6 مارس 2012
تتردد تقارير حول وقوع خروقات انتخابية في الانتخابات الروسية، يوم أول من أمس (الأحد)، التي يبدو أنها قد أعادت بوتين إلى كرسي الرئاسة مجدداً. ولكن يرى معارضوه أن الفوز بهذا السباق تم على مسار صُمم ليمنحه الأفضلية، ضد مجموعة من المنافسين يزعمون أنها قد اختيرت وجُمعت لضمان عدم وقوع أية مفاجآت، وهو فوز قد يُثبت أنه الجزء السهل بالنسبة لبوتين.
وتحدي بوتين الأول قد يكون الآن إقناع البلاد بأنه فاز فعلاً بالرئاسة بطريقة شرعية. ذلك أنه بعد غضب عام وواسع بسبب تقارير تحدثت عن وقوع عمليات غش وتزوير في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الرابع من ديسمبر الماضي، تقاطر ما يصل إلى 50 ألف مراقب على مكاتب الاقتراع عبر البلاد -وهي ظاهرة جديدة بالنسبة لروسيا. كما بدأت تظهر منذ الآن تقارير حول ما يسمى بـ"التصويت الدوار"، حيث يتم نقل الناخبين بواسطة حافلات إلى عدة مكاتب اقتراع من أجل التصويت أكثر من مرة.
وحتى وقت قريب، كان يبدو أن معظم الروس يقبلون عموماً النتائج شبه المقررة سلفاً لـ"الديمقراطية المسيَّرة" التي يتبناها بوتين. فخلال ولايته السابقة كرئيس، نجح فعلاً في جلب الاستقرار للمجتمع الروسي، وتنمية الاقتصاد إلى حد كبير بفضل ارتفاع أسعار النفط، الذي يعد العمود الفقري للصادرات الروسية، وكذلك نجح في استعادة نوع من الشعور بالفخر والاعتزاز الوطني. وقبل الروس الحدودَ التي فرضت على حرية التعبير والاختيار السياسي باعتبارها ثمن الرخاء النسبي والحريات الشخصية. غير أنه يبدو أن ذلك القبول قد ولى الآن. فهذه المرة، يواجه بوتين صحوة ملحوظة للناخبين الروس الذين يخرج عشرات الآلاف منهم إلى الشوارع بشكل متكرر منذ ديسمبر الماضي للاحتجاج على ما يقول إنه تلاعب من النظام، وضد الطيف المحدود جدّاً من الاختيارات المتاحة، وإصرار بوتين على العودة لولاية رئاسية ثالثة بعد فترة قضاها كرئيس للوزراء.
والراهن أن بوتين لم يعد باستطاعته التعويل على معدلات التأييد الشعبي المرتفعة التي سمحت له بتحقيق نصر وإعادة الانتخاب في 2004 بنسبة 71 في المئة من الأصوات وتأمين 70 في المئة من الأصوات لصديقه ووارث سره ميدفيديف في 2008. غير أنه حسب استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" المستقل في موسكو ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي، فإن معدل التأييد الشعبي لبوتين انخفض من 85 في المئة في منتصف 2008 إلى نحو 65 في المئة في فبراير الماضي. وتوقع الاستطلاع أصلاً أن يفوز بوتين بشكل مريح يوم الأحد بأكثر من 60 في المئة من الأصوات.
وفي الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية شهدت بعض التطورات الغريبة التي تشير إلى أن فريق بوتين ربما لا يثق بشكل كامل في توقعات منظمي استطلاعات الرأي. ففي هذا الأسبوع، أعلنت الأجهزة الأمنية الروسية، وسط صخب إعلامي كبير، عن إحباط مخطط لاغتيال بوتين من قبل إرهابيين شيشان بعد الانتخاب، وهو ادعاء سخر منه المنتقدون ووصفوه بأنه حيلة انتخابية يائسة.
ثم، قبل عملية التصويت بأيام، زعم بوتين نفسُه أن قوى المعارضة تخطط لقتل واحد من زعمائها وتحميل الكريملن مسؤولية ذلك من أجل عرقلة انتصاره الانتخابي المتوقع. وقال بوتين في هذا الإطار: "إنهم يبحثون بين أشخاص مشهورين عن ضحية ليضحوا بها"، مضيفاً "أنا آسف لقول هذا، ولكن يمكنهم قتل أحد ثم إلقاء اللوم على السلطات".
وفي هذه الأثناء، يقول زعماء المعارضة إنه من الصعب قياس مزاج البلاد، ولكن ثمة شعوراً قويّاً بزخم متزايد ضد بوتين. وفي هذا السياق، يقول إليا بونوماريوف، النائب في "الدوما" من حزب "روسيا عادلة" وأحد زعماء التجمعات المناهضة للتزوير الانتخابي: "في الانتخابات السابقة، كانت معدلات بوتين دائماً مرتفعة بما يكفي بحيث يستطيع أن يكون واثقاً بأنه سيفوز بشكل نزيه. وإذا كانت ثمة أعمال غش وتزوير في الماضي -وأعتقد أنها وقعت- فلم يكن أحد ليقول بشكل جدي إنها غيَّرت النتيجة الأساسية. أما اليوم، فإن الصورة مختلفة جداً".
وأضاف هذا النائب في "الدوما" يقول: "هناك شك كبير بشأن ما إن كان بوتين يستطيع الفوز بشكل نزيه هذه المرة حيث تظهر بعض استطلاعات الرأي أن الدعم الحقيقي له بين الجمهور قد انخفض إلى 35 في المئة أو أقل. ولذلك، فإنه سيحتاج إلى عمليات تزوير كبيرة من أجل تحقيق الفوز، والماكينة بدأت تعمل منذ الآن في اتجاه تحقيق تلك النتيجة. غير أنه حتى إذا فاز، فإنه سيكون على طريق تصادمي مع الجمهور الذي يزداد استياؤه بسبب التلاعب به من قبل النظام مع مرور كل يوم".
ومن جانبه، يقول المدون الإلكتروني المناهض للفساد أليكسي نافالني، الذي ينظر إليه على نطاق واسع كمنافس رئاسي لمرحلة ما بعد بوتين، إن العديد من زعماء المعارضة سيرفضون بكل بساطة الاعتراف بفوز بوتين المتوقع. وفي هذا الإطار، قال نافالني الأسبوع الماضي في مقابلة مع مارجريت وارنر من شبكة "بي بي إس": "إننا واثقون بأن بوتين سيعلن نفسه رئيساً لروسيا في الخامس من مارس. بل إنه قد يصف نفسه بقيصر أو إمبراطور"، مضيفاً: "ولكننا لن نقبل بهذا وسنستمر في المطالبة بإصلاحات سياسية، وانتخابات برلمانية جديدة في غضون عام، وانتخابات رئاسية جديدة في غضون عامين!".
فريد وير - موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»