ناصر الجابري (أبوظبي)
أكد عدد من الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب أنه من المهم تضمين الإصدارات والدراسات النقدية للمفاهيم التي ترتقي بالفكر نحو آفاق المعرفة، من خلال التطرق للإشكالات النقدية واصطحاب العقل في رحلة الإجابة عن التساؤلات، خلال مشاركتهم في جلسة حوارية في معرض أبوظبي للكتاب لاستعراض أعمالهم الفائزة.
وقال سعادة الدكتور علي بن تميم، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، خلال إدارته للجلسة، إن الجائزة ستظل وفية للمؤلفين وللخيارات الموضوعية والتحديث المستمر، لافتاً إلى أن الحوار الجامع للفائزين بمختلف فروع الجائزة يعد حدثاً ثقافياً، تجتمع خلاله النخب الفكرية، بهدف استعراض وتقديم كل فائز ومشروعه النقدي والإبداعي.
سيرة فكرية
وأوضح الدكتور بن سالم حميش، الفائز بالجائزة في فرع الآداب: «يعد الفوز بالجائزة تشريف كما هو تكليف لكل الفائزين، من خلال أن يكونوا الأصوات الثقافية التي تخوض في مسارات الفكر والثقافة، والمواصلة في حياكة النصوص والأبحاث والدراسات النقدية التي ترتقي بالمشهد الأدبي الحاضر، ولإثبات الأحقية في الحصول على جائزة رفيعة في عالمنا المعاصر».
وأضاف: «حاولت في الكتاب الذي فزت من خلاله بالجائزة أن أتجاوز مطباً مهماً يتمثل في الابتعاد عن أسلوب الذكريات الذي يطغى على كتب السيرة الذاتية لدى الكثير من المؤلفين، حيث اخترت طريق السيرة الذاتية الفكرية لتكويني باعتباري فيلسوف التقويم، وخصصت فصلاً واحداً فقط لأتناول الأحداث الشخصية، وهو بعنوان «قطع حياتية»، الذي يجيء ضمن مجموعة من فصول الفكر والفلسفة.
وأشار إلى أنه التزم بالبعد عن النرجسية في الطرح من خلال هذا الفصل، كما تضمن عدداً من المواقف الحياتية، منها الإصابة بالتهاب السحايا الدماغية والعلاقة مع الأخ الأكبر الذي يتسم بالتسلط والاستبدادية، أما ما بقي من الكتاب فتضمن العلاقة مع الفضاءات الفكرية الفلسفية المختلفة والأدب وحول الحاضر والحياة الاجتماعية والعاطفية وما تتسم به من ملامح ومفاهيم أؤمن بها.
فكرة واقعية
وقال حسين المطوع، الفائز بالجائزة عن فرع أدب الطفل: «فخور بالفوز بجائزة تصنف من بين الأرقى على مستوى العالم، وضمن مجال حيوي هو أدب الطفل، حيث يثبت علم نفس الأطفال الحديث أن الأطفال لديهم ملكات فكرية لا تقل عن ما يتمتع به كبار السن، بل إن عقل الطفل يتفوق أحياناً على عقل الكبار، نظراً لوجود عوامل الصفاء التي تمكنهم من تحقيق الأدوات المطلوبة القادرة على تفكيك المفاهيم».
وأضاف: «جاءت قصتي الفائزة من خلال استخدام أسلوب السرد، والذي أعتبره من أهم الطرق التي توصل أفكار الكاتب للمتلقي، وهناك الكثير من الأمثلة لذلك، ومنها استخدام أفلاطون لبنية السرد بهدف إيصال قضية الفلسفة المثالية للعامة، وهو ما تشكلت به ملامح القصة التي ظهرت عبر قالب سردي ملتزم ببنيته من حدث وأكثر من حبكة وتطور».
وأشار إلى أن القصة تتعمق في مفهوم الكينونة والصيرورة، حيث تبدأ من خلال قصة حول حياة شاحنة هدم، ويبدأ الطفل في سؤال الأب عن الأسباب التي جعلتهم في هذا المجال، ليدخل في حوار فكري عميق، وهو الأمر الذي يجعل القصة تتنقل بين ثنائية الهدم والبناء، إضافة إلى مفهوم الإحباط والتحكم.
ولفت إلى أنه يميل إلى الفكرة الواقعية وليست إلى النهايات السعيدة، ذلك أن هذا النوع من النهايات يأتي أحياناً منطلقاً من رغبات القراء من دون النظر إلى تراتبية الأحداث وسيرها، وما تفرضه الحياة من قوانين وعادات وعراقيل قد يكون من الصعب تجاوزها، لذلك حرصت أن تكون النهاية محفزة لفكر الطفل على الاستنباط والاستكشاف والمعرفة الحقيقية لما قد يواجهه من ظروف مستقبلية.
نوبل العرب
ووصف الدكتور عبد الرزاق بلعقروز، الفائز عن فرع المؤلف الشاب، الجائزة أنها «نوبل العرب» خاصة لوجود معايير الاختيار الصارمة التي يتم من خلالها انتقاء أفضل الأعمال وفقاً للمعيار الأدبي القويم، من دون وجود لأي اعتبارات أخرى، وهو ما يمنح الجائزة صدقية كاملة، وقيمة أدبية تجعلها محطة للتنافس الثقافي الفكري بين الأدباء والمفكرين.
وقال: «يتضمن كتابي الفائز أطروحة مركزية، تراهن على إعادة وصل العلاقة الممزقة بين القيم الاجتماعية، إضافة إلى كيفية تحقيق الإبداع في فضائنا المعرفي العربي، من خلال الاشتباك في بداية الكتاب مع فيلسوف لديه القيمة العلمية في تأسيس الوعي الفلسفي والمعرفي، وهو الفيلسوف الفرنسي ديكارت، والأفكار التي جاءت في مقالة الطريق التي أسست لمنظومة العلوم الطبيعية، وبعد ذلك العلوم الاجتماعية».
وأشار إلى أن نقد ديكارت يستند على أن النموذج يبنى على الاختيار والتحيز ومقاصد المنفذ كالعالم والمفكر، وخلال مقدمة الكتاب تطرقت للفيلسوف ديكارت الذي أسس العقل على الإيمان، وفلسفة نيتشه، موضحاً عدداً من التداخلات الفكرية ضمن دراسة نقدية تعد الـ11 من مجموع مؤلفاتي التي تختص في الاتجاهات الفلسفية والنقدية والفكرية.
دورات الشعر
من ناحيته، قال الدكتور شربل داغر، الفائز عن فرع الدراسات النقدية: «أكتب الشعر والرواية، وأترجم في ميادين الأدب الإسلامي والعربي والعربي الحديث، ويأتي عملي الفائز ليتحدث عن قصيدة النثر وتطورها وتاريخها، وما مر به الشعر العربي من دورات جديدة خلال العقود السابقة، وما تبعه من إشكالات ثقافية حول تعريف الشعر وهويته وضوابط الالتزام به».
وأضاف: «يقوم الكتاب على مراجعة شاملة، حيث دخل مفهوم الشعر في دورة جديدة خلال منتصف القرن الـ19، بينما دخلت قصيدة النثر في هذه الدورة خلال منتصف القرن الـ20 عبر عدد من رموز الأدب مثل نازك الملائكة، وهو ما أدى إلى الاختلاف النقدي حول قصيدة النثر باعتبارها مناسبة لمفهوم الشعر أو أنها تختلف عنه ولا يمكن وضعها في ذات السياق».
الجهل والاكتشاف
من جهته، تحدث الدكتور فيليب كندي، الفائز عن فرع الثقافة العربية في اللغات العربية، حول أن كل رواية ثقافية تبدأ من الجهل وتنتهي بلحظة اكتشاف الحقيقة، ذلك أن القالب والإطار موجود بشكل متناسق بين مختلف الأعمال، والطريق بين الجهل والتنوير يمر على الأحداث والشخصيات التي تتشكل خلال مراحل وفصول المؤلفات.
وأشار إلى أن الترجمة تواجه عدداً من التحديات، حيث ترجم كتاب أرسطو «فن الشعر» خلال القرن التاسع، إلا أن الكتاب لم يكن ترجمة حرفية بل تحليلاً للكتاب، ولم يفهم العرب إبانها السرد كما أراده أرسطو، لافتاً إلى تطبيقه لعدد من أفكار أرسطو خلال استعراضه للبنية الكتابية التي تضمنها إصداره.
ألوان الأدب
من ناحيته أكد الدكتور ياروسلاف ستيتكيفيتش، الفائز بجائزة شخصية العام الثقافية مع زوجته الدكتورة سوزان ستيتكيفيتش: «إن الأدب العربي هو بحر واسع ومديد، ولا يمكن الوصول إلى نهايته، وهو ما يميز هذا الأدب الغزير بمفرداته ومعارفه وعلومه، وما يتضمنه من أحداث وتطورات وحركة فكرية اختلفت باختلاف روادها، حيث وجدته مثيراً للفكر ومحفزاً على التعمق للمعرفة».
وأضاف: «خلال دراستي في مدريد لم تكن الرؤية حول الأدب العربي واضحة، كما لم تُفهم في الخمسينيات من القرن الماضي مفاهيم الأدب الأندلسي، خاصة مع بروز اللغة العربية الحديثة وقتها باعتباره أمراً نشطاً وناشئاً في ذلك الوقت، ومع تبحري في اللغة وجدت أن الأدب يحتاج إلى عمل نقدي، وهو ما حدث في عام 1979 مع صدور كتابي حول اللغة العربية الفصحى والأساليب والتجديد في المصطلحات.
من ناحيتها، تحدثت الدكتورة سوزان ستيتكيفيتش أن جميع ألوان الأدب سواء كانت شعر التفعيلة أو النثر فهي تعتمد على اللغة وتستند إلى الاستكشاف والتحليل والتعبير عن هذا الاستكشاف الفكري والتحليل اللغوي، لافتة إلى أنه بالرجوع للماضي نجد أن العرب حرصوا على تحليل الشعر وربطه بالأحداث الآنية من مثل إيجاز أخبار الحروب من خلال القصائد.
مداخلات
وشارك عدد من أمناء جوائز الأدب في مداخلات حول دور الجوائز العربية في تنمية الوعي الفكري الثقافي، وما يصاحبه من حاجة إلى تفعيل دور التنسيق والتعاون المشترك بين مختلف الجوائز العربية، بهدف الاستفادة من التجارب ونقل الخبرات، وتبادل الحلول للتحديات، وإمكانية إيجاد سبل تساهم في تحقيق الغاية المطلوبة من الجائز الثقافية.
وقال الدكتور عبد العزيز السبيل، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية: «حققت جائزة الشيخ زايد للكتاب حضوراً كبيراً وفاعلاً خلال نحو 13 عاماً، نظراً للمكانة التي استطاعت الجائزة أن تصل لها، والدعم والإشراف الكبير من قبل مجلس إدارة الجائزة، وجهود سعادة الدكتور علي بن تميم، الأمين العام للجائزة، وما حدث لها من تطور ملحوظ وملموس خلال السنوات الماضية».
وأشار إلى أن وجود أمناء عدد من الجوائز الثقافية العربية يأتي بهدف العمل سوياً واستكشاف الجوانب التي تميز كل جائزة وتجعلها متفردة عن غيرها، لكي لا تتكرر جائزة مع الأخرى، إضافة إلى تحقيق التكامل المطلوب في خدمة الثقافة العربية.