يوسف البستنجي (أبوظبي)
ارتفع سعر الفائدة على التعاملات بين البنوك بالدرهم الإماراتي «الإيبور» لأجل 3 أشهر بنحو 23 نقطة أساس، منذ الأسبوع الأخير في شهر مارس، ليبلغ 2.97% أمس، في حركة للسعر مخالفة لاتجاهات أسعار الفائدة على الآجال الخمسة الأخرى لسعر الإيبور، خلال نفس الفترة، في الوقت الذي دعا فيه خبراء اقتصاديون إلى إيجاد نظام تسعير يحقق توازن المصالح بين العملاء والبنوك ويخدم الاقتصاد الوطني.
ومن المقرر أن يعتمد سعر «الإيبور» لأجل 3 أشهر تحديداً كسعر أساس، لإعادة جدولة قروض المواطنين الذين شملتهم مبادرة «برنامج قروض المواطنين» الصادرة عن المصرف المركزي بالاتفاق مع البنوك بالدولة، في 17 مارس الجاري.
وتظهر البيانات التي يوفرها المصرف المركزي هامش فرق واسعا في الأسعار التي تعرضها البنوك والذي يتجاوز 70 نقطة أساس أحياناً، لنفس الأجل ولنفس التاريخ، ففي حين يعرض بعض البنوك سعراً عند 2.28% لأجل 3 أشهر يعرض بنك آخر في نفس اليوم ولنفس الأجل سعراً يبلغ 3.05%، ما يشير إلى أن هناك بنوكاً ملتزمة بالتخفيض، في حين تسعى بعض البنوك لرفع السعر، علماً أن آلية تحديد سعر «الإيبور» المعتمدة منذ أبريل 2018 تعتمد نظاماً دقيقاً يفترض أنه يبني السعر استناداً إلى العقود المنفذة بين البنوك، وهو ما يطرح تساؤلاً مبرراً حول سبب هامش الفرق الكبير بين الأسعار المعروضة من البنوك.
وتشمل المبادرة 11 ألف حساب مصرفي، وتقدر قيمة القروض الإجمالية المشمولة بها نحو 12.38 مليار درهم.وكانت البنوك وافقت على اعتماد سعر «الإيبور» لأجل 3 أشهر لإعادة جدولة القروض المشمولة، لكن على أن يكون السعر المعتمد هو السعر بتاريخ إعادة جدولة القرض، وهي العملية المفترض أن تبدأ خلال الأسبوعين المقبلين.وكانت أسعار «الإيبور» ارتفعت بأكثر من 120 نقطة أساس منذ مطلع عام 2018 وحتى نهاية الربع الأول من 2019، وذلك تبعاً لارتفاع سعر الفائدة على الدولار الأميركي، بسبب الربط بين العملتين، ما سمح للبنوك بإعادة رفع سعر الفائدة على القروض القديمة القائمة فعلاً، والتي كانت مقدمة للعملاء بسعر الفائدة المتدني السائد في تاريخ تقديم تلك القروض بوقت سابق.
ونتيجة لرفع سعر الفائدة على القروض القائمة، ارتفعت قيمة الاستقطاعات الشهرية من الرواتب ورواتب التقاعد للمقترضين، حتى تجاوزت في الكثير من الأحيان النسبة المسموح بها بنظام القروض الشخصية والمعاملات المالية لعملاء البنوك الأفراد الصادر في شهر مايو 2011، ما دفع المصرف المركزي للتدخل، من أجل التوصل لصيغة تسمح بتخفيف العبء على الموطنين المقترضين، بما يحمي الاستقرار الأسري والاجتماعي لشريحة واسعة من المواطنين بالدولة،
ويسمح للبنوك بالالتزام بالنظام المعمول به، لاسيما أن البنوك تمكنت من تحقيق أرباح قياسية خلال عام 2018 بدعم من ارتفاع أسعار «الإيبور» بشكل أساسي.
سياسات البنوك
وقال أحمد الدرمكي الخبير الاقتصادي: إن رفع سعر الفائدة الأساس «الإيبور» يتأثر بسياسات بعض البنوك، حيث تقوم البنوك المدرجة ضمن قائمة «الإيبور» بتحديد السعر كل على حدة، وفي حال انخفض سعر الفائدة على الدولار يجب أن ينخفض سعر الفائدة على الدرهم وفقاً لآلية الربط بين العملتين، مشيراً إلى أن عدم قيام البنوك بتخفيض السعر يلحق ضرراً بالعملاء، وفي هذه الحالة سيتم إلحاق ضرر بالعملاء المشمولين بمبادرة المصرف المركزي لإعادة جدولة قروض المواطنين، في حين أنه يجب مساعدة هذه الشريحة من المقترضين لحماية استقرارهم الأسري والاجتماعي، وتمكينهم من توفير شروط الحياة الكريمة.
وأضاف: بعض البنوك تستمر في رفع سعر الفائدة بهدف الاستمرار في رفع هامش الربح، لكن هذا الأمر ستقابله تحديات للبنوك ناتجة عن انخفاض الإقراض وعزوف العملاء عن تلك البنوك، بسبب ارتفاع تكلفة التمويل.
ودعا الدرمكي البنوك لإعادة النظر في سياسة تسعير الفائدة «الإيبور» بما يخدم المصلحة الاقتصادية الوطنية العامة.
وقال: من الضروري تشكيل لجنة من البنوك برئاسة المصرف المركزي لإعادة النظر في سياسة تسعير «الإيبور»، بحيث يخضع لضوابط وسياسات واضحة لا تسمح لبعض البنوك بالتجاوز على السوق، لأن المصلحة الاقتصادية الوطنية العليا يجب أن تكون بالمقام الأول.
من جهته، قال أمجد نصر الخبير المصرفي ومستشار التمويل الإسلامي: من الضروري أن تكون هناك آلية دقيقة لتحديد سعر «الإيبور» ودعا لأن تكون آلية تحديد سعر الفائدة في التعاملات بين البنوك التي تستخدم كأساس لتحديد سعر الفائدة أو المرابحة في عمليات الإقراض والتمويل لعملاء البنوك، على درجة من الدقة والواقعية، بحيث تحقق التوازن في المصالح بين العملاء والبنوك بما يخدم تطور القطاع المصرفي بشكل خاص، ويقدم الدعم اللازم لمصلحة الاقتصاد الوطني عامة.
آلية الربط مع الدولار تخفض الفائدة
قال وائل أبومحيسن مدير عام شركة غلوبل لتداول الأسهم والسندات: إن أسعار الفائدة في السوق المحلي تعتمد على سعر «الإيبور» باعتباره سعر الأساس في عمليات التمويل، وهذا السعر ارتفع بشكل كبير خلال العام الماضي، وفقاً لآلية الربط مع الدولار المعمول بها، وهي آلية مهمة ولها الكثير من الإيجابيات التي تصب في خدمة الاقتصاد الوطني، بحسب ما برهنت عليه التجارب خلال السنوات الماضية، لكنه من غير المفهوم ومخالف لمنطق هذه الآلية أن ترتفع أسعار الفائدة على الدرهم عندما ترتفع على الدولار، ثم لا تنخفض أو تستقر عندما تنخفض على الدولار أو تستقر.
وأضاف: إنها الآلية ذاتها التي تؤدي لرفع السعر هي التي تؤدي أيضاً لخفض السعر، ولا يبدو منطقياً أن يرتفع سعر «الإيبور» لأجل 3 أشهر، في حين تنخفض بقية الآجال وفي وقت تنخفض أو تستقر فيه أسعار الفائدة على الدولار لنفس الآجال.
وتلزم معايير وأنظمة المصرف المركزي البنوك، ضمن ما يعرف باختبارات الجهد، أن تبقى البنوك ملتزمة بالمعايير والأنظمة المنصوص عليها في حال ارتفاع أسعار الفائدة على القروض بمعدل يتراوح بين 1% إلى 2%، ولما كانت الفائدة لم ترتفع بأكثر من 2% فإنه من حيث المبدأ، تتحمل البنوك جانباً من المسؤولية فيما يتعلق بتجاوز الاقتطاعات الحد المسموح به من رواتب المقترضين.
ويشار إلى أن أسعار الفائدة على الدرهم بدأت بالتراجع التدريجي تبعاً لحركة أسعار الفائدة على الدولار الأميركي، منذ أن قررت السلطات النقدية في الولايات المتحدة التوقف عن رفع سعر الفائدة على الدولار في شهر مارس 2019، وبناء عليه يفترض أن تقوم البنوك بالدولة بمراجعة أسعار الفائدة على القروض القائمة التي تخضع لنظام أسعار الفائدة المتغيرة، وأن تعود لتخفيض الاقتطاعات من رواتب المقترضين وفقاً لنفس الآلية التي سمحت لها بزيادة الاقتطاعات خلال العام الماضي، وهذا يتوقع أن يظهر في حسابات المقترضين ضمن هذه الفئة عامة «وليس فقط المشمولين بمبادرة المصرف المركزي» اعتباراً من شهر يونيو المقبل.
ومن شأن استمرار الارتفاع في سعر «الإيبور» لأجل 3 أشهر، وهو الأجل الذي تعتمده غالبية البنوك في عمليات تسعير القروض والتسهيلات الائتمانية لعملائها، أن يقلص الخصم أو الإعفاء المفترض أن تمنحه البنوك لعملائها المشمولين بمبادرة المصرف المركزي إلى الحدود الدنيا الممكنة، كما من شأن ذلك أن يحول دون إمكانية تخفيض الاقتطاعات من الرواتب أو تخفيض الأقساط الشهرية للمقترضين الذين تم رفع قيمة أقساطهم الشهرية خلال آلـ 15 شهراً الماضية، وفقاً لآلية سعر الفائدة المتغير المستندة إلى «الإيبور»، حتى وإن كانت تلك الأقساط لم تتجاوز حد الاقتطاع البالغ 50% من الراتب.