الخرطوم (الاتحاد)
سار المجلس العسكري الانتقالي في السودان على طريق الإصلاحات السياسية السريعة، وبعث أمس رسائل طمأنة للداخل والمجتمع الدولي، في الوقت الذي واصل فيه الآلاف اعتصامهم أمام وزارة الدفاع بالخرطوم في مسعى لتحقيق مطالب القوى السياسية المعارضة، وفي مقدمتها انخراط مدنيين في المجلس العسكري الانتقالي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية. وذكر مراسل «الاتحاد» في الخرطوم أن الهدوء كان يسود ساحة الاعتصام حتى ظهر أمس، وأن أعداد المعتصمين كانت أقل نسبياً من الأيام السابقة. ووفقاً لمراسل «الاتحاد»، فإن التفاؤل يسود تجاه الإجراءات الأخيرة من المجلس العسكري الانتقالي مع انتظار لمزيد من الإجراءات لتمكين قوى المعارضة من الوجود في المجلس الانتقالي، وضمان إعادة هيكلة الأمن قوى التي يتهم المعتصمون قياداتها بالانخراط في جرائم ضد السودانيين.
وفي رسالة للمجتمع الدولي، أكدت وزارة الخارجية السودانية، في أول بيان لها منذ عزل البشير، التزام المجلس العسكري الانتقالي بكافة المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات المحلية والإقليمية والدولية، مشيرةً إلى التزام المجلس الكامل بإرساء دعائم حكم مدني قويم، وتسليم السلطة لحكومة مدنية في فترة أقصاها عامان. وقالت الخارجية، في بيان صحفي أمس، إن المجلس يحرص على علاقات دولية وإقليمية متوازنة تراعي مصالح السودان، مشددةً على التزام المجلس بترقية وتعزيز حقوق الإنسان، وفقاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي صدق عليها السودان.
وجددت وزارة الخارجية حرص السودان على روابط حسن الجوار وعلاقات دولية متوازنة، تراعي مصالح السودان العليا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأشادت بمواقف التضامن والدعم من الأشقاء للمجلس الانتقالي العسكري بالبلاد.
وأشار البيان إلى تأكيد رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الالتزام الكامل بإرساء دعائم حكم مدني قويم وتسليم السلطة لحكومة مدنية، مشكلة من قبل الشعب في فترة أقصاها عامان، وأن دور المجلس خلال هذه الفترة سيقتصر على التأكيد على سيادة القانون، واستقلال القضاء، وتوفير وحفظ الأمن، وبسط الطمأنينة، وتهيئة المناخ السياسي لكل مكونات المجتمع. ونقل البيان تطلع الخارجية لتفهم ودعم المجتمع الدولي للجهود الصادقة من المجلس العسكري الانتقالي والقوى السياسية والمدنية السودانية، لتحقيق رغبات الشعب السوداني في تحول ديمقراطي مكتمل، وبناء دولة المؤسسات وتحقيق التنمية المتوازنة والعادلة.
وفي خطوة وصفت بالإصلاحية والتصالحية، أعلن المجلس العسكري الانتقالي، أمس الأحد، إلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات، والسماح لوسائل الإعلام بمزاولة أعمالها دون قيود. ونسبت قناة «سكاي نيوز - عربية» الإخبارية إلى مصادر وصفتها بـ«المطلعة»، دون تسميتها، القول إنه جرى رفع الحظر عن جميع المراسلين والصحفيين الذين تم حظرهم عن العمل في السودان خلال فترة الاحتجاجات، التي بدأت في ديسمبر 2018 وأدت إلى عزل البشير.
وفي وقت لاحق طلب المجلس العسكري، أمس، من القوى السياسية تقديم مقترحات ورؤى حول المرحلة المقبلة، خلال فترة أقصاها سبعة أيام، تشتمل على شروط ومواصفات رئيس مجلس الوزراء، وما إذا كانت الفترة الانتقالية المحددة بعامين كافية أم لا، وشروطهم حول الحكومة المدنية. وأعرب المجلس عن التمني أن تتوافق القوى السياسية على شخصية قومية مستقلة لرئاسة مجلس الوزراء. وقال رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري، الفريق أول ركن عمر زين العابدين، خلال لقائه مع القوى السياسية: إن مهمة المجلس الأساسية تتمثل في تهيئة مناخ ملائم لكل الكيانات السياسية للتنافس في «جو شفاف دون إقصاء لأحد للخروج من الوضع الحالي».
وأكد زهد المجلس العسكري الانتقالي في السلطة قائلاً «لولا الرغبة في الأمن والاستقرار لما تسلمنا السلطة» مشدداً على عدم سماح المجلس العسكري لأي شخص أو كيانات بالعبث أو التطاول على السلطة بأي سلوك. من جانبه، قال عضو المجلس العسكري، الفريق جلال الدين الشيخ، إن المجلس يطلب من القوى السياسية مد المجلس بمبادرة ورؤية متكاملة حول الوضع على أن تكون مكتوبة. وأضاف الشيخ خلال اللقاء أن المجلس يطلب من القوى السياسية إعانته بالمبادرات لتسيير أمور البلاد خلال الفترة الانتقالية لتحقيق رغبات الشعب. وكان تجمع المهنيين دعا إلى استمرار الاعتصام في كافة الميادين، حتى تتحقق مطالبه التي أوردها في 9 نقاط محددة تتضمن اعتقال الرئيس المخلوع ومدير جهاز أمن النظام المستقيل صلاح قوش والسابق محمد عطا، والسابقين لعهما نافع علي نافع وقطبي المهدى، وقادة حزب المؤتمر الوطني السوداني، والوزراء في الحكومات المركزية والولائية، ومدبري ومنفذي انقلاب 30 يونيو 1989، وكل من أجرم في حق هذا الشعب،
على أن يتم توجيه إليهم تهم تقويض النظام الدستوري، وإثارة الحرب على الدولة السودانية بالانقلاب العسكري في 30 يونيو 1989 ضد سلطة شرعية منتخبة، وقتل المعارضين وارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور وجبال النوبة والأنقسنا والنيل الأزرق، وأيضاً توجيه تهمة الخيانة العظمى بفصل جنوب السودان، ورعاية الفساد، وتدمير الاقتصاد الوطني، وتخريب علاقات السودان الخارجية.
وجاءضمن المطالب الحجز على أصول وممتلكات حزب المؤتمر الوطني، وحساباته المصرفية وحراسة دوره ومقراته حتى لا يتم التخلص من الأدلة على فساده، بالإضافة إلى الحجز على أصول وحسابات قادة النظام المالية والعقارية فوراً، ويشمل ذلك أفراد أسرهم، وإقالة النائب العام ورؤساء النيابة العامة ورئيس القضاء ونوابه ورؤساء الأجهزة القضائية فوراً، ثم حل النقابات والاتحادات المهنية والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات، إضافة إلى التغيير الفوري للتمثيل الخارجي، على أن يكون التمثيل الدبلوماسي مهنياً بعيداً عن رموز النظام السوداني السابق، فضلاً عن إنهاء الحرب وبناء السلام كأولوية قصوى في قضايا الانتقال، ومن الضروري مشاركة قوى الكفاح المسلح في ترتيبات الانتقال كاملة، تفادياً لتكرار تجارب البلاد السابقة ومعالجة قضايا التهميش بصورة جذرية كمطلب ثامن.