرض ككل دورة على تقديم باقة واسعة من الفنون والحرف التقليدية والمواد والأعمال التاريخية والقطع الأثرية التي تبرز جانباً من تاريخ المغرب وحضارته الضاربة في عمق التاريخ، كما يعكس المعرض تعدد المكونات اللغوية والثقافية المتنوعة.
ولأهمية الإبداع والابتكار في حياة الشعوب، ولربط الصناعة التقليدية بالتصميم، تحتضن الفعالية التي تستمر بمركز أبوظبي للمعارض حتى 30 من أبريل الجاري، «جناح المبدعين» الذي يحتفي بالإبداعات والابتكارات في الصناعات التقليدية، ويشهد الدمج بين الصناعة التقليدية والعصرية مع الحفاظ على روح التراث.
إبداعات المرأة
واستكمالاً لما تحقق في الدورات السابقة من أنشطة وفعاليات، أثرت خيال الزوار ومخزونهم المعرفي والثقافي، تأتي هذه الدورة تعبيراً عن جسر المحبة والتواصل والتبادل الحضاري والثقافي بين دولة الإمارات والمملكة المغربية، وتأصيلا للعلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين حاملة معها عناصر إبداعية تربط الأصالة بالمعاصرة، لتترك أثراً طيباً في نفس كل من يزور المعرض، تتمثل في حضور رواق المبدعين الشباب، بمشاركة 12 مصمماً للديكور الداخلي والأزياء والتحف والتصوير، كما يترجم الجناح إبداعات المرأة المغربية التي ارتبطت بالصناعة التقليدية والحرف منذ نعومة أظفارها، وبرغم التطور الحاصل في جميع المجالات، إلا أنها لم تتخل عن الموروث التراثي والتقليدي، لتطوره وتطوعه ليشكل أيقونة عصرية، تجول جميع أنحاء العالم وتتزين بها البيوت والقصور والفنادق، كما تشكل إبداعات الشباب تحفاً فنية تجوب العالم، بينما عكف المصممون على إبداع أزياء عصرية بروح تقليدية لتبقى الصناعة التقليدية حاضرة في ذهن هذا الجيل الذي يتعرض لهجمات الدعاية لماركات عالمية سواء على مستوى الديكور أو الأزياء.
بين التقليدي والعصري
قال سفيان الصبار مهندس معماري عن جناح المبدعين، إن هذه المساحة المقسمة بشكل إبداعي يعكس ابتكارات الشباب في مجال الصناعة العصرية بروح تراثية، لافتاً إلى أن المشاركين يعرضون أعمالهم في مختلف أنحاء العالم، وتتنوع إبداعاتهم بين الأزياء والديكور والنحت والتحف الفنية، موضحاً أن جناح المبدعين جاء امتداداً لجناح الأزياء ومدخلاً لجناح لمبنى المكتبة وجناح فنون الطبخ، ليشكل حواراً بين التقليدي والعصري وأضاف: يشتمل الجناح على إبداعات فنانين من دار مفتاح وهي عبارة عن مكعبات نحاسية مضيئة مشغولة يدويا، ومن أهم الأعمال المعروضة العمل الفني للمبدعة غزلان السحلي والتي عملت بخيوط أعطتها أجزاء مستوحاة من جسم الإنسان، بينما اشتغل الإخوة مفتاح وهم عادل وياس ومونية على النحاس، أما الجناح نفسه فتصميمه جاء ليعكس إبداعات تدمج بين العصري والتقليدي، وقد استعمل في جانب منه النحاس والجبس والرخام والخشب، أما الأرضية فشكلت لوحة فنية، حيث تم دمج الرخام الأبيض مع الفسيفساء الملون، وهي لوحة مستوحاة من رسومات الفنان المغربي محمد مليحي، أما الأبواب النحاسية فجاءت ثلاثية الأبعاد، وهي دعوة للترحيب بالزوار لدخول عالم الإبداعات الشبابية، إضافة إلى باقة من الإبداعات باستعمال مواد تقليدية مثل النحاس والرخام والزليج والفخار والصوف والحلفة «نبات صحراوي» والحجر وغيرها من الخامات، لتتلاشى جميع الحواجز ويبرز عمل عصري بروح أصيلة تقليدية.
رسالة فنية
المصممة كنزة بن شريف، تشارك هذه السنة بإبداعات مختلفة عن الدورة السابقة من فعالية «المغرب في أبوظبي»، فبعد أن كانت تمزج فن الخط العربي مع قطع الأثاث، لتشكل أيقونة متميزة، مع تركيزها على الحفاظ على التراث الشفوي المغربي، من خلال ابتكار تصاميم عملية لمنتجات عدة، عملت هذه الدورة على معالجة بعض المشاكل التي تتعرض لها المرأة في العالم من خلال دمج الصورة في الزي التقليدي المغربي، فجاءت بعض القطع عبارة عن قفطان مغربي قصير يناسب المرأة العصرية يحمل صورا وألواناً ورسومات مختلفة، وأوضحت أن عملها يعالج ما تتعرض له بعض النساء من غدر وعنف وتحرش في جميع أنحاء العالم، لافتة إلى أن أعمالها تتجاوز مفهوم مزج العصري بالتقليدي إلى رسائل عبر الفن، وأشارت قائلة: «أريد من خلال عملي أن أوضح العلاقة بين الانفتاح والتقاليد، حيث إن بعض المجتمعات باتت تفتقد الكثير من القيم، وباتت المرأة تصارع داخل البيت وخارجه، لتحصل على حقوقها.
حجر الكوارتز
الفنانة أمينة أكزناي، المهندسة المعمارية والمصممة تترجم في أعمالها فلسفتها الخاصة، القائمة على المشاركة والتبادل مع حرفيي الصناعة التقليدية، حيث حولت الحجر إلى عمل فني، وعملت على إبداع ستارة أو جدار من حجر الكوارتز الذي تزخر به الأراضي المغربية بالإضافة إلى أنواع أخرى من الأحجار الكريمة، فنجحت في تحويل ما يضمه باطن الأرض إلى لوحة فنية براقة. وأكدت أكزناي أن العمل الفني له علاقة بالهندسة وهو مثل جدار من حجر الأكوارتس الأبيض والأونيكس الأصفر والأسود، والكوارتز المشهور في المغرب وهي أحجار ثلاثية الأبعاد، قلبها بلوري، لهذا جاء العمل يشبه الحجر المقسوم إلى نصفين.
وأضافت أن هذا العمل يتطور يومياً، حيث أعمل عليه يومياً وأضيف إليه حسب تخيلي، أما الجانب الثاني من العرض فهو عبارة عن مشروع لوزارة الصناعة التقليدية المغربية، والذي يعرض منتجات تعود إلى إقليم «جرادة» بالشمال الشرقي للمملكة، حيث اشتغلت كل سيدة على منتوجها حسب إحساسها الفني والمشروع له علاقة بالتسويق في إطار المحافظة على التراث واحترام البيئة.
وانطلاقاً من تجربتها الشخصية، استطاعت أكزناي الجمع بين التصميم والفن، حيث توجهت إلى تصميم المجوهرات ولكن بطريقة خاصة، وأشارت الباحثة إلى عمق القرى المغربية والمناطق النائية التي تستخدم فيها الأدوات التقليدية لتوظيفها في الحياة العصرية، كما أنها تعمل في إطار الشراكة مع العديد من الجهات المختصة في الصناعة لإبراز هذا الكنز، موضحة أن المغرب يزخر بتنوع في المواد الصناعية، وفي كل رحلة من رحلاتها تستكشف جانباً من بلدها على امتداد جغرافيته. وعن مجموعتها من الحلي المصنوعة من الجلد والصوف والقطن، أشارت إلى أنها تريد أن تنشئ علاقة بين الفن والتصميم، فأنتجت هذه المجموعة بمشاركة العديد من الصناع.
فنون وموسيقى برائحة الأندلس والأمازيغ
في أروقة فعالية «المغرب في أبوظبي»، تعزف نخبة من جوقات مغربية ألواناً من الموسيقى التراثية المغربية المتنوعة، والمتناغمة والممزوجة برائحة الأندلس والأمازيغ، والطرب الشرقي الأصيل، وبتميز غير مسبوق زخمت أروقة الفعالية بشتى أنواع الرقص والغناء الشعبي المغربي الفريد، فأطربت آذان الزوار ورسمت السعادة على محيّاهم، ولفّت المكان بعطر الشرق العريق.
يصحب العرض الموسيقي في فعالية «المغرب في أبوظبي» الزوار لأحد القصور المغربية التي تعيدك إلى العصر الأندلسي، بما فيه من غناء وطرب مميز، حيث تستمد العروض أغانيها من موروث العرب الذين كانوا في الأندلس، بالإضافة إلى مجموعة من البرامج الموسيقية المميزة لكل فرقة على حدة، حيث تتميز الموسيقى المغربية بالتنوع، فلكل منطقة طابعها الموسيقي المتميز بطقوسه المختلفة.
وبهذه المناسبة، قال الملحن والعازف المغربي نبيل الخالدي، المدير الفني بفعالية «المغرب في أبوظبي»، إن الأندلسيين هم من أدخلوا الآلات الوترية إلى المغرب مثل العود والرباب والكمان والقانون وغيرها كالرق الأندلسي والدربكة، حيث ظهر أول فن موسيقي وهو «فن الملحون» الذي يغني الزجل المغربي بآلات موسيقية، وبدأ ظهور المدارس الموسيقية الرباطية والمراكشية والفاسية الشهيرة حيث امتزجت الأغاني بنغمات جديدة، واختلطت الموسيقى العربية والأنغام المغربية والشرقية معاً متخذة من اللغة الفصحى للأشعار العربية نموذجاً متطوراً يحتذى به.
وأضاف الخالدي: شاركت تسع فرق موسيقية في هذه الفعالية، وتشتمل على صفوة النخبة من المتمرسين البارعين في فنون الموسيقى الشعبية في المغرب، وقد قدمت جميعها أجمل باقات من العزف والغناء والرقص الشعبي، فأبدعت وأطربت الآذان بتناغمها وانسيابها وعراقتها في تنوع بديع فكان الطرب الأندلسي بموشحاته الأندلسية الأصيلة ينساب رقةً وبهاءً في أجواء المكان، وأسر «فن الملحون» من الإرث الموسيقي المغربي على نمط الموشحات الأندلسية باللغة المغربية العامية، والطرب الفلكلوري الأمازيغي باللغة الأمازيغية قلوب الزائرين، ومروراً بالحساني للأمداح النبوية والتهاليل الدينية، تعلقت المشاعر دفئا وحُباً.
واستكمل حديثه قائلاً: تأتي الحضرة الشفشاونية الخاصة بغناء الأشعار الصوفية للنساء في الأعياد والمناسبات الدينية، لترسم البهجة والرضا على الوجوه، أما «غناوة» والتي تتميز بخصوصية آلاتها الموسيقية الحديدية، حيث ترجع أصولهم إلى أفريقيا، وتحديدا «غانا»، وتغني هذه الفرقة مزيجاً من العامية المغربية والبمبرة (وهي اللغة العامية الأفريقية في السنغال ومالي وغانا)، حيث استقطبت الزوار وشاركتهم ألوان الفرح.
وأشار إلى أن فن التخت المغربي الذي استوقف جميع الحضور مستمعين لروعة ألحانه وعذوبتها وأدائه، يعتمد على الموشحات والقدود المغربية، حيث يغلب عليه لغة الشعراء والعربية الفصحى وأيضاً منها باللغة العامية، وشاركت العيساوي بإيقاعات طبولها ومزاميرها «الغيطة»، كما يسميها المغاربة، والتي صدحت بعبقرية المبدع بالأمداح النبوية، وعبقت فنون فرقة الطرب الغرناطي من المدرسة الغرناطية الأندلسية الأصيلة في شرق المغرب بالموشحات الأندلسية البحتة أركان المكان بروح الشرق.
رحلة بصرية
يضم جناح المبدعين مجموعة من صور الفنانة المغربية ليلى العلوي، التي اغتيلت بمدينة «واغادوغو» في بوركينافاسو قبل سنتين، وعرفت العلوي بصاحبة الكاميرا الحساسة، وهي القادرة على تحويل كاميراتها إلى ريشة لرسم التفاعلات الإنسانية والمعاني الصاعدة من الأعماق، لتقدمها صوراً ثابتة من حيث الشكل، زاخرةً بالحركة والحياة في دلالاتها ومعانيها، وتظهر أعمال الفنانة الحقائق الاجتماعية والوطنية بطريقة تعبيرية، حيث كانت تختار مشاهد حية من المجتمع وتوثقها بكاميرتها، وهي التي كانت تتقرب من الناس وتقيم استوديو في الساحات والأماكن العامة، وتجول أنحاء العالم لالتقاط أوجاع الناس وأفراحهم، عبر استوديو محمول تنتقل به إلى قلب الحدث، وتوثق الصور المعروضة رحلة بصرية، تضم مجموعة من الشخصيات المغربية، كنماذج حية من المجتمع تعكس فن الحياة في المغرب.