9 مارس 2012
يثير الحضور البارز والكثيف للمرأة الإماراتية بوصفها مبدعة في المشهد الإبداعي المحلي الكثير من الأسئلة، خاصة أن هذه الظاهرة لم تتم دراستها من وجهة نظر علم الاجتماع الأدبي، بل لم يثرها النقد الأدبي، خاصة أنها ظاهرة لافتة على المستوى العربي وليس المحلي فحسب.
فما تشهده الساحة الأدبية في الإمارات من دخول مستمر إليها من قبل النساء وما تنتجه من أدب وفن من غير الممكن تصنيفه وفقاً لما هو أدب نسوي أو غير نسوي، بل من حيث هو أدب صافٍ. لكن حجم هذا الأدب ومستوى أدبيته هو اللافت للانتباه.
ففي حين يقل الأدب الذي ينتجه الرجل عموماً قياساً بما تنتجه المرأة، وبالتالي تتضاءل مشاركته في المشهد الأدبي وحضوره من خلال نصه الابداعي، لم تعد الأديبة الإماراتية في حاجة إلى ما تبذله أديبات عربيات في بلاد عربية مجاورة وأخرى بعيدة للوصول إلى أوسع شريحة ممكنة في مجتمعها من المهتمين بالأدب عموماً وليس بالأدب الذي تنتجه النساء وحدهن.
إذن، هل من مشروعية لسؤال من نوع: هل يكون تكريم المرأة المبدعة الإماراتية بالاعتراف بما تنتجه من أدب؟ أم أن هذا الأدب نفسه قد فرض ابداعيته وأدبيته على الساحة الثقافية بالمجمل؟
هذا السؤال تقدمت به “الاتحاد” إلى عدد من الأديبات الإماراتيات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي صادف أمس الخميس، وكانت هذه الحصيلة:
الأدب خارج التصنيف النوعي
الكاتبة والمخرجة فاطمة عبدالله قالت “دعني أولاً أسجل اعتراضي على هذا السؤال، فمنذ ثلاثين عاماً ألغت العولمة كل ماصلة له بتمييز الأدب نسبة لهوية كاتبه الجنسية لجهة الذكورة أو الأنوثة، فهذه الحدود قد كُسرت وحلّ محلها اعتبارات أخرى نقدية تنتمي للأدب في حد ذاته وليس لما هو حوله”. وأضافت “إنَّ الأدب لا جنس له ولا ينتمي إلى أي من فرعي الأنوثة أو الذكورة، بل يخص الفرد بوصفه أديباً سواء أكان رجلاً أم امرأة. لديّ رواية شخصياتها جميعاً من الرجال، لكنني أنا المرأة قد كتبتها، إذن ففي أي سياق يمكن أن نصنف هذه الرواية؟ هل هي أدب نسوي لأن امرأة كتبته أم أدب ذكوري لأن الرواية تتحدث عن عالم الرجال”.
سؤال مشروع
من جهتها ترى الروائية فتحية النمر أن السؤال مشروع تماماً وتقول “فإذا لم يتحقق تكريم المرأة بالاعتراف بأدبها فكيف سيفرض هذا الأدب نفسه وعلى مَنْ؟ في حين أن ما حققته المرأة الإماراتية المبدعة على هذا الصعيد لا يتوقف على الساحة الأدبية وحدها، بل ينبغي أن يتجاوز ذلك إلى اعتراف المجتمع به.
وتضيف صاحبة “السقوط إلى أعلى” التي صدرت عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة العام الماضي “أعلم أنني كاتبة غير معروفة إلا في أوساط معينة، لكنني لست على استعداد لأن أعمل تاجرة شنطة تسوّق كتابها على هذه المؤسسة أو ذلك الناقد، فالأحرى بكتابي أن يوصلني إلى المهتم بالأدب بصرف النظر عن أنني حديثة العهد بالنشر”.
وفيما يتصل بالأدب الذي تكتبه المرأة الإماراتية وحجمه قياساً بما ينتجه المبدع الرجل قالت فتحية النمر “أرى أن إبداع المرأة يتسع ويكتسح، خاصة على صعيد الرواية والقصة القصيرة والسينما واشعر”، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى طبيعة المرأة “التي تعطي الأمور اهتماماً أكبر من الرجل ولديها الطموح أولاً ثم الصبر والدأب، بينما الرجل لديه اهتمامات عديدة قد يكون الأدب واحد منها”. وفي السياق توضح صاحبة “للقمر جانب آخر” التي صدرت مؤخراً عن ندوة الثقافة والعلوم بدبي “الكتابة متطلبة وتحتاج إلى عادات صارمة في القراءة وممارسة الكتابة، ورغم أنني أمّ إلا أنني لا أسمع لأحد بأن يقتحم عليّ عزلتي ويخرّب عاداتي”.
المرأة فرضت نفسها بقوة
أما الشاعرة الهنوف محمد فردت على سؤال “الاتحاد” مباشرة “لا.. لا. الأدب الذي تكتبه المرأة هو الذي فرض نفسه بقوة الابداع ومقدرة المخيلة على إنتاج الصور الشعرية”.
وأضافت “إن الكاتبات والمبدعات اللواتي ولدن في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هنّ مَنْ ينهضْنَ الآن بحمل كبير من الأدب الإماراتي، والمرأة المبدعة من هذا الجيل هي التي فرضت نفسها بهذا الأدب وبما يعززه من ثقافة واطلاع وموهبة وولاء للإبداع”.
وأعادت صاحبة ديوان “قوارير” الذي يصدر خلال الأيام المقبلة، وجود هذه الظاهرة إلى أسسها الاجتماعية، فرأت أنه مع نشأة الاتحاد ومع تنامي بذرة القراءة بسبب التعليم واختلاف الأوضاع الاجتماعية تجاه المرأة بالإضافة إلى الاحتكاك بمختلف الثقافات والجنسيات التي وفدت إلى دولة الاتحاد.. كل هذه الحركة قد ولدت مزيداً من الوعي بالذات وبالآخر مثلما ولَّدَتْ انفتاحاً على آفاق أخرى من أشكال الإبداع الأدبي عموماً، الأمر الذي بدأ أكله في الثمانينيات من القرن الماضي”.
وفي السياق نفسه، أضافت الهنوف محمد “من جانب آخر، فالمرأة المبدعة الإماراتية غيورة بالمعنى الإيجابي للكلمة ولا تقبل أن تكون أقل من سواها من النساء العربيات المبدعات، سواء ممن تلتقيهن في المنتديات والملتقيات والمهرجانات أو من بنات الجاليات العربية في الدولة، الأمر الذي حفز كل واحدة منهن على بذل الجهد الذاتي في القراءة والكتابة والإصغاء إلى الأصوات المختلفة والفاعلة في الأدب العربي سواء من الرجال أم من النساء لترتفع نسبة الوعي أكثر عبر التجربة وعبر اكتساب الخبرة التي أتت من خلال ممارسة الكتابة بوصفها حرفة وصنعة وليس موهبة فحسب”.
إيداع أكثر ديمومة
وتنحاز القاصة نجيبة الرفاعي إلى الفكرة التي مفادها أن أدب المرأة الإماراتية هو الذي فرض نفسه على الساحة الأدبية بقوة الإبداع وخصوبة المخيلة. وترى أن “إبداع المرأة هو الأكثر ديمومة من المناسبات الاحتفالية التي يجري خلالها الالتفات إلى أدب المرأة.
وختاماً مع الروائية أسماء الزرعوني نائب رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، فأعلنت أيضاً انحيازها إلى أن المرأة المبدعة الإماراتية قد فرضت حضورها الخاص بإبداعها مؤكدة أن “إثبات الذات هذا لم يكن على مستوى الإمارات وحدها، بل تجاوز ذلك إلى الخليج والمنطقة العربية إجمالاً”.
وقالت “عندما بدأنا لم نكن ننتظر من أحد أن يكافئنا يوماً ما، بالتالي نحن فرضتنا أقلامنا على المشهد الأدبي” وأضافت “هذا الأمر لا ينطبق على الإبداع وحده فحسب، بل إن المرأة الإماراتية عندما تدير مؤسسة فإنها تفعل ذلك بطريقة مختلفة”.
وفي هذا السياق، قالت “تعتبر المرأة المبدعة كتبها كأبنائها، وهذا شيء حقيقي لا مبالغة فيه، وربما يكون السبب في ذلك أن فعل القصّ وحكي الحكايا هو الذي دأبت على فعله النساء منذ القديم، بالتالي عندما تكتب المرأة فهي لا تمارس فناً غريباً عليها، بل تقوم بدور طبيعي جداً.. وعبر التراكم والصبر والجهد والعطاء، فإن الحكايا تصدر عنها بطرقة أجمل. لنقارن هنا الأدب الشفوي، ذلك المردي على ألسنة الجدّات والآخر المروي بألسنة الرجال، فالأدب الذي تقوله المرأة أكثر غنى تخييلياً”.
وتختتم أسماء الزرعوني حديثها بالقول “هناك أسباب عديدة جعلت أدب المرأة أكثر تميزاً من بينها أن المرأة بطبعها رومانسية أكثر من الرجل المنشغل أبداً بأمور أخرى”.