شادي صلاح الدين (لندن)
يثير الأسترالي جوليان أسانج جدلاً كبيراً داخل بريطانيا، مع تسليط وسائل الإعلام أضواءها على الحي الشهير بوسط العاصمة البريطانية لندن «نايتس بريدج»، حيث تقبع سفارة الإكوادور خلف متجر «هارودز» والتي استضافت اللاجئ السياسي الأسترالي منذ سبع سنوات.
وبعد سبعة أعوام كاملة من لجوئه إلى السفارة الإكوادورية في لندن، قرر الرئيس الإكوادوري لينين مورينو سحب حق اللجوء من أسانج، متهماً إياه بالسلوك غير السليم والتدخل في شؤون الدول الأخرى والتجسس. وتواجد أسانج في مكتب صغير تم تحويله إلى غرفة نوم في سفارة الإكوادور، حيث عاش مع قطته «جيمس». وخلال فترة وجوده هناك، استقبل مؤسس ويكيليكس والصحفي والمبرمج الأسترالي البالغ من العمر 47 عاماً العديد من المشاهير، ومن ضمنهم «ليدي جاجا» و«باميلا أندرسون»، ومن شرفة صغيرة، خاطب المؤيدين وعقد مؤتمرات صحفية.
لكن العلاقة بين أسانج والإكوادور تبدلت مع تولي حكومة جديدة إدارة البلاد، بعدما تولى مورينو الرئاسة خلفا لكوريا عام 2017. وظهر ذلك جلياً منذ العام الماضي عندما تم منح أسانج مجموعة جديدة من القواعد، التي يجب أن يتقيد بها خلال وجوده بالسفارة، بما في ذلك دفع مقابل استخدام الإنترنت والطعام والغسيل، ورعاية قطته والحفاظ على نظافة حمامه.
وأخرج أسانج من السفارة بالقوة، صباح أمس الأول، برفقة ستة رجال شرطة بلباس مدني نقلوه إلى سيارة مصفحة، وقد غطى الشيب شعره ولحيته وبدا عليه التقدم في السن. وأمكن سماع أسانج في الفيديو لدى نقله من السفارة إلى سيارة الشرطة وهو يردد عبارة «على المملكة المتحدة أن تقاوم!».
ومع دخول قوات الشرطة البريطانية إلى مقر السفارة لإلقاء القبض عليه، تساءل الجميع، هل سيتم محاكمة أسانج في بريطانيا أم سيتم تسليمه إلى استوكهولم، حيث توجه له السلطات السويدية اتهامات بالاغتصاب، أم سيتم ترحيله إلى الولايات المتحدة.
وتشدد الحكومة البريطانية على موقفها بأن أسانج خاضع للقانون مثله مثل أي شخص آخر.
وتتهم الولايات المتحدة أسانج بمساعدة تشيلسي مانينج، وهي محللة سابقة للمخابرات الأميركية، في كسر كلمة المرور، التي ساعدتها على التسلل إلى أجهزة كمبيوتر البنتاجون «وزارة الدفاع». ويعود الأمر إلى عام 2010 عندما حملت الجندية الأميركية تشيلسي ماننينج مئات الآلاف من الملفات السرية التي تتصل بالحرب الأميركية في العراق وأفغانستان وبرقيات وزارة الخارجية الأميركية والسجناء في جونتانامو، حيث كانت مساعدة أسانج لها حاسمة في فك رموز كلمة السر والوصول إلى شبكة كومبيوتر «البنتاجون».
ورغم الصخب السياسي، الذي حاولت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي إحداثه في مجلس العموم وإشادتها بإلقاء القبض عليه والدعم الذي تلقته من جانب العديد من الوزراء، إلا أن زعيم المعارضة، جريمي كوربين عارض تسليمه إلى الولايات المتحدة بشدة، قائلاً عبر «تويتر» إن على بريطانيا أن تعارض أي محاولات من جانب الولايات المتحدة لتسليم مؤسس ويكيليكس. وأضاف: «لا ينبغي إرساله إلى أميركا لفضح أدلة على ارتكاب أعمال وحشية في العراق وأفغانستان».
بدورها، دافعت وزيرة داخلية حكومة الظل العمالية ديان أبوت عن أسانج، قائلة إنه يتواجد في الموقف الحالي بسبب أنه فضح ممارسات الولايات المتحدة، وهذا هو السبب في أنه يواجه عملية التسليم إلى الولايات المتحدة، مطالبة رئيسة الوزراء بالتدخل ومنع تسليمه إلى الولايات المتحدة مثلما حدث في قضية المقرصن الإلكتروني جاري ماكينون. كانت ماي أثناء توليها حقبة وزارة الداخلية البريطانية قد أوقفت عملية تسليم ماكينون على أساس «حقوق الإنسان»، حيث حذر الأطباء بأن الرجل قد ينتحر إذا واجه المحاكمة في الولايات المتحدة.
ومثل أسانج، ظهر أول أمس، أمام محكمة وستمنستر في لندن ملوحاً للصحفيين ورافعا إبهامه. وقد اعتبر القاضي مايكل سنو أن أسانج «نرجسي غير قادر على رؤية ما هو أبعد من مصلحته الشخصية»، وقد أعلن أنه مذنب بخرق شروط إخلاء سبيله المؤقت. وسيتم إصدار الحكم بحقه في وقت لاحق لم يحدد. ويواجه أسانج السجن لمدة 12 شهرا في سجن بريطاني بعد إدانته بخرق شروط إخلاء سبيله المؤقت.
ويؤكد معظم المحللين أن مصير أسانج لن يكون في لندن، بل إما الترحيل إلى السويد، والتي سترحله بدورها إلى الولايات المتحدة، أو الترحيل المباشر إلى أمريكا، حيث يواجه تهمة التآمر لاقتحام جهاز كمبيوتر حكومي سري يمكن أن يجلب، عند إدانته، عقوبة السجن القصوى لمدة خمس سنوات، وفقا لوزارة العدل الأميركية.
ويقول زملاء أسانج في ويكيليكس وأصدقاؤه وكذا محللون سياسيون وصحفيون إنهم يخشون أن يواجه عقوداً خلف القضبان أو حتى عقوبة الإعدام إذا تم تسليمه إلى الولايات المتحدة.
وأعرب كريستين هرافنسون رئيس تحرير ويكيليكس عن قلقه من احتمال وجود تهم أكثر خطورة تنتظر أسانج. وقال «نعتقد أن لائحة الاتهام المقدمة في طلب التسليم ليست سوى جزء من القصة - أنه سيكون هناك المزيد في وقت لاحق، سيتم إضافته، المزيد من الاتهامات. من المحتمل أن تزيد من احتمال تسليمه من المملكة المتحدة. وتابع «إن تحقيق هيئة المحلفين الكبرى ستضم التهم، التي قد تؤدي إلى عقود من السجن أو حتى عقوبة الإعدام بموجب قانون التجسس لعام 1917».
من جانبه، قال الكاتب أوين جونز في مقاله بصحيفة «الجارديان» «إن تسليم مؤسس «ويكيليكس» يمثل محاولة من جانب الولايات المتحدة لإرهاب أي شخص يكشف جرائمها». وقال في مقاله إن الدول التي ترتكب جرائم على أراض أجنبية تعتمد على عدم علم المواطنين والعامة بها ومحاولة معاقبة أي شخص يكشف ذلك الأمر، وهذا كل ما تدور حوله قضية أسانج.
يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، علق على قضية القبض على أسانج قائلاً: «لا أعلم شيئا عن ويكيليكس. هذا ليس من شأني».