محمد إبراهيم (الجزائر)
دخلت الجزائر أمس منعطفاً جديداً في المرحلة الانتقالية التي تعيشها منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، مطلع أبريل الجاري، بإعلان الطيب بلعيز، رئيس المجلس الدستوري، استقالته من منصبه، فيما وجه الفريق أحمد قايد صالح تحذيراً شديد اللهجة إلى المدير السابق للمخابرات محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق.
وتأتي استقالة بلعيز أمس كأولى خطوات السيناريو الجديد للمرحلة الانتقالية استجابة لمطالب الحراك الشعبي، وهو السيناريو الذي انفردت «الاتحاد» بنشره قبل يومين.
ويطالب الحراك الشعبي الذي أطاح بوتفليقة من قصر المرادية بعد 20 عاماً من الحكم، بتنحي رموز نظام الأخير من المشهد السياسي، وفي مقدمتهم الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان) معاذ بوشارب، إضافة لبلعيز الذي تولى منصبه في 21 فبراير الماضي.
وقالت مصادر برلمانية وسياسية مطلعة لـ «الاتحاد»، شريطة عدم ذكر اسمها، إن استقالة بلعيز جاءت بعد طلب من قيادة الجيش التي أعلنت أكثر من مرة انحيازها لمطالب الشعب الجزائري.
وأضافت المصادر أن الخطوة التالية تتمثل في تعيين رئيس جديد للمجلس الدستوري في مدة أقصاها 15 يوماً بحسب نص الدستور الجزائري، ثم يعقب ذلك استقالة بن صالح من رئاسة الدولة، ليعقد بعدها البرلمان الجزائري بغرفتيه اجتماعاً مشتركاً يقر فيه استقالة الرئيس المؤقت، ويقر تعيين رئيس المجلس الدستوري الجديد بدلاً عنه.
وأشارت المصادر إلى أن تلك الخطوة سيعقبها استقالة نور الدين بدوي رئيس الحكومة، وهو ما يوجب على الرئيس المؤقت في ذلك الوقت تعيين حكومة تسيير أعمال لحين إجراء الانتخابات الرئاسية. وكشفت المصادر عن أن الرئيس الجديد للمجلس الدستوري لن يخرج عن الوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي أو عبد المجيد تبون أو أحمد بن بيتور رئيسي الحكومة السابقين بعد رفض الرئيس الأسبق اليمين زروال قيادة المرحلة الانتقالية، مرجحة أن يتم اختيار الإبراهيمي لشغل المنصب ومن ثم الرئاسة المؤقتة.
في الوقت نفسه، كشر الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع، رئيس الأركان الجزائري، عن أنيابه في خطاب شديد اللهجة، حذر فيه رئيس دائرة الاستعلام والأمن «المخابرات الجزائرية» السابق الجنرال توفيق من اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضده.
وقال قايد صالح «لقد تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس الماضي إلى الاجتماعات المشبوهة التي تعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب ومن أجل عرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة، إلا أن بعض هذه الأطراف وفي مقدمتها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق، خرجت تحاول عبثاً نفي وجودها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة».
وأضاف «لقد أكدنا يومها أننا سنكشف عن الحقيقة، وها هم لا يزالون ينشطون ضد إرادة الشعب ويعملون على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة، وعليه أوجه لهذا الشخص آخر إنذار، وفي حالة استمراره في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة». وجدد الفريق صالح التزام الجيش بمرافقة مؤسسات الدولة، في هذه المرحلة الانتقالية، مع الإشارة إلى أن الآفاق الممكنة كافة تبقى مفتوحة في سبيل التغلب على مختلف الصعوبات، مؤكداً ضرورة إيجاد حل للأزمة في أقرب الأوقات، لأن الوضع لا يحتمل المزيد من التأجيل، وقال «إن الوقت يداهمنا». وطالب القضاء بالإسراع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب، محذراً من بعض الأشخاص (لم يسمهم) الذين عبثوا كثيراً بمقدرات الشعب الجزائري وما زالوا ينشطون ضد إرادة هذا الشعب ويعملون على تأجيج الوضع، من خلال الاتصال بجهات مشبوهة ومع بعض المسؤولين والأحزاب السياسية.
وأكد رئيس الأركان التزام الجيش بحماية الجزائريين، خاصة أثناء المسيرات، وقال «لكن بالمقابل ننتظر من شعبنا أن يتفادى اللجوء إلى العنف، وأن يحافظ على الممتلكات العمومية والخاصة، ويتجنب عرقلة مصالح المواطنين».
ميدانياً، شهدت ساحة البريد المركزي بوسط الجزائر العاصمة أمس خروج آلاف الطلبة الجامعيين في تظاهرة للمطالبة بتغيير النظام بشكل جذري ورحيل كل الوجوه القديمة، متمسكين في الوقت نفسه بمواصلة إضرابهم عن الدراسة.
ورفع الطلبة المتظاهرون شعارات تدعو إلى «رحيل جميع الوجوه القديمة المحسوبة على النظام»، معربين عن رفضهم لعبد القادر بن صالح كرئيس للدولة وحكومة نور الدين بدوي، علاوة على رفضهم لكل من رئيس المجلس الدستوري بلعيز الطيب (الذي قدم اليوم استقالته)، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، معاذ بوشارب، حيث تم اختصار هذا الرفض برفع لافتات كتب عليها «لا للباءات الأربعة».
فنيش رئيساً لـ«الدستوري»
عين الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، أمس، كمال فنيش رئيساً للمجلس الدستوري خلفاً للطيب بلعيز. وكان الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة عين كمال فنيش عضواً في المجلس الدستوري عام 2016.
وجاء في البيان: «اجتمع المجلس الدستوري، حيث أبلغ رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز أعضاء المجلس أنه قدم استقالته من منصبه لرئيس الدولة».