الأربعاء 23 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

حركات السلام في إسرائيل مثالية على الورق وصهيونية على الأرض

11 أغسطس 2005

القاهرة ـ حلمي النمنم:
هناك زمرة من المثقفين تؤيد التطبيع مع إسرائيل وهي زمرة محدودة جدا، ولكنها موجودة ويمثلها الآن الكاتب المسرحي علي سالم ومن قبله الكاتب الراحل لطفي الخولي وعدد آخر من الكتاب والمثقفين من مصر والأردن تحديدا، وهم الذين شكلوا ما عُرف باسم جماعة 'كوبنهاجن' ويقول هؤلاء إن في إسرائيل حركات للسلام تضم مثقفين وصحفيين يطالبون دولتهم بالسلام، ويجب أن تكون لدينا جماعات مشابهة، تتعاون مع الجماعات الإسرائيلية لتقويتها، مما يؤدي إلى دفع عملية السلام·
د· رشاد الشامي -استاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس- وصاحب الدراسات المهمة في هذا التخصص أعد دراسة موثقة حول 'فاعلية حركات السلام في القرار السياسي الإسرائيلي' ضمن كتابه الجديد الذي صدر قبل أيام بعنوان 'الحروب والدين في الواقع السياسي الإسرائيلي'·
وبدأت أول حركة للسلام بعد حرب يونيو ،1967 فقد حققت إسرائيل في هذه الحرب انتصارا كبيرا على العرب مجتمعين، واعقبت الحرب موجة في إسرائيل، بين العلمانيين والدينيين على حد سواء، رأت في انتصار إسرائيل مغزى دينيا روحيا، وتفسر هذا الانتصار على انه معجزة إلهية تمت بمساعدة الرب وخاصة بعد تلك المشاهد التراجيدية التي حظيت بأوسع قدر من النشر والاعلام الموجه داخل إسرائيل وخارجها، للحظة لقاء المقاتلين الإسرائيليين من 'الصبارين' العلمانيين مع حائط المبكى والأماكن اليهودية المقدسة، وهم في حالة عالية من التأثر والانفعال الذي وصل إلى حد البكاء، وفي ظل هذا المناخ من الهوس الديني العارم، والانتظار الإسرائيلي لإتصال من العرب يعلن قبولهم للسلام وفق شروط ديان، كان من الصعب على أي حركة للسلام ان ترفع صوتها وتطالب باعادة الأراضي المحتلة لاصحابها، لقد أفرزت هذه الحالة أربعة مواقف، الأول يرى ان الأراضي التي تم الاستيلاء عليها هي جزء من أراضي إسرائيل الكبرى وفق الحدود الواردة في الوعد الالهي بالتوراة، واعتبر هؤلاء إن هذه الأرض محررة ورفعوا شعار يقول: 'ولا شبر واحد' بمعنى انه لا تنازل عن أي جزء من هذه الأرض للعرب، وهؤلاء هم اليمينيون الصهيونيون المتطرفون والدينيون المتطرفون أيضا·
والموقف الثاني يقوم على استغلال عنصر الوقت لفرض الأمر الواقع على العرب، ورأى هؤلاء انه كما اعترف المجتمع الدولي والعالم العربي بحدود إسرائيل بعد حرب ،1948 وليس كما أقرها قرار التقسيم، فانه يجب التسويف مع العرب ومحاولة تغيير معالم هذه الأراضي وبعد 30 عاما يعرف العالم ان هذه الأرض جزء من دولة إسرائيل، وسوف يساعد على ذلك عوامل التفكك في العالم العربي، وأصحاب هذا الفريق لا يختلفون عن اليمين إلا في الأسلوب فقط·
والموقف الثالث يوصف أصحابه بالاعتدال وهم يعتبرون ان الأراضي المحتلة هي 'المناطق المحتفظ بها'، ودعا هؤلاء إلى ضرورة السعي نحو السلام مقابل الأرض، وهذا في حد ذاته تكريس لإسرائيل في حدود ما بعد عام 1948 مع ضمان السلام والأرض وفرض سياسة العصا الغليظة القادرة باستمرار على تغيير خريطة المنطقة، إذا لم يلتزم العرب بالسلام·
والموقف الرابع يقوم على رفض مبدأ احتلال أراضي الآخرين بالقوة ورفض الاعتراف بان هذه الأراضي جزء من أرض 'إسرائيل الكبرى' بل ان هذه الأرض يمكن ان تكون ورقة مساومة مع العرب من أجل السلام، وأصحاب هذا الموقف هم في الأغلب من اتباع 'اليسار الجديد' وذوي الضمائر الاخلاقية من شتى الاتجاهات، واعتبر هؤلاء ان إسرائيل تحولت إلى دولة احتلال وصارت دولة استعمارية بما يتعارض تماما مع اخلاقيات الصهيونية المثالية، واطلقوا على الأراضي العربية المحتلة اسم 'المناطق المحتلة' وركزوا على الجانب الأخلاقي الذي ينطوي عليه احتلال الأراضي العربية ومعاملة أبناء الشعب الفلسطيني كشعب محتل من يهود إسرائيل!! وظل أصحاب هذا الفريق في حالة صمت وكمون إلى ان جاءت حرب الاستنزاف·
الأساتذة··وجماعة'بريت شالوم'
جاء انصار حركات السلام بعد 67 من خلفيات متعددة، وكان البارزون من بينهم هم الذين يحملون لقب 'الاساتذة' وهم جماعة تمركزوا اساسا في الجامعة العبرية بالقدس، وكان ينظر اليهم على انهم يحملون تراث جماعة 'بريت شالوم' حلف السلام التي تكونت عام 1925 ومعظمها من الاساتذة، وضمت اسماء مثل مارتن بوبروارنست سيمون، وكانوا مستعدين للبحث عن اتفاق مع العرب، من أجل تحقيق المطالب أملا في أن يقبل العرب اليهود كأقلية دائمة في فلسطين، وكان هناك جيل جديد من الاساتذة الصغار السن شكلوا 'قائمة السلام' التي خاضت انتخابات الكنيست في 1969 ولم تحقق فوزا·
وكان هناك منبع آخر لحركات السلام في إسرائيل هو حركة 'هشومير هتسعير' -الحارس الفتي- وورثها سياسيا حزب 'المابام' وهناك حركة 'حلف اليسار' وتضم عددا من القدامى وكان 'لينين' وحركة الصهيونية الاشتراكية التقدمية مثالا لهم، وكانوا ينظرون إلى حركة 'القومية العربية' باعتبارها حركة تقدمية ورأوا في الصهيونية حركة رجعية، أما الجيل الجديد من أعضاء 'المابام' فكان يشكل أغلبية القيادة فيما عرف باسم 'اليسار الإسرائيلي الجديد' والذي اعتمد على طلاب الجامعات وتعاطف هؤلاء مع جماعات اليسار الجديد في الدول الأوروبية خصوصا والغرب عموما·
واللافت للنظر ان حركة السلام نالت تأييدا كبيرا من الأدباء الإسرائيليين الشبان، وقال الكاتب والصحفي الإسرائيلي عاموس ايلون وهو من المتعاطفين مع هؤلاء الأدباء 'تميز الأدب الإسرائيلي الحديث باتجاه سلمي وبرغبة جامحة في تفهم العدو والتعاطف معه، بلغ حدا دفع بعض النقاد إلى التحذير من الاتجاهات 'الانتحارية' التي قد تفرزها هذه التيارات، وكانت الفكرة الأساسية لدى هؤلاء جميعا تتلخص في دفع إسرائيل إلى الانسحاب من المناطق المحتلة بعد حرب 67 بهدف تخليص إسرائيل من المناطق ومن العرب الذين يعيشون فيها، مقابل السلام إذا أمكن ومقابل الوضع القديم، بعد حرب ،48 ولم يكن يهم هؤلاء إلى من ستعود هذه المناطق، واقترح كثيرون اعادتها إلى الحكام السابقين لها بمعنى ان تتسلم مصر قطاع غزة ويتسلم الأردن الضفة الغربية، وعالجوا أيضا مسألة 'حق تقرير المصير للفلسطينيين' على انها جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وخلصوا إلى القول انه في اللحظة التي تكون فيها للفلسطينيين دولة سوف 'تتبخر أسباب الصراع' وكان هذا يتضمن في جوهره العودة مجددا إلى مشروع الأمم المتحدة عام ·1947 وبقي الوضع هكذا حتى قامت حرب 73وبعد حرب 1973 قامت في إسرائيل حركات الاحتجاج على الهزيمة، لكن هذه الحركات تلاشت سريعا، ربما بنفس سرعة ظهورها، وبقيت منها مجموعتان فقط إلى اليوم، وتعملان في اتجاهين متناقضين تماما، المجموعة الأولى هي 'جوش ايمونيم' وهي دينية أصولية وكان لديها حل جاهز يقوم على تعزيز الايمان بالخلاص والعبادة ومبادئها أنه لا تنازل ولا انسحاب ولا تخلي عن الايمان بضرورة الاستيطان في كامل 'أرض إسرائيل' التاريخية، وهذه الجماعة معروفة الآن حتى للرأي العام العربي باتجاهاتها المتطرفة·
والجماعة الثانية هي 'حركة السلام الآن' وقد نادت بأن نتائج حرب 'يوم الغفران' عام 1973 تقود إلى الطريق العكسي وهو حتمية التفاوض حول اعادة الأراضي المحتلة مقابل السلام، وظهرت في اثرها حركات أخرى للسلام من بينها حركة تمثل اليهود الشرقيين اسمها 'الحركة من أجل السلام' وهناك حركتان تعبران عن الرؤية الدينية للسلام وهما: 'السلام والقوة' و'سبل السلام'·
زيارة السادات
وكانت حركات السلام في إسرائيل كثيرة الانقسام والتفتت، كما كانت تقف بصورة عامة على هامش النظام السياسي وكانت بلا فاعلية في القرار السياسي الإسرائيلي، إلى ان جاء عامل مساعد رئيسي لهذه الحركات وهو الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس في نوفمبر ·1977
ويقول مردخاي برم اون ان زيارة السادات أحدثت ثورة في الوعي الإسرائيلي وفجرت اسطورة اللاخيار، فقد جعلت خيار السلام قائما، ونجحت حركة السلام الآن في دمج عدد من الجماعات الداعية للسلام والتي كانت قائمة في السابق في المدن الرئيسية الثلاث 'القدس وتل أبيب وحيفا' ونجحت أيضا في تعبئة جماعات جديدة من جميع أنحاء اسرائيل، وركزت مجموعة في القدس تعرف باسم 'الحركة من أجل صهيونية مختلفة' معارضتها ضد أفكار 'جوش ايمونيم' المتطرفة في اقامة مستوطنات غير شرعية·
'حركة السلام الآن' ذات طابع صهيوني علماني ليبرالي معتدل، تعتبر امتدادا لحركة 'السلام الإسرائيلية بعد حرب '1967 وتضم في صفوفها العديد من أبرز رموز الثقافة والفكر في إسرائيل ورجال أعمال وقادة سابقين في الجيش الإسرائيلي وشخصيات عامة من بينهم وزراء سابقون والالوف من المتعاطفين مع الحركة واهدافها، وفضل أعضاؤها عدم الانضمام لأي حزب من أحزاب اليسار الصهيوني التي ربما تتفق في برامجها واهدافها مع أهداف الحركة وتوجهاتها، خاصة حزب 'المابام' وبعض قطاعات من حزب 'العمل الإسرائيلي'، وهذا الاستقلال عن الاحزاب منح الحركة حرية اتخاذ القرار والدعوة للتظاهر في الشارع الإسرائيلي والاتصال بجميع المؤسسات والجماعات والأحزاب والأفراد سواء من الجانب الإسرائيلي أو الجانب الفلسطيني، والاتصال بالسلطة الفلسطينية التي قامت في غزة والضفة الغربية بعد تطبيق اتفاق أوسلو·
والتقت أهداف حركة السلام الآن مع اتجاهات العديد من الشخصيات البارزة والفاعلة في أوساط اليسار الصهيوني المعتدل، أمثال شولاميت آلوني، التي تولت زعامة كتلة 'ميرتس' حتى انتخابات الكنيست في 14 يونيو 1996 وقد تولت وزارة التعليم في إسرائيل بحكومة رابين وكانت وأعضاء حزبها في الكنيست من أهم العوامل التي اثرت في اتخاذ القرار برفع الحظر على الاتصال بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في فبراير 1993 ومن أعضائها ياحيل ديان الكاتبة وابنة موشى ديان، وقد نص برنامج 'ميرتس' في انتخابات الكنيست عام 1996 على ان اقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل ستجعل من الممكن نشوء وضع طبيعي قائم على الفصل بين دولتين، تعيشان بسلام· ويعارض البرنامج سياسة الاستيطان في المناطق معارضة مطلقة ويدعو إلى 'الحيلولة دون ابقاء فلسطينيين من سكان المناطق تحت حكم إسرائيلي، أو ابقاء إسرائيليين تحت حكم فلسطينيين··' وفي نفس الانتخابات دعا حزب العمل في برنامجه إلى قيام دولة فلسطينية وان لم ينص على ذلك صراحة·
وينحصر المجهود الرئيسي لحركة السلام الآن، في الدعوة للمظاهرات الاحتجاجية ضد السياسات الإسرائيلية التي لا تتوافق مع توجهاتها، وكانت اهم هذه المظاهرات ذلك الحشد الاحتفالي الضخم الذي اقيم في 5 نوفمبر 1995 في ساحة الملوك بتل أبيب لتكريس توجه حكومة اسحق رابين نحو السلام والذي انتهى باغتيال رابين على يد 'يجال عامير' وهو احد المتطرفين الدينيين، واعتمد على فتاوى بعض الحاخامات بان رابين خائن ويستحق ، وفقا للشريعة اليهودية، القتل لانه سلم الأراضي التوراتية للفلسطينيين الذين يمثلون 'العماليق' وهم يستحقون الإبادة أو الطرد من أرض إسرائيل، وتواجه حركة 'السلام الآن' معارضة شديدة من جماعة جوش ايمونيم التي شاع بينهم اعتبارها 'حركة ممثلة للتخلي المطلق عن الصهيونية ومصدرا لضعف العزيمة لدى الإسرائيليين'·
ولا يعرف عدد الاعضاء المنتمين لحركة السلام الآن ولكن يصل عدد من يتجاوبون معها الى اكثر من مئتي ألف وهذه الحركة تعاني الكثير من القيود وعمليات الإرهاب الرسمية حين تحكم كتلة 'الليكود' اليمينية المتطرفة ولكنها تصبح اكثر فاعلية عندما يتولى حزب العمل الحكم أو عندما يصعد اليسار الصهيوني المعتدل المتمثل في كتلة ميرتس الى الحكم الائتلافي·
ومن خلال الدور الذي قامت به هذه الحركة ثبت ان اعضاءها ينجحون في غرس الافكار وتشكيلها عندما تكون القضية التي يدافعون عنها امام ظرف داخلي في اسرائيل يجعل قطاعات واسعة من الجمهور على استعداد لتقبلها وقد حدث هذا إبان حرب لبنان التي فرضت بنتائجها غير المتوقعة ضرورة تغيير الاتجاهات ومراجعة الافكار الخاصة بحدود القوة الإسرائيلية خاصة مع ازدياد حالات التمرد ورفض المشاركة في الجيش الإسرائيلي وعندما لاحت في الأفق آمال التوصل الى تسوية سلمية عند عقد مؤتمر مدريد وكما جرى في الظروف التي انتهت الى توقيع اتفاقية اوسلو·
سخرية
وفي المقابل اثبتت التجربة ان النفوذ الانتخابي لحركة مثل 'السلام الآن' جعل المفكرين في اسرائيل محلا للسخرية حيث اتضح ان قوتهم هائلة فيما يتصل بغرس الأفكار وتشكيلها بسبب طبيعة الحياة السياسية والحزبية في إسرائيل والتي تجعل المنظمات التي تتكون من ائتلاف من الشخصيات والاتجاهات المتباينة تواجه حتما صعوبات في صياغة مواقف موحدة او تعبئة الجماهير حول مجمل القضايا التي تتصل بحياتهم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي·
وفي 29 مايو من عام 1983 تشكلت حركة 'الشرق من أجل السلام' على يد جماعة يتراوح عددها بين خمسة وعشرين وثلاثين مفكرا تعود جذورهم الى بلاد شرق اوسطية وبدأ المبادرة جماعة مثقفين وصحفيين وطلاب في القدس يمثلون مختلف القناعات السياسية، وكان السبب المباشر الذي حركهم هو الخطاب التهجمي على اليهود الشرقيين في صحيفة ' ها آرتس' وكانوا نشطاء في حركة السلام الآن وأسسوا حركتهم الجديدة لأن لديهم طموحا بأن يكونوا اكثر من مجرد 'سفارديم' في حركة السلام الآن حيث يريدون تعزيز قيم اليهودية والتسامح الشرقي داخل اسرائيل فضلا عن تشجيع عملية السلام والتصدي لمقولة ان اليهود الشرقيين متطرفون ضد العرب اكثر من غيرهم وأبرز مقولاتهم أن اسرائيل هي جزء من الشرق وضرورة اندماجها في المنطقة والوقوف ضد الاستيطان وتحقيق السلام وحفظ الحقوق الشرعية الكاملة لشعوب المنطقة·
وتشكلت عدة حركات اخرى تتبنى السلام وتدعو اليه ومعظمها من مثقفين وكتاب وصحفيين واساتذة جامعات لكن هذه الحركات تواجه مشاكل وعقبات اساسية تحد من دورها ووضح ذلك بعد اغتيال رئيس الوزراء رابين في 1995 اذ كانت امامها فرصة حقيقية لقيادة الشعب الإسرائيلي كله وتعبئته نحو السلام لكنها فشلت فشلا ذريعا بسبب التنافس والتنافر فيما بينها والانقسام الداخلي الذي وصل الى حد الاتهامات المتبادلة بالخيانة أفقدها ذلك مصداقيتها امام المجتمع الإسرائيلي وأضعف قدرتها على ممارسة الضغط على صانع القرار·
والمشكلة الأخرى أن أغلب هذه المنظمات تركز نشاطها في لقاءات وتجمعات ومطبوعات تدور حول التعايش السلمي والحوار مع العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص وتشير كل الدلائل الى ان أنشطتها ستظل تدور وتتركز حول هذه الأفكار والمباديء مما يجعلها تنفق الكثير من الجهد والوقت والدعاية لنشاط يتمثل في التعاون الثقافي مثل قبول اليهود للموسيقى العربية دون العمل الجاد نحو محاولة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة خصوصا قراري 242 و383 ·
ومعظم انشطة قوى السلام في اسرائيل ردود افعال للأحداث ولكنها لا تصنع الاحداث وستظل كذلك لأن هياكلها التنظيمية غير واضحة المعالم ويتحكم فيها مجموعة من الأفراد من حيث تقرير الأنشطة والانفاق·
وهناك مشكلة تتمثل في تناقض المباديء التي يتبناها معسكر السلام مع بعض عناصر الايديولوجية الصهيونية التي تقوم على ادعاء حق اليهود المطلق في فلسطين وعدم التنازل عنها وحمايتها بإقامة مستوطنات سواء في الأماكن التي ذُكرت بالعهد القديم أو التي يتم اختيارها لأسباب أمنية وهربا من الاتهام المتوقع بالخيانة والعمالة تتحاشى أغلب جماعات السلام ضم أعضاء من عرب اسرائيل أو عقد اتصالات مع القيادات الفلسطينية بالأراضي الفلسطينية حتى لا يؤثر ذلك على صورتها بين الشعب الإسرائيلي كما تبنت لفترة طويلة افكار الحكومة اليمينية الحالية بشأن اعتبار الحكم الذاتي ذي الصلاحيات المحدودة هو الحل النهائي للقضية الفلسطينية، قوى السلام في مأزق اذ انها أعلنت مرارا ان 'ارض اسرائيل' هي وطن لشعبين لكل منهما الحق أن يمارس حقوقه السياسية والوطنية ولكن في الوقت نفسه نجد معظم حركات السلام في إسرائيل باستثناء حركة السلام الآن وكتلة ميرتس ترفض قيام دولة فلسطينية وترى الاكتفاء باعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا في الضفة والقطاع أو دخولهم في اتحاد فيدرالي مع الأردن واستمر رفضهم هذا حتى بعد توقيع اتفاقية أوسلو·
ولايعاني معسكر السلام الإسرائيلي فقط التناقض مع المفاهيم الصهيونية ولكنه يعاني ايضا تناقضا داخليا بين مبادئه وممارساته لأن هذا المعسكر بين اعضائه المؤثرين مجموعات لعبت دورا في بناء دولة اسرائيل ونشأتها وتحقيق المشروع الصهيوني ومن ثم تدين بالولاء المطلق لهذه الدولة وبرغم اختلافها مع قوى اليمين الصهيونية والمؤسسة الحاكمة إلا انه عندما يحدث اي تعارض بين المصالح اليهودية والعربية فإن هذه الجماعات لا تتردد في تأييد السياسات الصهيونية ضد العرب·
ومازالت هذه الجماعات ترفض الى اليوم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وتؤمن بأن القدس عاصمة أبدية لاسرائيل وترفض مطالبة إسرائيل بالتخلص من ترسانتها النووية وغاية ما تطالب به وقف سباق السلاح النووي لأنها تؤمن بأن اسرائيل سوف تبقى بحاجة الى رادع نووي خاصة بعد أن تنسحب من الأراضي المحتلة ، وعلى هذا فإن مستقبل هذه القوى في إسرائيل غير واضح فهي اولا لن تمانع في تدفق المهاجرين اليهود الى إسرائيل بلا قيد ولا شرط بينما هناك قيود تمنع الفلسطينيين من العودة ولا تعترض على تلك القيود ومن المتوقع أن يستمر اضمحلال هذه القوى امام زحف قوى اليمين الديني المتشدد على الكنيست والجيش بشكل خاص وقد أشار الى ذلك الصحفي الإسرائيلي امنون كابليوك بالقول: ان نصف ضباط الجيش الإسرائيلي يرتدون الطاقية الدينية على رؤوسهم وبعد عشر سنوات فقط سيجد جنود الجيش الإسرائيلي أنفسهم أمام خيار خطير: اما طاعة القائد العسكري او طاعة الحاخام·· وهو الامر الذي ينسحب بالضرورة على انشطة قوى السلام خاصة وان الدينيين يعتبرون الفترة الحالية بمثابة هدنة بينهم وبين العلمانيين امتثالا لفتوى الحاخام تسفي يهود اكلول والتي تقول: ليس من الجائز الاحتجاج على مؤسسات الدولة وجنودها وزعمائها ومن الواجب التحلي بالصبر حتى يعود العلمانيون الى رشدهم·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض