أسماء الحسيني (القاهرة)
حذرت العديد من القوى والشخصيات السودانية من الدعوة التي أطلقها المتطرف عبد الحي يوسف لما وصفه بـ«مسيرة مليونية لتيار نصرة الشريعة» في الخرطوم غدا الاثنين، وأكدت شخصيات سودانية أن المظاهرة محاولة لإثارة البلبلة، ومناوءة الحراك الشعبي والضغط على المجلس العسكري، وإيجاد موطئ قدم لهؤلاء المتطرفين على الساحة السودانية، عبر المتاجرة مجددا بالشعارات الدينية. يأتي ذلك في وقت أكدت هذه القوى والشخصيات السودانية ضرورة إنجاز التفاوض سريعا والتوافق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى «الحرية والتغيير» التي أعلنت تشكيل لجنتها التفاوضية، للدخول إلى المرحلة الانتقالية دون تلكؤ، لدفع مخاطر كبيرة عن الوضع الجديد في السودان.
ويؤكد عاطف إسماعيل القيادي بالحزب الشيوعي السوداني لـ«الاتحاد» أن الإسراع بالتفاوض مع المجلس العسكري ضروري لتفويت الفرصة على الأوضاع الخطرة التي تحيط بالسودان، ومحاصرة ذيول النظام السابق التي مازالت تتحين الفرص، وأيضا من أجل تحقيق انتصار الثورة السودانية وترسيخ أهدافها ومراميها. ويقلل القيادي بالحزب الشيوعي من خطورة المظاهرة التي دعا إليها عبد الحي يوسف، ويضيف: إنه يعلم تماما أن السودانيين ليسوا ضد الإسلام ولا الشريعة، وأن هدفهم الأساسي كان الإطاحة بنظام الإنقاذ الذي تاجر بالشعارات الإسلامية طيلة 30 عاما، وكان أبعد ما يكون عنها، والآن أصبحت ألاعيب الإسلامويين مكشوفة، وشعاراتهم المستهلكة سقطت تماما، ويحاول عبد الحي يوسف الآن التشويش بها على قوى «الحرية والتغيير» والحراك الشعبي دونما جدوى.
ويتفق معه في هذا الطرح صلاح جلال الناطق الرسمي باسم «قوى نداء السودان»، الذي يرى أن الاجتماعات بين الجانبين ستبت في موضوع هيكل الحكم الانتقالي وتكوين المجلس السيادي، ثم مجلس الوزراء، والجهاز التشريعي المؤقت. ويضيف جلال: إن قوى إعلان الحرية والتغيير ترى أهمية الانتقال سريعا إلى سلطة مدنية انتقالية، يشارك فيها المجلس العسكري في الجهاز السيادي المشترك مع المدنيين. ويرى جلال: أن المظاهرة التي دعا لها الإسلامويون في الخرطوم يجب أن يتراجعوا عنها، لأن الشارع محتقن ضدهم، بعد أن أسقط مشروعهم المنسوب زورا إلى الإسلام، ودعاهم جلال إلى الاعتراف بخطاياهم والاعتذار عنها، وتحمل عواقب أفعالهم.
ويقول السر السيد، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، إن أبرز المشتركات بين قوى «الحرية والتغيير» والمجلس العسكري أنهما يأخذان مشروعيتهما من الثورة. ويرى أن الدين عموما وبحكم تجربة الإسلاميين لم يعد ورقة رابحة في التسويق السياسي، ويشير إلى أن هتافات الحراك اشتملت على عبارات من نوع «تجار الدين» أو «لا إله إلا الله.. الكيزان (أي الإخوان والتيارات الإسلاموية) أعداء الله». كما أن هناك العديد من التوجهات الآن تشكل سدا منيعا لإقحام الدين في السياسة بل وصل الأمر إلى تنميط المتدين الذي يقحم الدين في السياسة وتصويره كحرامي وفاسد، لذلك فشعار دعم الشريعة لن يحرك أحدا لسبب بسيط هو أن حكم الجبهة الإسلامية المعزول لم يطبق أصلا الشريعة، كما أنها تراجعت عن الكثير من أحكامه، ويضيف السيد: لا أحد في السودان يثق الآن في دعاة ما يسمى بالإسلام السياسي من الإخوان إلى الحركة الإسلامية إلى السلفيين.
ومن جانبه، يرى الدكتور زهير السراج الكاتب والأستاذ الجامعي السوداني أنه يمكن تطوير الاقتراح الذي قدمته قوى الحرية والتغيير بتكوين مجلس سيادي مشترك بصيغة ملائمة، ويؤكد أن الظرف في السودان دقيق، وهنالك من يتربص بالثورة، وعلى الجميع أن يقبلوا بخيار وسط لفترة محدودة لا تتجاوز عاما واحدا فقط. ويرى الدكتور زهير السراج أن عبد الحي يوسف الذي دعا إلى مظاهرات الغد لحماية الشريعة على حد زعمه، هو رجل دين متطرف، ومنحاز للنظام السابق، وكانت تربطه علاقة خاصة بالرئيس المخلوع، وأثرى ثراء فاحشا من خلال هذه العلاقة، بعد أن كان مدرسا مثل غيره من أبناء الفقراء أو الطبقة المتوسطة، ويعتقد أن له صلات ببعض الجماعات المتطرفة.
ويضيف السراج: أما عن تهديده للثوار فهو محاولة فاشلة للتظاهر بالدفاع عن الشريعة الإسلامية بغرض حماية مصالحه، مؤكدا: أصلا لم تكن هنالك شريعة خلال فترة النظام المخلوع، وإنما كانت في الورق فقط، وكان النظام يستغل الدين لخداع البسطاء لصرف الأنظار عن مفاسده الكبيرة، وكان من الذين يستخدمهم في ذلك ما يسمى بهيئة علماء السودان ومن بينهم عبدالحي يوسف.
أما الكاتب والمحلل السياسي السوداني محمد يوسف وردي فيرى أن هذه المظاهرة التي دعا لها عبد الحي بدعم من فلول النظام السابق، هي رسالة من تركيا وقطر للدول التي تدعم التغيير في السودان، وفي نفس الوقت رسالة داخلية للضغط على المجلس العسكري والثوار، والخوف أن تكون للتغطية على حراك قادم للإسلامويين في السودان. ويحذر وردي من إطالة أمد العملية التفاوضية المتعلقة بالفترة الانتقالية، ويقول: إن فعلنا ذلك نكون كمن يسدي خدمة مجانية للإخوان، أي يوم يمر سيكون في صالحهم، إذا لم ينتبه الثوار في السودان إلى حقيقة أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فالمستفيد الأول من الشد والجذب الحاصل بين المجلس العسكري من ناحية وقوى إعلان الحرية والتغيير من ناحية أخرى هم الإسلامويين، وهم لن يترددوا في تسجيل نقاط لصالحهم إذا ما لاحت لهم الفرصة، حتى ولو كان ذلك عبر إنفاق ملايين الدولارات لنسف الفترة الانتقالية برمتها، وإدخال البلاد لأجواء الحرب الأهلية، وبالتالي لابد من سد الذرائع وقفل الطريق أمام أي انقلاب إخواني تكون محصلته حرب شوارع بين قوات الدعم السريع ومليشيات الإخوان والدواعش، حيث إن هشاشة الوضع تغري الجميع.
ويرى وردي: على قوى «الحرية والتغيير» بعد إعلان قائمتها التعاطي مع المجلس العسكري الذي اعترفت به، ويضيف: أن القضايا التي يريد المدنيون حلها قبل استلامهم السلطة يمكن تركها للسلطة التشريعية الانتقالية.
أما الكاتب والناشط السوداني فايز الشيخ السليك فقد علق على تشكيلة لجنة قوى الحرية والتغيير للتفاوض مع المجلس العسكري بالقول: إنه كان من الأفضل أن تعبر عن التنوع في السودان وتمثل بشكل أكبر المشاركة المتقدمة للنساء في الحراك الشعبي، وقال: لن يتحقق سلام في غياب التمثيل الكامل لكل السودان، أين محامي دارفور وأصحاب مبادرات الجزيرة والعناصر النسائية التي كانت فاعلة ومتقدمة الصفوف في كل مراحل المقاومة.
«هيئة محامي دارفور» تقاضي عبدالحي يوسف
دعت هيئة محامي دارفور في السودان أمس، السبت، إلى مقاضاة من وصفته بـ«المتكسب بالدين» الداعية المتطرف عبدالحي يوسف؛ على خلفية دوره في مخطط لإثارة الفوضى الشاملة وإحداث البلبلة والفتنة الجنائية بالبلاد. وجاءت مطالبات الهيئة الحقوقية بعد إطلاق يوسف دعوات لأتباعه للخروج في مسيرة جماهيرية باسم «نصرة الشريعة» تتوجه غداً الاثنين، إلى القصر الرئاسي واعتبر عدد من السودانيين أن دعوة عبدالحي القصد منها إثارة الفتنة، وتوجيه رسالة للمتطرفين بأن الذين يعتصمون أمام القيادة ضد الدين الإسلامي. ويساند عبدالحي يوسف في هذه الدعوة جماعات متطرفة منهم الداعشي محمد علي الجزولي، وزعيم السلفية الجهادية بالسودان، محمد عبد الكريم، وآخرون.
وقالت هيئة محامي دارفور في بيان، أمس، السبت، إنها رصدت خطباً تحريضية للمدعو عبدالحي يوسف، كما أنها تلقت معلومات تؤكد أنه لم يكتفِ بممارسة التحريض ودعوة الفتنة الجنائية، بل ظل يجتمع بفلول النظام البائد ويرتب للخروج في مسيرة ترفع فيها شعارات جماعات حركات الإسلام السياسي.
وأكد البيان أن خطة عبدالحي تأتي تحت مزاعم «حماية الشريعة الإسلامية» من العلمانيين. وأضاف: «يخطط المدعو عبدالحي يوسف، ومن خلفه، لإثارة الفوضى الشاملة وإحداث البلبلة والفتنة الجنائية بالبلاد».