السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السدود وتهديد الثقافة التركية

9 مارس 2011 21:13
من فرط حبه وإعزازه لفسيفساء وفناءات ومعابر منتجع حمامات أليانوي" للمياه المعدنية، وهو منتجع روماني قديم يعود تاريخه إلى نحو 1800 عام، فقد أطلق العالم الأثري التركي أحمد ياراس اسم "إليا" على ابنته، تيمناً بنهر "إليا" الذي يمر بمعابر ذلك المنتجع الطبيعي. ولكن هاهو يراقب الآن ارتفاع مستوى المياه وهي تغمر ما تبقى من تلك الآثار الرومانية القديمة، التي طالما كافح من أجل المحافظة عليها، ويموت حسرةً على اختفاء تلك الكنوز الأثرية العتيدة تحت مياه خزان جديد للمياه، تسرع السلطات التركية في بنائه سعياً وراء توسيع شبكة الطاقة الكهربائية ومضاعفة إنتاجيتها بحلول عام 2020. وبالنسبة لـ"ياراس"، فإن غرق هذه الكنوز الأثرية الحبيبة إلى قلبه وروحه، لا يقل إيلاماً ولا إثارة للحزن عن إغراق ابنته. بل إن ما يحدث الآن في "أليانوي" قتلاً للتاريخ على حد تعبيره. يذكر أن الدكتور "ياراس" كان قد كلف رسمياً بقيادة فريق من علماء الحفريات الأثرية، تمكن من إنجاز نسبة 20 في المئة فحسب من مهمة الحفريات التي كلف بها خلال عقد كامل من العمل المتواصل في الموقع الأثري، وعثر خلالها على 11 ألف قطعة أثرية حتى الآن. يذكر أن سد "يولتاني" للمياه، يعتبر جزءاً من برنامج إنمائي غير مسبوق في مجال هندسة التوليد المائي للكهرباء، أطلقته الحكومة مؤخراً بغية الحفاظ على سرعة التطور الاقتصادي الذي تشهده تركيا. كما يعتبر مشروع هذا السد المائي أحد قضايا العراك الساخن بين الحكومة ومجموعة متزايدة من الناشطين البيئيين والأكاديميين الذين يخشون من أن تكون لهذه الخطط آثار مدمرة على الكنوز الأثرية التاريخية التركية التي لا تعوض. وتزداد هذه المخاوف بصفة خاصة إذا ما علمنا أن الحكومة تخطط لإنشاء 1300 محطة توليد كهربائي جديدة، بهدف توفير الطاقة اللازمة للنمو الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، يقر البروفيسور ميرت بلجين، وهو أستاذ متخصص في دراسة سياسات الطاقة بجامعة باهسيسهير بإسطنبول بأن قصر النظر الذي صاحب التخطيط لهذه المشاريع، قد ضاعف الأثر البيئي المترتب عليها. ولكنه يقول في ذات الوقت إن تركيا بحاجة ملحة لزيادة إنتاجها من الطاقة، لا سيما وهي تصارع من أجل تحقيق تطلعها لأن تكون قوة اقتصادية رئيسية خلال العقد القادم. ففي العام الماضي، بلغت تكلفة واردات تركيا من الطاقة نحو 40 مليار دولار، أي ما يقارب نصف العجز الحكومي في التجارة الخارجية. ومن المتوقع لهذه التكلفة أن ترتفع، طالما أن تركيا بحاجة ماسة إلى مضاعفة إنتاجيتها الكهربائية بحلول عام 2020. ويرى "بجلين" أن هناك أهمية كبيرة لأثر تكلفة الطاقة على الميزان التجاري لتركيا، وبالنتيجة فهي تؤثر كذلك على عجز حساب تركيا الجاري، وهو ما يضر كثيراً بالاقتصاد التركي. وأضاف قائلاً إن تقارير كثيرة أكدت احتمال مواجهة تركيا قريباً لنقص حاد في الطاقة الكهربائية قريباً فيما لو عجزت عن تطوير مشاريع البنية التحتية للطاقة، بذات المعدل الذي تعمل فيه على تسريع نمو اقتصادها. وعليه، فإن المتوقع أن تستثمر إدارة المنشآت المائية الحكومية نحو 71.5 مليار دولار في بناء سدود المياه بحلول عام 2030، وهو مبلغ يتجاوز كثيراً ما أنفقته على مشروع جنوب شرق الأناضول الذي ظل يجري العمل فيه منذ مدة طويلة. ويشمل برنامج إدارة المنشآت المائية الحكومية هذا، خططاً تستهدف تطوير الطاقة الهيدروليكية الوطنية بواسطة إنشاء 1300 محطة طاقة جديدة على الأقل. ولكن المشكلة هي أن نسبة 80 في المئة من المحميات الطبيعية التركية باتت مهددة بمثل هذه المشاريع. وهذا ما يهدد نسبة كبيرة جداً من المواقع الأثرية والبيئية في تركيا. فهناك تشريع جديد، أعدت مسودته في شهر سبتمبر الماضي، على أن تقدم وتجاز من قبل البرلمان، نص على إلغاء أكبر شبكة تركية من المحميات الطبيعية، أي أنه يهدد عملياً بإلغاء نسبة 80 في المئة من الأراضي المحمية. كما يسري الإلغاء نفسه على مجموعة من مجالس حماية المواقع الأثرية والبيئية الإقليمية، مع العلم أن هذه المجالس كانت تؤدي في الماضي دوراً رقابياً على الخطط الحكومية المتعلقة ببناء الخزانات وسدود المياه. ومن المتوقع أن تكون كل القرارات ذات الصلة بحماية المواقع البيئية والأثرية الآن بيد أعضاء لجنة يهيمن عليها أعضاء معينون من قبل وزارة البيئة والغابات، وهي الجهة الرئيسية وراء برنامج هندسة التوليد المائي للمياه، الذي يهدد بإغراق نسبة كبيرة من المواقع البيئية والأثرية كما سبق القول. جوناثان لويس كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©