22 يوليو 2009 23:27
كانت إحدى المفاجآت الطريفة في جامعة الكويت، عندما ذهبت إليها معاراً سنة 1983، أنها تعطي الأساتذة شقة فسيحة الحجم، وقد أكرمني الأصدقاء فأتاحوا لي أكبر نموذج، في مساكن الأساتذة الجديدة التي بنيت، حيث الجامعة، في منطقة الشويخ وكانت الشقة تتكون من غرفة نوم رئيسية مع حمامها الخاص، وثلاث غرفات نوم، جعلنا الأولى للبنت، والثانية للولد، والثالثة للخادمة، وكانت الشقة مؤسسة بالكامل، فلم نحتج إلى شراء شيء سوى التلفزيون وبعض الأجهزة الكهربائية. وكان هناك ممر طويل بين غرف النوم، ينتهي بغرفة مكتب، وعلى امتداد هذا الممر كانت هناك أرفف للمكتبة. وكنت قد حملت معي إلى الكويت حقيبة بأهم الكتب التي قد أحتاج إليها فور وصولي، سواء في البحث أو التدريس، وضعتها على أحد أرفف المكتبة التي بدت مترامية، عديدة، تشكو الفراغ. وكان اتساع مساحة الشقة مريحا إلى أبعد حد، أراح زوجتي من شكوى الكتب التي زاحمت علينا الشقة في النخيل، مع أننا كنا نراها بالغة الاتساع ما إن انتقلنا إليها. وقضيت في الكويت خمس سنوات جميلة، كنت فيها أستاذا لجيل، أصبح عدد منه أساتذة في الجامعة الآن، والآخرون والأُخريات توزعوا على الأعمال الثقافية، ونبغت بينهم تلميذتي سعدية مفرح التي أصبحت من أهم شاعرات الكويت، إن لم تكن أهمهن، في مدى قصيدة النثر، وهي الآن مشرفة على القسم الثقافي في إحدى الجرائد الكويتية البارزة. وبالطبع، أخذت أرفف المكتبة الخاوية تستقبل كتبا جديدة، أتلقاها إما على سبيل الإهداء، أو على سبيل الشراء لحاجتي إليها. وبالطبع، لم تكن تفوتني الزيارة السنوية لمعرض الكتاب في الكويت، على مدى السنوات التي قضيتها هناك، وكل مرة كنت أصحب أقرب الناس إلى نفسي الصديق محمد رجب النجار «رحمه الله»، وكان قد أخذ يعرف في الأوساط الأدبية العربية، خصوصا بعد نشره كتابا عن «الشطار». وما أثقل الحمل الذي كنا نعود به من الكتب في كل مرة، فالحالة المالية ممتازة، والكتب المطبوعة في الشام والعراق وسوريا وإيران وغيرها متاحة، وغواية امتلاك الكتاب لا يعرفها إلا من أدمنها. المهم، امتلأت أرفف المكتبة التي كنت أظنها لن تمتلئ، وبدأت الكتب تقتحم المكتب، وكنت أرتبها في صفوف أضعها على أرض المكتب، وتزايدت الكتب لأني رأست لجنة الترقيات في كلية الآداب واختارني خلدون النقيب، العميد الجديد للكلية، لأكون مساعد العميد للشؤون العلمية وشؤون البحث العلمي بعد عامين من عملي بالكلية، وظللت كذلك إلى أن انتهت السنوات الخمس للإعارة، وأخذت الكتب تتزايد، خصوصا من الزملاء الذين كانوا يسارعون إلى إهدائي كتبهم الجديدة، وعلى رأسهم الصديقان خلدون النقيب وإمام عبد الفتاح إمام، فتزايدت صفوف الكتب العالية الموضوعة على أرضية المكتب، وصرت كلما رأيتها أضحك من اليوم الذي ظننت فيه أن مكتبة الحائط لن تستوعب كل ما يمكن أن يهدى لي أو أشتريه. وأذكر أنني تطلعت إلى كتبي قبيل عودتي إلى القاهرة، وتذكرت الأيام التي لم أكن أملك فيها عشر هذا العدد من الكتب، لكنها الأيام وما تحمله من تغير.