القاهرة - حمدي أبوجليل:
'عاشق الحي' هي الرواية الخامسة للكاتب المصري يوسف أبورية، المولود عام 1955 وبدأ الكتابة في السبعينات وأصدر قبلها روايات 'عطش الصبار' و'تل الهوى' و'الجزيرة البيضاء' و'ليلة عرس'، كما أصدر ست مجموعات قصصية أولها 'الضحى العالي' وآخرها 'شتاء العري'، ولكن 'عاشق الحي' تبدو وكأنها تسعى لعالم مختلف وجديد سواء بالنسبة لتجربته او بالنسبة لواقع الرواية المصرية في الفترة الحالية·
أبو رية من الكُتاب الذين انتقلوا للقاهرة في شبابهم، واعماله السابقة، انطلقت من تجارب واقعية حية وملموسة، وانشغلت بهوامش المدن الريفية وخصوصا في دلتا مصر، وتحديدا في مدينة 'ههيا' التابعة لمحافظة الشرقية حيث مسقط رأس أبورية· و'عاشق الحي' تنطلق من الاسطورة، وتمزجها بالواقع، وكان أبو رية في اعماله السابقة ينطلق من الواقع، وفي هذه الرواية ينطلق من الاسطورة ويبدأ بحادثة اختطاف أسطورية، زوجة تختفي من زوجها مع قط خرافي، وفيها يستلهم اسطورة 'بس' أو'القط' الذي مجده الفراعنة، وتلك الاسطورة ظهرت، في شرق الدلتا، وأبو رية الذي ينتمي لنفس المنطقة حاول كشف تأثيرها على الناس في اللحظة الراهنة، وشخصيات روايته واقعية، وفيها اجزاء من سيرته الذاتية ككاتب يعيش في مصر بينما زوجته تعيش او تعمل في السعودية، لكنها تتحرك تحت تأثير الاسطورة الفرعونية·
الرواية صدرت مؤخرا عن دار الهلال، وتتميز بلغة سلسة فكهه احيانا وشجية احيانا أخرى، وأحداثها تسير في خطين متوازيين، خط الواقع الذي يركز على جوانب من حياة أديب يحاول كتابة رواية ويتبادل مرارة الغربة والفقد مع زوجته المحبوبة التي تعيش بعيدا عنه، وخط أسطوري، حول اسطورة 'بس' اوالقط التي انتقلت في الرواية من القط المقدس الى القط العاشق، وتتبع تأثيرها على الشخصيات الواقعية استلزم من ابو رية جهدا كبيرا في التنقيب عبر التاريخ المصري القديم ليصل الى البداية، اوالنقلة الكبرى من القط المقدس الى القط العاشق·
الواقعية السحرية
وحظيت رواية 'عاشق الحي' باحتفاء عدد من المثقفين المصريين، ونوقشت مؤخرا بورشة الزيتون الابداعية بالقاهرة في ندوة تحدث فيها الناقد د· حامد ابواحمد -عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الازهر والناقد د· سيد قطب- استاذ اللغة العربية بجامعة عين شمس وعقب عليها الروائي فتحي امبابي·
د· حامد أبوأحمد قدم دراسة طويلة ربط فيها بين 'عاشق الحي' وأدب الواقعية السحرية الذي درسه وتخصص فيه، مؤكدا ان يوسف أبورية يمتلك خصوصية من نوع فريد، تنبع من المكان الذي ولد فيه في مدينة ههيا وما يتبعها من قرى وروايته تقوم على الغياب والفقد، وهي مقسمة في جزئين، الاول 'غياب في التراب' والثاني 'غياب في الرمل '، وكلا الغيابين مختلف عن الاخر في التناول والرؤية والسرد والتقنية، لكنهما داخلان في سياق واحد، الغياب في التراب فيه انتقال من دار الدنيا الى الدار الآخرة،والغياب في الرمل فيه انتقال من وطن الى وطن آخر، والفقد هوالاساس في الغيابين، وكل ما ينتج عنه يمثل حالة من البعاد تترتب عليها نتائج واحداث·
وقال ان القسم الاول في الرواية ينتمي للواقعية السحرية، مزج الواقع بالاسطورة، وهو اتجاه سائد في الادب العالمي الان خصوصا في اميركا اللاتينية وأبرز كتابه الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز، وأهم تجلياته في الرواية الاهتمام بالجملة الاولى التي تعتبر مفتاح الرواية كما قال ماركيز ومنذ الجملة الاولى يدخلنا أبورية عالما اسطوريا والرواية تبدأ هكذا: كان دسوقي بدران يجلس على المائدة لتناول الغداء مع زوجته سميرة ودخل قط أسود غريب، لم يكن ابدا من القطط التي تتردد على شقتهما، وقفز على المائدة برشاقة، وراح يحدق في العينين المكحولتين للمرأة الشابة، وانتبه الزوج لهذا التحديق الدائم، فقال له مستنكرا 'إيه·· عجباك ؟؟ خدها' فاختفت المرأة في الحال وتلاشى القط'·
واضاف: هذه الجملة التي تدلل على حسن الاستهلال تفرعت كل احداث الرواية، فمنها تبدأ رحلة البحث عن الزوجة المفقودة وعن هوية القط الاسود الذي خطفها ومأزق الراوي الذي يعاني الوحدة والفقد، ودارت الاحداث في أجواء سحرية بعمل روائي عرف المؤلف كيف يبنيه بناء محكما، وبما ان دسوقي، بطل الرواية يؤمن ايمانا جازما بالخرافة، ويمثل شريحة واسعة في المجتمع، فلابد ان يكون صديقه في الرواية مؤمنا بالعلم، وتقابلهما ينتج ثنائية بين الواقع الارضي والواقع السحري تعمل على تعميق أحداث الرواية وتمنحها ابعادا دلالية واسعة·
' ثلاثية'
وقدم الناقد د· سيد قطب دراسة مطولة بعنوان 'عاشق الحي ثلاثية هندسية للدراما الروائية'، وصف فيها الرواية بانها نص ثري، فيه متعة الحكي الحيوي النابض بالصراع والتطور والمفاجآت على غرار ما يحث في روايات المغامرات، كما يجاور الاعمال التي سارت على درب الواقعية السحرية واستلهام الفانتازيا والشعبيات، ويعتمد على تعدد الروايات التي تمثل اختلاف وجوه الحقيقة واتساع المساحة المرئية في العالم وغير المرئية في الوعي الفردي والجمعي، كما تطرح الرواية معالجة لموضوعات شديدة الاهمية من بينها غياب مسؤولية الرجل بأبعادها العاطفية والاجتماعية والاقتصادية وتفكك الروابط الاسرية وعلاقة الواقع بالحلم والتاريخ والاسطورة·
وقال ان الرواية مقسمة الى ثلاث وحدات درامية، الاولى تتأسس على الصراع بين 'دسوقي' مدرس اللغة العربية والقط الاسود الذي حلت فيه روح غريمه 'صلاح' الذي كان يتقرب من زوجته قبل زواجهما ولم يستطع دسوقي الارتباط بزوجته سميرة الا بعد ان ازاح الموت ذلك الغريم من طريقه، وفي هذه الوحدة تعود روح الغريم صلاح في القط وتأخذ سميرة ويبدأ الزوج مغامرات البحث عنها حتى ينهار، وفيها يستلهم الكاتب التاريخ الفرعوني خصوصا اسطورة 'بس' اوالقط، وفي آخرها ندرك ان ماحدث لم يكن سوى كابوس عايشه الزوج في الوهم، فالبنية دائرية، والزمن يكاد يكون متوقفا، والحدث يبدا بعد عودة الزوج من صلاة الجمعة وينتهي ويتكرر بعد عودته من صلاة الجمعة كل أسبوع·
واوضح ان الوحدة الدرامية الثانية تقوم على سفر المرأة / الزوجة للعمل في احدى المؤسسات الخليجية، ويظل الزوج الاديب في القاهرة، وفعل الاستلاب فيها يقع ايضا مثل الجزء الاول في الرواية على العلاقة الزوجية، كما انها معنونة 'باغتراب الرمال' الذي يماثل اغتراب الاشباح في الوحدة الاولى، وفيها يتخاذل الرجل ويصبح مفعولا به وتتحول علاقته الحيوية بالمرأة الى علاقة لغوية، رحلة في المجاز والمعاني، فهو يحاول كتابة قصة عن قط يختطف امرأة من زوجها السلبي، وهنا يحدث الربط بين وحدتي الرواية، وهو ربط شكلي ودلالي معا·
وفي الوحدة الدرامية الثالثة تتحد الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية، دسوقي الذي يعيش في احدى القرى ويبحث عن زوجته التي اختطفها القط والاديب الذي يعيش في القاهرة ويعاني فقد زوجته التي تعمل بالخارج، وتنتهي الرواية بان يقتل الزوج اوهامه، القط الاسود المخيف، ويدخل الى المرأة المنتظرة التي عادت من رحلة الاغتراب سواء كانت اسطورية مع القط او واقعية في الخارج·
وبدأ الروائي فتحي امبابي مستفزا من تفسيرات الناقدين د· أبواحمد ود· قطب وقال: لم افهم وصف الرواية بالواقعية السحرية والاعمال التي توصف بالواقعية السحرية تقدم رحلة في الوعي، مثلا في احدى قصص الف ليلة وليلة التي خرج فيها الجني العملاق ومعه صندوق داخله امرأة امام الملك شهريار كان الغرض منها اثبات ان المرأة رغم سجنها في الصندوق كانت تتحكم في الجني العملاق وتتمتع بحرية أعظم منه وهذا هوالوعي البشري، ورواية ماركيز الشهيرة 'مئة عام من العزلة ' تنطلق من رحلة طويلة للوعي البشري، بينما رواية ابورية عبارة عن ثلاث قصص غير مترابطة وتفتقد الهدف الكلي، في النص الاول اراد الكاتب استخدام الواقعية السحرية ولكنه انتهى بسرد حكايات عامة لا هدف لها اورابط، وفي باقي الرواية وخصوصا في الجزء الثاني استجاب للاتجاه السائد في الرواية الان لدى شباب الكتاب، خصوصا في سيطرة الراوي كصوت اساسي في النص والاعتماد على السيرة الذاتية البسيطة الواقعية جدا، ولا توجد جسور بين نصها الاول والثاني، كما ان الرواية بشكل عام تفتقر للهارموني وتستجيب للتقنيات الروائية السائدة اكثر ما مما سعى لطرح رؤية اصيلة ومختلفة، فضلا عن انها تفتقد الكليات، للرؤية الفلسفية، ووظيفة الادب في النهاية بحث عن كليات، وهي مجرد ثلاث قصص لا رابط بينها اوهدف·