حسونة الطيب (أبوظبي)
تكونت البنوك الأميركية العملاقة، نتيجة لسلسلة من عمليات دمج ضخمة، اجتاحت القطاع في أعقاب الأزمة المالية، حيث اندمج نيشنز بنك مع بنك أميركا، ليصبح بنك أوف أميركا وبنك ويلز فارجو مع نورويست، بينما اندمج جي بي مورجان مع شيس، وتمخض عن الأزمة المزيد من النشاط في حركة الدمج، بيد أنها أملتها الضرورة وليس الطموح، ليستحوذ جي بي مورجان تشيس، على واشنطن ميوتوال وويلز على واشوفيا، وفقاً لمجلة ذا إيكونوميست.
بدأت وتيرة الدمج والاستحواذ، في البطء منذ الأزمة المالية، حيث حظر على البنوك الكبيرة، الاستحواذ في قطاع التجزئة لأسباب تنافسية، ما دفع البنوك الصغيرة، للمسارعة في عقد صفقات تعاون بينها.
لكن وضع تاريخ 7 فبراير من هذا العام، نهاية لموسم جفاف الصفقات، حيث تم الإعلان عن اندماج بي بي آند تي بولاية كارولينا الشمالية، مع سن ترست من اتلانتا بولاية جورجيا، وتقدر قيمة الكيان الجديد الذي لم يتم الإعلان عن اسمه بعد، بنحو 66 مليار دولار، ورغم أنه سيكون أصغر بكثير من بنك أميركا، لكنه أكبر من أي بنك آخر دخل القطاع المصرفي منذ الأزمة المالية العالمية.
وسيحل البنك، في المرتبة السادسة، كأكبر مصرف تجزئة في أميركا من حيث الأصول، ويحتل المرتبة الخامسة كأكبر مقر للإيداعات المحلية، بودائع تصل لنحو 332 مليار دولار. ويركز نشاط البنك التجاري، على الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، الذي يتميز بانتعاش اقتصادي قوي.
وعلى العكس مما هو سائد، حققت أسهم البنكين ارتفاعاً واضحاً، حيث عادة ما تنخفض أسهم البنك المستحوذ فور الإعلان عن الصفقة. وعانت البنوك المستحوذة منذ سنة 2015، متوسط تراجع قدره 3.3%. لكن مع ذلك، أعلن بنك بي بي آند تي، الأكبر نسبياً من شريكه الآخر، عن ارتفاع في سعر أسهمه بلغ 4.3%، بينما ارتفع سعر أسهم سن ترست بنحو 10.2%.
ونتج عن مباركة الأسواق لهذه الصفقات، تحولان عمليات الدمج المصرفي أكثر جاذبية. الأول، إلغاء الروتين الإداري. وافق الكونجرس في مايو الماضي، على رفع عتبة الأصول لتتلاءم مع المعايير الاحترازية المعززة، إلى 250 مليار دولار من واقع 50 مليار دولار. وفي أكتوبر الماضي، اقترح الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، رفع العتبة إلى 700 مليار دولار، مع فرض قوانين صارمة للغاية فيما يتعلق برأس المال والسيولة.
من المؤكد استفادة اندماج بي بي آند تي مع سن ترست، من هذين التحولي، وكمصرفين منفصلين، يعتبر كل منهما، قريباً من الحد الجديد الذي قرره الكونجرس عند 250 مليار دولار، بي بي آند تي عند 226 مليار دولار وسن ترست عند 216 مليار دولار. وبدلاً من الترنح عند الحافة ومواجهة تكلفة الالتزام بلوائح إضافية كل على حدة، يمكن مع بعضهما، تخطي ذلك الحد ومشاركة الأعباء.
يتمثل التحول الثاني في احتدام المنافسة لجذب الإيداعات. وتنافست البنوك المحلية، من ضمنها بي بي آند تي وسن ترست من بين الأكبر، مع نظيراتها الوطنية من خلال تزويد أفرعها المحلية بشبكات أفضل.
لكن بدأت البنوك الكبيرة في ظل حظرها من إبرام صفقات الاندماج، في عرض عضلاتها، حيث نشر كل من بنك أوف أميركا وجي بي مورجان، 500 فرع حول أرجاء البلاد المختلفة، كلاً على حدة.
ولم تعد البنوك ممثلة في بنياتها، السبيل الوحيد لجذب الإيداعات، بل باتت التطبيقات والعمليات المصرفية على الإنترنت، تلقى اهتماماً متعاظماً من قبل المتعاملين، ما أسهم في ترجيح كفة البنوك التي تخصص ميزانيات كبيرة للتقنيات والإعلان. ويبدو أن البنوك الوطنية الكبيرة مثل، بنك أوف أميركا وجي بي مورجان وتشيس وولز فارجو، هي التي كسبت السباق، حيث استحوذت على ودائع جديدة بلغت 118 مليار دولار في 2017، بينما حصد 20 بنكاً إقليمياً ما جملته 55 مليار دولار. وفي ظل ندرة البنوك التي تملك أصولاً تتراوح بين 500 مليار دولار و 700 مليار دولار، فإن فرصة المزيد من عمليات الاندماج في القطاع المصرفي الأميركي، واردة لحد كبير.
ومع أن أميركا تحتضن نحو 5 آلاف بنك، إلا أن أكبر 3 بنوك، تملك حصة كبيرة ومتزايدة من السوق المصرفية الأميركية. وفي عام 2007، وقبيل الفزع الذي شاع بين المسؤولين حول عدم إمكانية سقوط البنوك الكبيرة، بلغت حصة هذه البنوك نحو 20% من الودائع في ذلك الوقت ونحو 32% في الوقت الحالي.