18 يناير 2009 01:21
الحدائق والبساتين هي المكان المناسب للنزهة واللعب والمرح عند الأطفال وما أجملها وأكثرها في بلادنا وخاصة في مدينة أبوظبي، فقد خصص المشرفون على تنظيم هذه العاصمة الحديثة مساحات واسعة وجميلة ما يجعل الجميع ينتظر العطلة الأسبوعية والمدرسية للقيام بزيارة هذه الحدائق، التي أعدت زوايا منها لألعاب الأطفال بحيث يتيح لكل طفل أن يمرح ويركض بحرية ومتعة· وأحياناً نرى بعض الأطفال يركضون وراء طير أطلق في الهواء جناحيه أو فراشة ملونة جميلة ترفرف لتأخذ من عبير الأزهار في الرياض والحقول كما يقول الشاعر أبو ماضي·
لكن الفراشة هنا قبل أن تحط على زهرة في الحديقة وجدتها مرسومة على وجه الطفلة شهيد حبوش بنت السنتين ونصف، وتقول أمها سوزان بأنها تطلب منها أن ترسم لها على وجهها· سألتها: لماذا برأيك وهي ما زالت صغيرة جدا؟ هل يمكن أن يطلب الطفل ذلك في مثل هذه السن أم أن رغبة الأم تقف وراء ذلك؟ قالت سوزان: أولا لأنها بنت، والبنات تهتم بالزينة، ويمكن لأن خالتها كانت تعمل بالمكياج عندما تضع الألوان على وجهها تذهب إلى المرآة وتنظر إلى نفسها بفرح، ولم تمد يدها عليه خوفا من أن يخرب·
وكان لا بد من أن نعرف بعض الآراء في هذه الظاهرة، ظاهرة الرسم على الوجوه· هل هي حب في الألوان أو حب التقليد عند الأطفال وبما يشاهدونه عند الكبار؟ هل تبقى هذه الرسوم مجرد تسلية أم أن لها تأثيرات جانبية ضارة؟ تقول: المدرسة آمال الهندي بأنها لا تفضل أن تضع بنتيها دانا وراما المكياج على وجهيهما لأنها تخاف من تأثيراته، وبدل الرسم على الوجه فإنها تشجع البنات للرسم على الدفاتر لكي تنمي هذه الهواية الفنية في نفوس الصغيرات·
وتقول السيدة ديالا إن ابنتها بتول عمرها أربع سنوات، وهي تهتم كثيرا بالزينة وتطلب من أمها دائما الرسم على وجهها، لكن الأم لا ترغب كثيرا بذلك، ولكنها تضطر أحيانا لتلبية رغبة طفلتها، بينما أختها زهراء وهي أكبر من شقيقتها بأربع سنوات لا ترغب بذلك ولا تميل إلى هذه الرسوم، بل إنها تفضل أن ترسم على الورق، ودائما تتضمن رسوماتها صورة تضم العائلة ـ أنا وأبوها وأختها ـ بينما بتول ترسم نفسها وترسم الشمس وفي آخرها زهرة، وهي أنيقة وتختار ثيابها بنفسها، حتى شكلة الشعر لا ترضى إلا أن تنتقيها عند شرائها·
وليست البنات وحدهن فقط يرغبن في التزين ورسم أشكال مختلفة على وجوههن بل وجدنا الطفل أحمد فاضل يرسم ويقلد ما يرى في البرامج، وكذلك محمد برمدا الذي التقينا بأمه يارا فقالت: ابني عمره أربع سنوات ويحب تقليد Batman (الرجل الخفاش) في كل شيء من الرسم على وجهه إلى التصرف مثل (باتمان) وهو يحب تقليد الكبار وأفلام الكرتون، لذلك أتمنى أن ينتبه المشرفون جيدا عند اختيار هذه البرامج التي تقدم للأطفال·
ورغبة بأن يستكمل التحقيق مختلف الآراء، كان لا بد لنا من التوجه إلى المختصين بالألوان وتأثيراتها· الفنانة هالا قصاب وهي أم لثلاثة أطفال ومدرسة فنون، تقول: رغم وجود الرسم والألوان في البيت ولكن لا أسمح لأطفالي بالرسم على وجوههم إلا في الأعياد وعلى أن تكون الرسوم بعيدة عن العيون، وأن تزال في أقرب وقت ممكن، حتى في المدرسة يكون الرسم في المناسبات الوطنية أو الأعياد بحيث نرسم على اليدين بعض الزهور أو بعض الشعارات الوطنية· والأفضل أن تكون هذه الرسوم بمادة الحناء لأنها من التراث ولا يوجد فيها مواد غير طبيعية· تنهي هالا حديثها بالقول: إن علينا أن نلبي رغبة أطفالنا دون أن تتأثر شخصية الطفل، ولمن يرغب بالزينة والألوان والرسم يمكن تنمية هذه الهواية بطريقة صحيحة·
وجاء رأي الدكتورة سوسن أيضا بضرورة التحذير والرقابة لمثل هذه الهواية، وتقول إنها يمكن أن تلبي رغبة ابنها كابي بوضع الرسمات في الأعياد فقط· وتضيف سوسن رأيها من الناحية الطبية قائلة: مهما كانت نوعية المواد التي توضع للأطفال على وجوههم من النوع الجيد، أقصد مواد مأخوذة من الطبيعة، فلا يجب أن تبقى أكثر من ساعتين· وإن كان الطفل لديه حساسية لا يسمح أبدا بذلك· وإن كان لا بد من تلبية الرغبة عند الأطفال فالشيء المهم أن يكون الرسم بعيدا عن العيون والفم، وخاصة أن الطفل يلحس شفتيه باستمرار· وتشرح لنا الدكتورة سوسن أن إزالة الألوان عن الوجه يجب أن تكون بطريقة المسح وأن تتم بمواد طبيعية أولا ثم يأتي الماء حتى لا يدخل شيء منها إلى العيون وحتى لا تترك أي أثر على البشرة·
وأكد لنا كذلك الصيدلي شريف شحاتة بأن على الأهل المراقبة لهذه الألوان وإن كان لا بد أن يعرفوا بأن كل المواد طبيعية ولا تؤذي البشرة ويجب إزالتها بسرعة وحذر، وإذا كان بإمكان الأهل أن يقنعوا أطفالهم بأشياء أفضل وأسلم، فالواجب التربوي والصحي يقتضي ذلك·
وبما أن الأطفال يحبون الفراشات الملونة، فكم أتمنى أن نقدم لأطفالنا ديوان شعر يتغنى بهذه المخلوقات الجميلة مثل الشاعر أبو ماضي الذي يقول:
قالوا فراشة حقل لا غناء بها
ما أفقر الناس في عيني وأغناكِ!
فالزهر في الحقل أشلاء مبعثرة
والطير؟·· لا طائر إلاّ جناحاكِ
المصدر: أبوظبي