السبت 19 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سينما الذئاب.. الكرتونية

سينما الذئاب.. الكرتونية
18 ابريل 2019 02:50

لينا أبو بكر

إنها روما، امبراطورية الأولمب، التي رضعت من حليب الذئاب، هناك على ضفاف نهر الآلهة، في القرن الخامس قبل الميلاد، وقبل أن يضم النحات الإيطالي أنطونيو ديل بولايولو، رومولوس وريموس إلى منحوتته «لا لوبا كابيتولينا» أو «ذئب الكابيتول»، في القرن الخامس عشر الميلادي، رغم اختلاف علماء النقوش على نسبة الأثر لنحاته، ولكن ماذا تقول، فالجدل يغدو عبثيا وأمّارا بالسوء أو قاطع أرحام، طالما أن عمليات تبني المنحوتات المجهولة ونسبتها إلى نحاتين بعينهم، تصبح من أفعال الخير، التي تضاعف حسنات التاريخ وهو يمنح التماثيل اللقيطة دفتر عائلة يتيح إليها دخول المتاحف بذاكرة مكتملة النصاب!
في عالم السينما، يتغير المشهد، وتتغير الحكايا، فالأساطير التي تغذي نهم المخيلة، تصبح نفايات تاريخية قابلة لإعادة التدوير والاستهلاك بشكل جديد، يناسب ثقافة العصر، وطبيعة الرسائل الموجهة للجيل، ومتطلبات التنافس التجاري المحموم، فمن أين نبدأ؟
السينما التي تلعب مع الروائي بالمرئي، تعيد إنتاج الذاكرة، على طريقة النحاتين والرسامين قبل عصر الأشرطة الخلوية والصور المتحركة، فتحرر التاريخ لتستأثر به، وتسوّقه ولكنها تحتكره ضمن «لوغو» سياحي وسياسي بطبيعة الحال، ولذلك لا تستغرب حين تستحوذ الذئاب على أدوار البطولة، والأوسكار، لا بل وعلى أعلى المراتب في قائمة أعظم الأعمال السينمائية عبر التاريخ، ولكل العصور، سواء في فئات الأنيميشن أو ألعاب الفيديو أو أفلام الآكشن والدراما والرومانس والأفلام الوثائقية.
في هذه الوقفة، سيقتصر التأمل على أفلام الرسوم المتحركة فقط، أما بقية الأعمال السينمائية العالمية، ففي مقالة منفصلة أتبع هذه بها، علها تستوفي شرطها التأملي لتطور رمزية الذئب في عالم صناعة الأفلام!

الذئب في زمن الحرب
كان الحزب الحاكم في أفغانستان ولائيا بالماركسية للنظام السوفييتي، ولذلك كان لابد من إرسال الجيش الأحمر للذود عن عرين الذئاب الجبلية التي بدأت في الانقراض بفعل التلقيح المخابراتي الأميركي لتهجين هذه السلالة، حرب جديدة تقرع الطبول مع إطلاق فيلم «حكاية الحكايات» أو ما يسمى بالروسية: Skazka Skazok، إنتاج عام 1979، إخراج يوري نورشتاين الذي اعتبر من أعظم أفلام الأنيميشن، وقد كتب عن هذا الفيلم «كلير كيتسون» رحلة للرسوم المتحركة، عام 2005. العمل ـ رؤيويا ـ يشبه إلى حد كبير أعظم الأفلام السينمائية على الإطلاق: فيلم «مرآة» للمخرج أندريه تاركوفسكي Andrei Tarkovsky الذي أنتج عام 1975، بحيث يحاول هيكلة نفسه كذاكرة بشرية، يتم استدعاؤها بلا ترتيب زمني ولا سرد تقليدي، فكلها حكايا ومشاهد تتداخل ضمن نقطة تقاطع واحدة: الحرب، بطقس مشبع بروائح الحرب العالمية الثانية التي تكبد بها الجيش السوفييتي خسائر هائلة، ولكن ما علاقة الذئب بهذا الفيلم؟
من وجهة نظر النقّاد، يعد التفاح الأخضر هو البطل الرئيسي الذي يبعث على الأمل، بينما فعليا يطل الذئب كفاصل زمني وإيحائي عميق يربط بين المواسم والحكايات، أما الجدة التي تغذي له المدفأة بالحطب في كوخها الصغير فترحل ليتولى هو المهمة، على وقع طبول حرب وحفلات راقصة يهجرها الرجال ليعودوا في استراحة زمنية أخرى يتموا رقصتهم بملابس الجندية، تأهبا لجولة لاحقة، وما بين الأدائين يحرّك الذئب المشهد وهو ينظر من وراء ذاكرة إلى لوحات متعددة يتصالح فيها الإنسان مع الحيوان والطبيعة.. ثم كؤوس وزجاجات شمبانيا وألعاب نارية تتخلل الحروب والهجرات والأحزان والخراب والخريف والشتاءات والقطارات البعيدة..
العمل نال العديد من الجوائز عبر العقود، على اعتباره أعظم وأعمق عمل كرتوني في تاريخ البشرية، ولمَ لا يكون، طالما أن الذئب الرمادي هو رمز من رموز المحاربين السوفييت، وبلاد الجليد والبياض في أقاصي الشمال، ولكن كيف تطورت رمزية الذئب في عالم ديزني؟ وكيف تعامل الأميركان مع ذئابهم الكرتونية؟ هل يا ترى حافظوا على وقار القياصرة؟ أم أن ذئاب رعاة البقر، دخلوا إلى عصر (الكيت كات) بلا فراء ولا عواء ولا حروب سوى ما يكفي جموحهم؟

ليلى والذئب
هل تعلم أن حكاية ليلى أو «ذات الرداء الأحمر» في قائمة أفلام الكرتون ضمن فئة الذئاب، تحتل المرتبة الأولى بلا منازع، مع اختلافات في التقنية والتصوير والسكريبت، بالإضافة إلى الأداء الموسيقي والاستعراضي والعضوي المختلف من عمل إلى آخر، ولكن ما يثير الاشمئزاز ليس فقط ثورة (الكيت كات) التي انعكست على السينما بشكل هائل ومخيف، إنما أيضا من الاعتبارات التكريمية، التي غيّرت الذائقة ومعايير الإنتاج والتحكيم، فالنسخة الريفية من «ذات الرداء الأحمر» لعام 1949 جاءت متممة للنسخة الأولى عام 1943، بعرض قصير جدا، عن ذئبين أحدهما لم يستطع مجاراة أجواء المدينة ولكن الآخر تعلق بذات الرداء وهي راقصة استعراضية في أحد كازينوهات الولاية، وأصر على تقبيلها بدل التهامها، فهل الرجال هم ذئاب العصر السينمائي؟ أم أن الذئاب تتنازل عن مخالبها وتخالف فطرتها في سبيل لقاء مع راقصة كاباريه؟
يا أيها العالم، كيف حالك الآن؟ ما هو شعورك وأبناؤك يتابعون حكاية ليلى والذئب على طريقة ذئاب المارينز السينمائية في هوليوود وديزني؟
لم نزل في أميركا، الشيكا بيكا، على قولة محمد فؤاد، ولكن احذر، فالأدوار تغيّرت، تماما كما الفطرة، وليلى في فيلم Little hoodwinked 2006، مخادعة فعلا، فهي الفتاة التي تسرق شر الذئب لتتقمصه، بينما يبدو الذئب وديعا وبريئا لا وبل مراسل تحقيق على غير عادة الذئاب، في تقنية جديدة على عالم الكرتون، فهو من أوائل أفلام الكرتون بالكمبيوتر، والأبعاد الثلاثية، مطعما بدراما الجريمة، منحرفا عن عمد إلى الفكاهة ومحتفظا بعناصر المؤامرة، وهو ما أثار مخاوف طاقم الإنتاج، من تعريض الأطفال إلى مستوى عال من السخرية، ورغم ذاك فقد حقق ثلاث عشرة مرة ضعف ميزانيته التي لم تصل إلى ثمانية ملايين دولار، خلال مطاردة بوليسية، قلبت أجواء الحكاية، وانفعالاتها النفسية والعاطفية، ونواياها وأدائها الاجتماعي والأخلاقي، وهذه مفارقة أمنية يتحول بها الذئب من مجرم إلى عنصر أمني وتتحول الطفلة إلى ذئبة مخادعة، على مدار جزئين، فأين الحكاية؟ هل يحق لصنّاع السينما أن يتلاعبوا بالطبيعة النفسية للشخوص إلى هذا الحد؟ هل الذئب أطيب من الإنسان؟ هل الأطفال شريرون أكثر من الذئاب؟ ألا يجب أن تكون هناك أهداف معينة تستدعي هذا القلب لمفاهيم الإرث الحكائي في عالم الملائكة؟

الذئاب وصراعات الأرض
يأتي فيلم «بالتو» عام 1995، ليعود إلى شتاء 1925، حيث يعيش بالتو في سفينة مهجورة، كنصف ذئب، حين ينتشر مرض الدفتيريا بين أطفال المدينة «نومي ـ ألاسكا»، يخوض رحلة سباق الكلاب للحصول على الأدوية من المدن المجاورة، يحتدم التنافس بين بالتو وبقية الكائنات، باستعادة فضفاضة للقصة الحقيقية التي تم على إثرها إشادة تمثال للذئب الذي ساعد بإحضار الدواء رغم قسوة الظروف المناخية، وقد أتبع هذا بنسخة أخرى عام 2002، فماذا عن ذئاب اليابان؟
بصراحة، الخوف لن يكفي لكي يتمكن المشاهد من اتخاذ الحيطة والحذر أمام رسائل كرتونية غاية في الخطورة، Princess Mononoke وهو اسم الفيلم الياباني الذي تمت دبلجته للأميركية، بعد أن نجح على أقراص DVD وقد سجل ضعف أداء على شباك التذاكر، وبالمناسبة هذا أصلا ليس اسما، بل كلمة يابانية للروح أو للوحش، بمعنى أنه مصطلح يدل على كائنات خارقة متغيرة الشكل، وقد أطلق في العام 1997 في موطنه وبعد عامين في القارة الأميركية، محتفظا بسجل شبّاك التذاكر للأفلام اليابانية الصنع حتى عام 2001.. وكغيره من الأفلام الرائجة كان لابد أن يتبع بنسخ أو أجزاء ربحية لاحقة.
الفيلم يدور حول اللعنة التي تمنح القوى الخارقة في حرب الشيطان والذئب، الذي يعلّم المحاربين روح الغابة وهي التي تمنح الخلود، تدور الأحداث بين الساموراي والحكومة وعشيرة الخنازير، وآلهات الغابات، لتنشر مفاهيم جديدة للصراع بين العالم السفلي والعالم الماورائي، فوق أرض محايدة هي الغابة، وببطولة مطلقة للذئب وأميرته، حسنا إذن، لم يزل العمل السينمائي يكافح للخروج من عباءة الحكاية القديمة والمملة، ليلعب عليها بابتكار حكايا منشطرة عنها ولكنها تشكل نواتها الخاصة بها، ومدارها العنقودي الجديد.. ولكن، هل نخاف على الذئب أم على الأطفال!
أخيرا وليس آخرا الفيلم الأميركي ـ الهندي الكرتوني «ألفا وأوميغا»، دراما كوميدي، إنتاج عام 2010، عن ذئبين كنديين يقعان في حب بعضهما البعض، ولكنهما على طرفي نقيض، إثر حروب التوطين والصراع على البقاء بين عشائر الذئاب، ورغم محاولات القبيلتين للدمج السلمي عبر أحابيل الزواج، وترتيب لقاء رومانسي في ضوء القمر، واحتفال ذئبي ودويتو للعواء في مشهد حميمي ربما يخص الذئاب أكثر من البشر طالما أن الفقد لدى الذئاب يعزز من الوفاء ولا يرخي عرقه، إلا أن ضياع أحد الذئاب والصراع مع الدببة ومحاولات الإنقاذ والتفاني، وتطورات الحرب والعادات وكل ما ينشأ من انفعالات، تحبب الذئب إلى الطفل، الذي سينظر لهذا الكائن نظرة مقدسة، وعليا، ولمَ لا، مادام الذئب يعشق وينقذ ويحارب في سبيل وطنه، ويشرب القهوة والبيرة ويرتدي جينزا أو بدلة رسمية، أو حتى قبعات رعاة البقر، يسكن البيوت، ويرتاد مطاعم الوجبات السريعة، وينام في سرير الملائكة، ويخوض حرب القوى الخارقة، ليسلم رأس الآلهة إلى إمبراطور الظلام، فماذا تبقى من الذئب بعد كل هذا؟
لا تحزن أيها المشاهد، حتى لو كان تهجينك سينمائيا، لن يكون في صالحك على الأقل، إنما هو في صالح الذئب، الذي يتربع على عرش مكتبة الكونغرس للأفلام، ويتسلم الأوسكار، بلا أنياب ولا مخالب ولا عواء!

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض