7 يناير 2011 20:18
قال لي في غيظ إن رئيسه في العمل يتكلم عن سيارته- سيارة المدير - التي يبلغ ثمنها سبعين ألفاً، باعتبارها سيارة متواضعة عملية. وأضاف في غيظ أنه لو امتلك سيارة بنصف هذا الثمن لاعتزل العمل وتقاعد.
كنت أعرف رئيسه في العمل، وأعرف أنه ينتمي لطبقة ثرية، لهذا بدا لي كلام الرئيس معقولاً، بالنسبة لطبقته يعتبر هذا الرئيس فقيراً.. وتعتبر هذه السيارة فضيحة متحركة، أو أداة للتسول تشبه الطبق الذي يضعه الشحاذون جوارهم لتضع فيه قرشاً. أما بالنسبة لطبقتي أنا فهذه السيارة فاخرة جداً وغاية المراد من رب العباد.
أعرف واحداً من الطبقة الوسطى ابتاع سيارة متواضعة عتيقة، لكنه كان يشعر بتأنيب الضمير لثرائه كلما قادها، وأصابه وسواس مرعب خوفاً من الحسد.. في النهاية باعها لأنه يخشى أن يفقد بسببها ابناً أو بنتاً.
بالنسبة للطبقة الوسطى التي أنتمي وصاحبي لها أنا رجل مستور.. وبالنسبة للطبقات الأقل مني فأنا ثري ثراء فاحشاً، لكن لو قمت بقياسي على مقياس الطبقات الثرية فعلاً فأنا شديد الفقر..
إذن من حق رئيسه في العمل تماماً أن يعتبر سيارته متواضعة وعملية، لأنه لا يتكلم من مكاننا ولكن من مكان الذين يركبون سيارات بربع مليون ونصف مليون..
إن الطريقة الغريبة التي تترتب بها الطبقات تدهشني دوماً، مثلاً في المدرسة الثانوية كنت تجد مجموعة من الطلبة البارعين اللامعين الذين دخلوا كليات القمة كالطب والهندسة. لكن الأمور لا تنتهي هنا.. سرعان ما يعاد ترتيب هذه الطبقات داخل الكلية، فتجد طلبة الطب مثلاً قد صاروا طبقات عقلية.. منهم العبقري ومتوسط الذكاء والغبي. يصعب على رجل الشارع أن يصدق أن هناك طالب طب غبياً كالدجاجة، لكنها الحقيقة.. لقد صارت هناك مقاييس جديدة.. صار هناك طالب فاشل وطالب غشاش وطالب ميئوس منه..
بعد التخرج يدخل الطلاب امتحان الماجستير فيرتبون أنفسهم من جديد، ثم يدخل الذين نجحوا في الماجستير امتحان الدكتوراه.. يصعب على المرء أن يتخيل أن المتقدمين لامتحان الدكتوراه منهم الغبي الميئوس منه ومنهم العبقري.. إنها الطبقات مرة أخرى..
لهذا عندما أرى علماء الفيزياء الحاصلين على جائزة نوبل مثلاً، لا يصعب علي أن أتخيل أن بينهم عالم فيزياء غبياً.. أو عالم طبيعة نووية بطيء الفهم بالنسبة للآخرين طبعا، لكن هذا هو منطق الأمور.. بالطبع حدث الترتيب الإجباري لهم داخل طبقتهم ككل شيء في العالم.
يمكنك الآن أن تفهم لماذا عندما أرى نادياً لأصحاب الملايين أو سباقاً لليخوت، أتوقع بلا شك أن أحدهم يشعر بخجل بسبب فقـره، ولربما يعاني عقدة نقص مروعة تحتاج إلى الطبيب النفسي.. على كل، لا أمانع أبداً في أن أضحي وآخذ مكان هذا البائس المسكين، كما لا أمانع أن أنال جائزة نوبل في الفيزياء وأنا أقل ذكاء ممن سبقوني، فالتضحيات ملح الحياة فعلاً.