5 يونيو 2008 00:10
كان أحد الأطباء يمر قرب نهر فسمع استغاثة شخص يغرق فهرع إليه سابحاً وأخرجه، وما هي إلا لحظات وإذ به يسمع صراخ آخر يصارع المياه فقفز لنجدته، وما كاد يخرج منهكاً حتى سمع صراخ ثالث يستغيث، وما أن رفع بصره للأعلى من شدة الضيق والإعياء حتى رأى مخبولاً أعلى الجسر يمسك بالمارّة ويرميهم في النهر·
في كثير من الأحيان تترنح المؤسسات لأنها لا ترى أبعد من قدميها، ومهما وضعت من خطط وبدائل فإنها لن تُصلِح الواقع السيئ إن لم تلتفت لما ينتظرها في الأفق من تحديات
وأحلام بعيداً عن الغرق في دوامة الروتين و(روشتات) خبراء الورق والنظارات السميكة ممن لم يمارسوا عملاً فعلياً سوى غطرسة مقيتة همّها حشد المصطلحات الرنانة والتجوال بعروض (الباور بوينت) المعلّبة·
سُئل جاك ويلش - والذي صُنِّف كأعظم مدير تنفيذي في القرن العشرين- خلال ورشة عمل عن الاستراتيجيات قبل عدة أسابيع عن مقولةٍ للكاتب الشهير جيم كولينز صاحب كتاب "Good to Great " ينفي فيها اشتراط وجود استراتيجية للمؤسسات لضمان نجاحها، فرد على السائل: ''يا بني إن جيم لم يقم بإدارة حتى محل لغسيل الملابس·''
إن النجاح يخلقه القادة أصحاب النظرة البعيدة والجرأة الكافية لمخالفة آراء الاستشاريين السطحية في بعض الأحيان، ولولا تلك الجرأة لما أصبحت نوكيا رائدة صناعة الهواتف النقالة وبإيراد بلغ 73,3 مليار دولار في 2007 بعد أن كانت مجرد شركة هزيلة تصنع الأحذية المطاطية في فنلندا، ولكنها الرؤية البعيدة لمواطن الفرص والجرأة على تغيير جذري في سبيل غدٍ أفضل بدلاً من دفن الرأس في الرمال كحال النعامة·
كنت أقرأ الأسبوع الفائت تقريراً عن شركة طيران (ساوث ويست) الأميركية والتي كانت الشركة الوحيدة التي واصلت تحقيق أرباح حتى خلال سنوات تساقط الشركات الأخرى بعد أحداث سبتمبر 2001 ، فقد سبقت هذه الشركة الجميع فيما يعرف بالحلول الاحترازية إذ قامت بتخزين 70% من احتياجاتها من الوقود لهذه السنة مسبقاً وبسعر يقارب 51 دولارا في حين تشتري منافساتها البرميل بسعره الجنوني الحالي والذي ناف عن 130 دولارا، وإنه لمن الجدير بالذكر أن هذه الإجراءات (الاستباقية) وفرت على الشركة 700 مليون دولار سنوياً منذ 2004 حيث قامت بتوقيع عقود لشراء أكثر من 15% من احتياجاتها من الوقود حتى 2012 بسعر 63 دولاراً ليتضح لنا أن هذا كان نهجاً لها في استشراف المستقبل والاستعداد له لا ضربة حظ كما قد يتصوّر البعض·
إنه من المهم أن نقول إن المستقبل قد ملّ من كونه شماعةً للفاشلين في التخطيط السليم،
وإن الجري خلف أي سحابة تظهر في السماء لا يعود في الغالب إلا بنتائج محبطة، فنحن بحاجة لأن نعرف أصول اللعب جيداً لا أن نعيد اختراعها فنضيّع الوقت ونفوّت الفرص وتكثر تفاسير الفلاسفة، فما يحدث الآن من ارتفاعٍ محموم لأسعار النفط يقابله رد فعلٍ متشنج من بعض مصنعي السيارات وطائفة من خبراء الاقتصاد، فها هي شركتا جنرال موتورز الأمريكية ونيسان اليابانية تعلنان طرح السيارات التي تعمل بالكهرباء بدايةً من عام 2010 ولكن الشركتين الموقرتين لم تخبرانا ما الذي يضمن أن لا ترتفع رسوم الكهرباء أيضاً بنفس الصورة ؟ وماذا لو نفدت كهرباء السيارة في منطقة نائية أو انقطع التيار الكهربائي لأي سبب؟ هل هناك من حل بديل وعملي أم نجعل (بنت صوغان) على أهبة الاستعداد؟
أمّا النزعة الأخرى فهي السعي لإيجاد بديل للوقود الأحفوري من الايثانول المنتج من بعض المحاصيل الزراعية فقد ساهمت - ربما دون قصد - في تصاعد حاد لأسعار المواد الغذائية كالأرز والقمح عالمياً لأن البشر تريد ما يساعدها على أن تقود عرباتها بسعر معقول بدلاً من أن تجد غذاءً يبقيها على قيد الحياة !
عوض بن حاسوم الدرمكي
Awad141@yahoo.com