13 مارس 2011 20:48
الأسرة هي النواة التي بها قامت الشعوب والأمم، واللبنة التي لها دور في تأسيس الدول وإعمار الأرض، ومن ثمّ كان الاهتمام بمشاكل الأسرة ككل والعمل على مواجهتها له أهم عوامل استقرار المجتمعات وتحقيق آمالها التي تصبو إليها. من هنا التقينا مع خبير العلاقات الأسرية والاجتماعية عيسى محمد المسكري، وحاورناه حول العديد من المشكلات والظواهر الموجودة في المجتمع الإماراتي وكيفية التعامل معها في البداية قبل أن تظهر من خلال السير على النهج السليم لتنشأة الأسرة السوية وإليكم نص الحوار.
بداية أشار المسكري إلى أن بناء العش الأسري عملية متناغمة في الأدوار والصلاحيات والمسؤوليات، كل له دوره، سواء الأب أو الأم وحتى الأبناء، فالأب على عاتقه واجبات ومسؤوليات، وغياب هذا الدور في المنزل يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الأسري، وقد يؤدي إلى اهتزاز السفينة في بحار الحياة ومشاكلها، ويعرضها للانهيار وللغرق.
يتابع المسكري، نلاحظ هذه الأيام بأن بعض الآباء يهتمون بمصالحهم الشخصية وواجباتهم الذاتية مثل الاهتمام بالتجارة ونسيان تجارة المجتمع في تطوير الأجيال القادمة والاهتمام بالوظيفة على حساب الأسرة.
هنا تنعدم المراقبة والمتابعة مثل ما يحدث لدى بعض الأسر الإماراتية هذه الأيام، نتيجة ما لفتنا إليه من انشغال راعيها الأساسي، وهذا الغياب لدور الأب أفرز بعض المشكلات لدى الأبناء وظهرت سلوكيات لم تكن في الأجيال السابقة مثل ترك الولد وحده في غرفة مزودة بالقنوات الهابطة وإهداءه الهواتف المتطورة التي يسهل تزويدها بالمقاطع الفاضحة بلا رقيب ولا حسيب، فظهرت سلوكيات جديدة متمثلة في قلة الحركة وإدمان هذه الأجهزة، وأصبح من نتائج ذلك أمراض ومخاطر صحية، مثل انتشار أمراض السكري والقلب بين صغار السن والشباب.
هنا يطرح المسكري تساؤلاً عن دور الأب من ذلك في أخذ ابنه إلى المسجد ومتابعة واجباته ودروسه ودوره الايجابي في زيارة ابنه في المدرسة، والمتابعة المستمرة داخل البيت وخارجه، وأين الأب الذي كان معلماً وحكيماً وأديباً ومؤدباً؟.
لقد غابت هذه المعالم في عصرنا إلا من رحم الله، كان لزاماً علينا أن نلقي الضوء حول هذه القضية وتبعاتها، ليعود آباؤنا إلى قوة مؤثرة كقائد للأجيال التي سوف تحمل مسؤولية المراحل القادمة، بحسب المسكري، الذي وضع روشتة علاج.
روشتة علاج
قال المسكري فيها:نصيحتي لبعض الآباء الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن القيام بدورهم، بأن يتبعوا التعليمات التالية: أولاً استشعار مسؤولية التربية، والنظرة المستقبلية إدراكاً من الوالد بأنه محاسب على كل صغيرة وكبيرة، وبأن البذرة التي وضعها في بستان حياته ستنمو وتثمر وتؤتي أكلها كل حين إذا قام برعايتها والاهتمام بها وتزويدها بالموارد الأساسية وتوفير البيئة الخصبة المناسبة لنموها والتي لا تتوافر إلا برعاية الأب.
ومن خلال هذه النظرة المستقبلية، إذا اهتم الوالد الآن بدوره سينعكس ذلك على نتيجة ما يفعله ابنه مستقبلاً.
ثانياً ما يسمى بالارتباط الأبدي، بمعني إدراك أن أبناءنا هم سفراء يمثلون الأسرة، وتربيتهم تتمثل بالشعلة التي نفتخر بها حاضراً ومستقبلاً، فالولد يمثل الوالد في اليوم وفي الغد، ويلازمه وكأنه سيرته الذاتية التي يحملها أينما ذهب، أو ريثما جلس.
وغالباً لا يسأل عن اسم الابن، إنما يسأل من أبيه فإن كان ذا تربية صالحة، نال الأب الثناء والمدح والدعاء وإن كان غير ذلك فنسأل الله التوفيق والسداد.
ثالثاً المتابعة عن بعد عن طريق الأجهزة المتطورة مثل الهاتف النقال، والتواصل معهم عبر المواقع الإلكترونية كالفيس بوك، وأيضاً المتابعة عبر البلاك بيري الذي أصبح واقعاً مفرضاً علينا. هذه الأسباب تؤمن الصلة بين الأب وابنه طوال ساعات اليوم فلكل عصر لغته، وعلى الآباء معرفة أفضل السبل للتواصل مع أبنائهم. رابعاً تفويض التربية، بمعنى إرسال الولد إلى المربى ليعلمه اللغة ويهذبه سلوكياً وأخلاقياً، يقتبس من المربى خصال الشجاعة والكرم والنخوة والعزة، وما زالت هذه الفكرة قائمة في عصرنا مثل تفويض بعض المدرسين بمتابعة الأبناء، وكذلك تفويض مربي يعمل داخل المنزل بحدوده مربياً ومعلماً ومهذباً للسلوك والأخلاق. إلى جانب ذلك هناك أن الاستعانة ببعض المختصين والاستشاريين لدراسة حال الابن سلوكياً وأخلاقياً وعلمياً، وهو ما يعد مرحلة متقدمة في معرفة احتياجاته ومعرفة مشكلاته واكتشاف مواهبه وطاقاته، ولا يتعذر بعض الآباء بقلة المال، فما سيدفعه في تهذيب الولد أضعاف مضاعفة مما كان يظهر سابقاً بأنها مصاريف وأعباء إضافية.
خامساً استحضار عظمة الأجل، فما أن يموت الإنسان إلا وينقطع جميع أعماله، إلا مورداً غنياً ، وهو الولد الصالح الذي صَلُحَ بصلاح والديه، وبصلاحه يبقى وفياً بعد موته متضرعاً بالدعاء بوالديه رداً للجميل.
صانعة التاريخ
وفيما يتعلق بالأم، ذكر عيسى أن مسؤولياتها تجاه العائلة قد تكون أكبر نظراً لتواجدها أكثر الوقت في المنزل، فالأم مدرسة، ولكن كيف تكون حقيقة تلك المدرسة، هذا مايبينه العسكري فيما يلي: أولاً تهذيب الأبناء وتربيتهم على المبادئ والقيم والأخلاق، فهي تحمل قوة خارقة في التأثير العاطفي الذي يعد طاقة إيجابية نحو دفع الأبناء إلى العطاء الفكري والسلوكي.
ثانيا ذكاء القلب، وهو مصطلح ظهر في الفترة الأخيرة وزال العلماء يدرسونه بعد اكتشاف بأن ذكاء القلب أقوى وأكثر تفاعلاً وهو ما يظهر من خلال عمليات(التحليل - الاستنتاج - الإدراك - الفراسة - التوقع - الحاسة السادسة)، فالأم عندما تدرك قدراتها الذاتية، وتحسن استغلالها لا تكون مدرسة كما قال الشاعر أحمد شوقي في بيته المأثور وإنما هي الدولة بكاملها وأقوى الجامعات عبر التاريخ، فما العظماء في التاريخ ولا درجاتهم العالية كانت إلا من خلال الذكاء القلبي لأمهاتهم، فكثير من هؤلاء العظماء فشلت المدارس في احتوائهم ومعرفة مواهبهم، فاستطاعت الأم بذكائها أن تجعل من ابنها رمزاً في المجتمع وصانعاً للتاريخ.
و هناك نقطة بالغة الأهمية يجب على كثير من الأمهات أن يحرصن عليها، وهي كيفية التعامل مع المشاكل الناجمة عن السلوكيات غير المرغوبة من الزوج وعلى رأسها ما يعرف بـ «الخيانة الزوجية» التي قد تعصف بكيان كثير من الأسر، على الرغم من أنه يمكن التعامل مع هذا الموقف والخروج بسفينة الأسرة إلى بر الأمان.
وتحتل هذه المشكلة مركز الصدارة بين المشاكل الأسرية، كون 80 في المئة من المكالمات الهاتفية والجلسات الاستشارية في مجال عمل تدور حول هذه المشكلة الجديدة على مجتمعنا.
وصنّف المسكري هؤلاء النساء إلى أربع فئات وهن:- الصامتة وراء الجدران (كاتمة السر)- إعلامية (تفشي سرها على الملأ) -هاربة إلى بيت أحدها - الحكيمة في حسن التصرف وجميل التعامل واحتواء المشكلة.
أما نصيحتي للأولى فتتمثل بضرورة الاستعانة سريعاً بمستشار أسري لإخراج الكبت الداخل والعذاب الروحي والمساعدة في التصرف ومراجعة المشكلة.
والثانية يجب أن نوضح لها أن فضيحة زوجها فضيحتها هي، فلا تحل المشكلات بالفضائح وإنما بالحوار الهادئ والمصارحة الهادفة، والتفاهم نحو الحلول للوصول إلى الاستقرار المنشود.
النوع الثالث، تواجه ثلاث صعوبات أولاً كما خرجت من بيتك فسترجعين بنفسك، الصعوبة الثانية، خرجت وخرجت من بيتها إلى الأبد بسبب تسرع زوجها في طلاقها، الصعوبة الثالثة: طول انتظارها وبقائها حتى يلجأ زوجها إلى الاعتذار بها ومطالبة أهلها بشروطها للعودة إلى بيتها، وقليل من الرجال من يسعى معتذراً ومتأسفاً، ولكن النساء يأخذنهن الكبرياء، بتصرفاتهن الرعناء والسلوكيات المماثلة، وهو ما يؤدي إلى تفكك الأسرة بكاملها، والنصيحة إلى هذا النوع من النساء، عدم المماطلة والتمادي في تقبل الاعتذار، والتفكر قبل اتخاذ قرار خروجها لبيت أهلها ( بغرض التعرف على نوعية زوجها وقراراته). وهل هو من النوع الذي سيسارع بالاعتذار أو إهمالها نهائياً، أو يلجأ إلى بغض الحلال، كما يجب ألا يكون اعتذار الزوج واحدة كافياً الرجوع للمنزل على الرغم من ايجابيته، لكن يجب أن تضع آلية تضمن التعهد والالتزام بعدم العودة إلى هذه الجريمة.
القدرة على التوازن
القدرة على التوازن عامل مهم في تربية المرأة لأبنائها وقت الأزمات، لتستطيع مواجهة المشكلات من زوجها بالتوافق مع تربية الصغار وعلى الرغم من هذه الصعوبات، نجد كثيرا من الأمهات لا يتخلين عن واجباتهن تجاه أبنائهن مدركة بأن الذي يربي الأبناء ليس الأب، وإنما هي الأم والأب والأسرة بكامل عناصرها واستقرارها.
أما عن غير ذلك من المشكلات مثل العنف، الضرب، الشتائم، وتهميش دورها كزوجة لها كيانها ومكانتها، يجب أن تعود إلى نفسها أولاً إصلاحاً لذاتها واسعاداً لنفسها وتوضيحاً لأهدافها وسعياً نحو رؤيتها ورسالتها.
أما عن الأبناء وهم الركن الثالث في مثلث الحياة الزوجية فلهم مسؤولية يحاسبون عليها خاصة إذا بلغوا سن التكليف، فمن كان مبرراً بقصور غيره، لا يكون ذلك دافعاً نحو ارتكاب بعض الأخطاء التي لا تغتفر.
رقابة ذاتية
أكد المسكري على أن التفاعل العاطفي للفتيات بكل كلمة تقال أو ثناء يطرح أو مدح بصفاتها وجمالها فتركع سريعاً أمام المغريات، ما يجعلها عرضة لكثير من المخاطر التي هي في غنى عنها. من ثم عليها دائماً أن تتصور العواقب وتنمي وازعها الروحي وتجعل لنفسها رقابة ذاتية نحو أي سلوك، فالبنت في المجتمعات العربية قيمة غالية، ويجب أن تحرص أكثر من غيرها على هذه القيمة وتعلي منها، فهي المسؤول الأول عن حفظ هذه القيمة والترقي بها في سلم الأخلاقيات، والقيم الروحية، حفاظاً على عاداتنا وتقاليدنا.
نصائح موجهة
وهناك مجموعة من النصائح تتمثل في:
1- حسن الصحبة، انطلاقاً من أن قيمة الإنسان تزداد على حسب صحبة أصحاب المبادئ والسلوكيات الحسنة ممن يتمتعون بقيمة في المجتمع، وبحديث الأرقام، إذا كان قيمة الآخر يعدل مليون درهم فصحبته تزيد من قيمتي، إذا كان يعدل سالب (شخص مفلس القيم والأخلاق) فصحبته تجعلك تدفع من قيمتك المادية والمعنوية، وستبقى تدفع وتدفع إلى أن ينتهي رصيدك، وتجد نفسك مديوناً متسولاً وهذا يعني بالنسبة للأخلاق، ضياعاً وضبابية للمستقبل.
2- الحرص على التعليم، فقيمة المرء تزداد يومياً ويزيد من رصيد بنك حياته، بالعلم والتعلم والمذاكرة، و لن يكتشف قيمة ذلك الآن في الحاضر، ولكن عندما يتخرج سيدرك قيمته الحقيقية.
3- في هذا المجال هناك مسؤوليات غيرها مباشرة على الإعلام والمجتمع في بناء الأسرة والدفع بهذه الظواهر بعيداً عنها وذلك من خلال الشعور بالمسؤولية المجتمعية وتشديد العقوبات على كل من يساهم بشكل أو بآخر في الترويج لهذا السلوك، والقيام بزيارات للمدارس والتوعية بالجوانب القانونية المرتبطة بالعقوبات لممارس هذا السلوك.
وهنا يظهر دور هام وحيوي للشرطة المجتمعية، وهي لا تألوا جهداً، في سبيل الذود عن قيم المجتمع ومكتسباته.
المصدر: أبوظبي