لكبيرة التونسي (أبوظبي)
مشاهد آسرة لمسرحية «بنات لالة منانة» أضفت بهجة على فعالية «المغرب في أبوظبي» التي تستمر إلى 30 أبريل الجاري، صنعت المتعة ورحلت بالجمهور إلى عوالم الشمال المغربي والمجتمعات المحافظة في صبغة درامية اجتماعية، يتخللها طابع المزحة والفكاهة والطرفة عكست القيم الأساسية لتمكين المرأة، وأخذت الجمهور في رحلة مغربية أصيلة وكشفت جانباً من ثقافة مدن شمال المملكة المغربية.
وجسدت «بنات لالة بنانة» التي تعرض للمرة الأولى بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، والتي تعتبر جسر محبة وتواصل حضاري بين الإمارات والمغرب، قصة حقيقية مقتبسة عن نص الشاعر الإسباني الكبير فديريكو غارسيا لوركا بعنوان «بيت السيدة برناردا ألبا».
وبحضورهن الوازن استطاعت بطلات المسرحية بحنكة كبيرة، أن يخلقن جواً من الفرجة، عبر «أبو الفنون» الذي يتمتع بحضور قوي في المغرب، فهو ضارب في القدم، ويمثل السلوك اليومي المعيشي لسكان المغرب، ومنه أصبح المسرحيون المغاربة يستمدون موضوعاتهم، فقد عاش الجمهور مع أحداث المسرحية التي تحكي قصص المجتمعات المحافظة، حيث توفي أب البنات الأربع، تحملت الأم التي كانت خائفة من نظرة المجتمع مسؤولية هؤلاء البنات، واتسمت طباعها بالقسوة مع حبها الدفين، ومنعتهن من الخروج خوفاً من العيب وكلام الناس، لكن النتيجة كانت عكسية، فما كانت تخاف منه حدث داخل بيتها وأبوابها مغلقة بإحكام. ولم تخل المسرحية، رغم تفاصيلها المأساوية، من لحظات مرح جسدتها بخفة روح الممثلات المبدعات اللواتي أمتعن الجمهور أيضاً بلوحات رقص إسبانية بألبسة مميزة أشرفت على تصميمها وتصميم غيرها من الألبسة التقليدية المغربية، كما باقي ديكور المسرحية، مصممة السينوغرافيا رفيقة بنميمون.
عرض حصري
وأضفى ديكور فعالية «المغرب في أبوظبي»، التي تتواصل أنشطتها بأجواء تراثية أخوية وستترك لزوارها أثراً طيباً ينعش مخزونهم المعرفي، بعداً خاصاً على المسرحية حيث انسجمت مشاهد المسرحية مع الفسيفساء والقبة النحاسية التي شكلت منصة عرض احتضنت العرض الحصري الذي حضره أكثر من 300 شخص استمتعوا بالمسرح المغربي وموروثه الثقافي والفني والأدبي والتاريخي.
إبداع نسائي
وأدت نخبة من الممثلات بإبداع فني مسرحية «بنات لالة منانة» المستوحاة من نص القصة الشهيرة «بيت بيرناردا ألبا» للشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا، وكتبت نص المسرحية، نورة الصقلي، وأخرجتها، سامية أقريو، وأعدت الملابس والموسيقا والسينوجرافيا، رفيقة بن ميمون، وأشرفت على الحوار والنصوص، حسناء معنوي، وعلى إدارة الخشبة، رفيقة ولد الجبلي، وعلى تصميم الإضاءة، رضا العبدلاوي، وتحكي المسرحية معاناة أربع فتيات لكل منهن طريقتها في الحياة، يحلمن بحياة أكثر حرية وانفتاح.
نظرة المجتمع
وتسمية «لالة»، حسب اللهجة المغربية تعني «السيدة الموقرة»، وتتناول المسرحية الكوميدية قصة الفتيات الأربع مع أمهن المتسلطة التي تنحدر من أسرة ريفية تعيش بمنطقة شفشاون شمال المغرب، وهي مقتبسة من قصة حقيقية بمنطقة بإسبانيا، وتصور عالم الفتيات اللواتي تحاصرهن نظرة المجتمع، وما يعصف بهن من أفكار الإحباط والتمرد على سُلطة أمهن التي تطلب منهن غلق الأبواب والنوافذ وإسدال الستائر، والامتناع عن الخروج خوفاً من المجتمع، بعد موت أبيهن، استدعى الخوف تغيراً في طباع الأم وتحول من الحنان إلى القسوة، مما جعل البنات يتمردن على واقعهن ويعلن العصيان مما جعلها تتراجع عن قرارها بعد أن أدركت أن حرصها الزائد قد يدخلها في متاهات داخل بيتها ويعطى نتائج عكسية، تغرق كل واحدة منهن في خيالها الواسع، وهي ترسم صورة لفارس أحلامها، الذي سيخترق عالم عزلتها، وقد قُدم العرض بإطار كوميدي مضحك، على الرغم من المعاناة التي تعلو وجوه الممثلات وهن يؤدين أدوارهن. والعمل في مجمله يناقش الحرية وتمكين المرأة وتزويدها بأدوات لمواجهة الحياة، و«بنات لالة منانة» تحكي قصة حقيقية لسيدة إسبانية في مجتمع محافظ، أضيفت عليها ملامح من الثقافة المغربية بالشمال المغربي الذي ينهل من الثقافة الإسبانية.
واستطاعت بطلات المسرحية الحفاظ على تواجدهن في السلسلة المعروضة تلفزيونياً، متمثلة في كل من السعدية أزكون في دور لالة منانة «الأم»، وسامية أقريو في دور شامة، ونورة الصقلي في دور بهية، والسعدية لاديب في دور رحيمو، ونادية العلمي في دور ماريا، وهند السعديدي في دور السعدية، ومريم الزعيمي في دور جميلة، وياسين أحجام في دور عماد.
رقم قياسي
ويميز هذا العمل عن غيره هو الحضور الوازن في البطولة والأدوار الرئيسية للنساء، الذي فرضه طبيعة القصة والذي اشتغلت عليه فرقة «طاكون» النسائية المغربية، إضافة إلى تكامل عناصر متعددة ساهمت في إنجاح هذا العمل المسرحي من قبيل ديكور المعرض والموسيقى ودقة الإخراج، والأزياء وغيرها من التفاصيل، إلى ذلك قالت سامية أقريو مخرجة المسرحية إنها سعيدة بالتواجد في الإمارات، موضحة أنها سبق وشاركت في أبوظبي إلى جانب الفرقة بعرض مختلف سنة 2003. وأشارت إلى أن «مسرحية بنات لالة منانة» دخلت تاريخ الفن المسرحي برقم قياسي في عدد العروض، لأنه يعتبر أول عرض مسرحي يستمر عرضه في مختلف أنحاء العالم بنجاح كبير إقبال كبيرين.
وأضافت:«كبرنا مع مسرحية «بنات لالة منانة»، قطعنا مشواراً طويلا مع بعضنا البعض، ونستمتع يومياً بالعروض التي نقدمها، بحيث نكتشف في كل عرض جوانب مختلفة في العمل بناء على أراء الجمهور، وهذه المسرحية هي اقتباس من قصة حقيقية كتبها الكاتب لوركا بناء على قصة حقيقية حصلت مع جارته في جنوب إسبانيا المحافظة جداً، والتي تشبه مدن الشمال المغربي في هذا الجانب، بحيث كان يسترق السمع إليها، وهي تحبس بناتها خوفاً من المجتمع والقيل والقال.
وعن رسالة المسرحية أكدت أقريو أنها تحمل رسالة تدعو إلى تعليم البنات وتمكينهن وتعليمهن الحياة لمواجهة صعابها وعدم اختزال حياة الفتاة في الاعتماد على زوج، مضيفة أن اختيار جنس النساء الذي يطغى على المسرحية والمسلسل أمر غير مقصود، وأن طبيعة القصة هي التي فرضت ذلك، وجاء الأمر مصادفة بما يتناسب مع أحداث القصة.
مزج الثقافة المغربية والإسبانية
ساهمت مسرحية «بنات لالة منانة» في انتشار الأزياء المغربية وخاصة القفطان، كما حققت شهرة واسعة جدا لمدينة شفشاون بالشمال المغربي، بحيث أصبح يتوافد عليها السياح من مختلف أنحاء العالم، خاصة بعد عرض مسلسل بنات لالة منانة الذي يجسد الكثير من تفاصيل المدينة وجمالها.
وقالت رفيقة بن ميمون مصممة الملابس المسرحية: اخترنا المزج بين الثقافة المغربية والإسبانية مع نفحة زائدة من ثقافة الشمال المغربي، لأن النص الأصلي هو إسباني، وأدخلنا موسيقى إسبانية ورقصات الفلامينكو، ولكن الهدف الأسمى يتمثل في إعطاء القيمة للهوية المغربية وبالخصوص الشمالية، وبالنسبة للأزياء فاستوحيت أفكارها من شخصيات المسرحية وما يليق بالعرض، فاللون الوردي لون الحب والحياة والصفاء، واللون الأزرق يرمز للقسوة، الأخضر يرمز للطيبة، والبني الفاتح لون محايد، بينما الغوامق من الألوان تعبر عن الطباع القاسية المتسلطة وهي ألوان الأم «منانة» وبذلك جاءت الملابس تحمل بعداً وعمقاً، وفي الجهة الأخرى فإن أزياء المسرحية ساهمت في شهرة القفطان المغربي، وأشارت أن هذه الأزياء هي نفسها منذ أول عرض مسرحي سنة، 2005 بحيث أصبحت لها قيمة تاريخية، خضعت للزيادة والنقصان حسب حالة الممثلات اللواتي زاد وزنهن تارة بسبب الحمل أو زيادة الوزن أو نقصه.
«الكعب العالي»
وقالت الممثلة السعدية لاديب إن عضوات «بنات لالة منانة» خريجات المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالعاصمة المغربية الرباط، لافتة إلى أن اسم الفرقة اشتهر باسم المسرحية التي لاقت نجاحاً كبيراً، انطلقت في البداية باسم فرقة «طاكون» وهو ما يعني باللهجة الشمالية والإسبانية بالكعب العالي، موضحة أن الفرقة كانت في البداية تضم عناصر ذكورية وفي وقت من الأوقات وقع اختلاف في الاختيارات، وقررنا أن ندير الفرقة بأنفسنا ونقدم رسالتنا التي نريدها، وتعتبر هذه الفرقة المكونة من النساء بنسبة 100% أول تجربة في المغرب، وهي فرقة تحمل هموم المرأة في العالم وبالخصوص المرأة المغربية والمجتمعات المحافظة.
عوالم النساء
وقالت الفنانة نورا الصقلي، التي لعبت دور «بهية» المرأة الحازمة والمتعقلة، إن مسرحية «بنات لالة منانة» فرضت ذاتها حيث تلامس قضايا نسائية، ومن أجل ذلك حاولنا أن نخرج المشاهد من البيوت وندخله إلى عالم المسرح، وأضافت الصقلي أن الفريق حاول استحضار كل ما هو مفقود ومغيب في الحياة المعيشة من تقاليد وثقافة مغربية أصيلة وأعراف اجتماعية،«تعمدنا بالخصوص إدخال التقاليد المغربية عند النساء أيضاً، فحقق العمل نجاحاً كبيراً وكان وكأنه لوحة ترجع بنا إلى الزمن الجميل الذي عشناه في طفولتنا، كما أعطى بعداً كبيراً لعادات وتقاليد المغرب، لاسيما أن المسرحية مثلت بلهجة أهل الشمال».
في خدمة المجتمع
أبدت الممثلة هند السعديدي سعادة بالغة بتواجدها في الإمارات ضمن فعالية المغرب في أبوظبي، وقالت: أنا فخورة بالمساهمة في هذه التظاهرة وهذا العرس الثقافي، وأن تكون المسرحية جزءاً من هذه الفعالية الكبيرة، ونحن فخورون بعرض المسرحية التي يزيد عمرها على 14 سنة، مؤكدة أن نجاح المسرحية يرجع إلى عدة عوامل منها الجدية في العمل التي تميز الأعضاء.