جمعة النعيمي (أبوظبي)
أوصى مؤتمر مفهوم التسامح في سياق النظم التشريعية والقضائية، في ختام أعماله أمس، بضرورة تعزيز الكرامة الإنسانية والتسامح عن طريق القانون، وعبر مبادرات قانونية عملية، مؤكداً ضرورة تضمين مفهومي الكرامة الإنسانية مع التسامح في نظام التعليم في المناهج التعليمية.
وأكد الدكتور كول درهام مدير مؤسس المركز الدولي للدراسات القانونية والدينية بكلية بريجهام للقانون بالولايات المتحدة الأميركية، أن الكرامة الإنسانية مطلب رئيس وحق من حقوق البشرية جمعاء، مشيراً إلى أن الإنسان دون كرامة لا يساوي شيئاً، وذلك لأن جميع الأديان تنادي بذلك من خلال الصورة النمطية لكل شخص. وأضاف: هناك أساسيات في النواة الرئيسية للتسامح تجمع كل البشر، كما أشار إلى أن هناك مراكز دينية تعمل على تعزيز مفهوم الكرامة الإنسانية والتسامح في آن واحد، وذلك من خلال ورش عمل ميدانية مع أفراد المجتمعات في الدول الأميركية والأوروبية التي تنادي بالتفكير بطريقة مبتكرة في صور وأشكال التسامح وعلاقته بحياة البشر وكيفية ربطه مع القانون الذي يضع الحدود والحريات التي تتكفل بحرية الإنسان في التعبير وحقه في الحوار والنقاش دون الانتقاص أو الإساءة للآخرين.
مقترحات عملية
وشملت أنشطة اليوم الثاني للمؤتمر جلستين رئيستين، تناولت الأولى دراسة الإمكانات المتاحة لتعزيز التسامح عن طريق القوانين والنظم، وحفلت الثانية بتقديم العديد من المقترحات العملية والمبادرات المتعلقة بالبيان الختامي، كما شمل اليوم الختامي 3 ورش عمل للمشاركين دارت فيها نقاشات موسعة كان الموضوع الرئيسي للورشة الأولى «إشراك الهيئات القانونية للوافدين» وتحدث فيها دكتور كول درهام والدكتور محمد الدقاق، فيما تناولت الثانية موضوع التعليم، وأدارها جان فيجل وديفيد كيرخام، ومحمد الموسي، فيما ناقشت الثالثة التسامح الديني كمجال للتعاون والابتكار وأدارها ماركو فنتورا وتور لينهولم.
وفي سياق متصل، أكدت عفراء الصابري المدير العام بمكتب وزير التسامح، أن المؤتمر حقق أهدافه بالكامل لأنه استطاع أن يجمع كل هذا العدد من الخبراء الدوليين في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان والقضاء واستطاع أن يوفر منصة للحوار المثمر بين الجميع، على قاعدة الإيمان بأهمية تعزيز التسامح سواء لدى المجتمعات المحلية أو على المستوى العالمي، مؤكدة أن الجميع أشادوا بالتجربة الإماراتية في تعزيز التسامح التي تزداد عمقاً كل يوم وتترجم دائماً إلى مواقف وأفعال ولا تتوقف عند المهرجانات والمؤتمرات، لافتة إلى أن رعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان لهذا الحدث الكبير كان له أبلغ الأثر في تحفيز الجميع لتحقيق أفضل نتائج ممكنة، وأن مشاركة معاليه بكلمة رئيسية في المؤتمر تضمنت العديد من العناوين الكبري التي يجب البناء عليها، وفي القلب منها الاهتمام بدراسة وثيقة الأخوة الإنسانية ومدى إمكانية تحويلها إلى نصوص قانونية يمكن الاسترشاد بها.
وأشادت الصابري بالدور الكبير الذي بذله الشركاء الاستراتيجيون لوزارة التسامح، الذين أثروا المؤتمر وشاركوا بفاعلية في تنظيمه، معبرة عن سعادتها بتكامل أدوار الجميع لإظهار الوجه الرائع للإمارات كعاصمة للتسامح العالمي وتجسيداً للأخوة الإنسانية، مؤكدة أن النتائج التي خرج بها المؤتمر كتوصيات قانونية سوف تعرض على لجنة متخصصة لإعادة صياغتها تمهيداً لاعتمادها من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح ليتم إعلانها غداً بحيث تكون متاحة لكافة القانونين محالياً وعربياً وعالمياً.
وأكد الدكتور محمد القاسمي عميد كلية القانون بجامعة الإمارات، أن تنظيم المؤتمر بالتعاون مع وزارة التسامح هو خطوة مهمة لدعم قضايا التسامح والتعايش وقبول الآخر، وأن المشاركة البارزة لأساتذة الحقوق بالجامعة إلى جانب أقرانهم على مستوى العالم أعطى زخماً كبيراً للنقاشات.
من جهته استعرض الدكتور محمد الدقاق مستشار قانوني بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، باب الحقوق والحريات في دستور دولة الإمارات، وتحدث عن الحقوق المتعلقة بالمواطن وممارسته العقائدية لكل إنسان سواء كان مواطناً أو وافداً وكيفية ممارسة الطقوس والشعائر الدينية طبقاً للقانون ووفق أطر معينة. وأما بالنسبة لغير المسلمين كالمسيحيين والطوائف الخاصة لكل منها مثل الأرثوذكس والكاثوليكية والبروتستانتية وكل من يدين بالأديان السماوية من غير الإسلام، لافتاً إلى أن دولة الإمارات استجابت لطلب الجالة الهندية، وذلك من خلال تدشين معبد لطقوسهم الدينية لتوفير الحرية لهذه الجالية في العبادة وحرية الاعتقاد.
كما أشار الدقاق إلى أن قانون دولة الإمارات يكفل عدم المساس بالعقائد الدينية كون ذلك يعد جريمة حول ازدراء الأديان أو بأي ديانة سماوية كانت أم غير سماوية والذي يندرج ضمن قانون الكراهية وشدد العقوبة لكل من يمس العقائد الدينية، مشيراً إلى أن ذلك يعد حماية للتسامح وتقبل الأديان الأخرى في المجتمع الإماراتي. ويعتقد الدقاق أنه يمكن إعداد قضاة مختصين في النواحي العقائدية إذا ما كانت هناك قضية تعنى بازدراء الأديان أو التمييز أو الكراهية وما نحو ذلك، مشيراً إلى أن توفير هذا الأمر سيكون مفيداً للقضاة لمواجهة القضايا التي قد تطرأ وتمس بالعقائد والأديان.
مكانة محورية
من ناحيته، أكد الدكتور محمد الموسى أستاذ القانون الدولي بكلية القانون بجامعة الإمارات على أهمية انعقاد مثل هذه المؤتمرات التي تستهدف إثراء الدور القانوني والنظم القضائية فيما يتعلق بقيم التسامح والتعايش، مشيراً إلى أن «الكرامة الإنسانية» تتبوأ مكانة محورية في النظام القانوني الدولي لحقوق الإنسان، وهي إحدى أهم ركائزه؛ وتشكل أساساً لمفاهيم ومبادئ أخرى مرتبطة به ممثل الحرية، والمساواة والتسامح. مؤكداً أن الورقة التي شارك بها في المؤتمر استهدفت تحليل دلالة ذلك المفهوم والكشف عن أدواره ووظائفه، وارتباطه بمفهوم التسامح.
وأكد الدكتور عامر الحافي أستاذ الدراسات الدينية بجامعة آل البيت بالمملكة الأردنية في حديثه، أن الأصل في علاقة الناس فيما بينهم هو التسامح والمودة والوئام؛ أمَّا الكراهية والبغضاء فهي كما الشر، ليست سوى خللٍ عارض على ذلك الأصل الذي خلق الله الناس عليه.