على رغم تسلّم الجيش السوداني للسلطة وعزل عُمر البشير و"القبض عليه في مكان آمن"، لا يزال الشارع السوداني في حراك مستمر رافضاً تسلّم المجلس العسكري الانتقالي السلطة، وداعياً إلى مواصلة الاعتصام، في وقت أعرب الاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية عن اعتقادهما بضرورة نقل السلطة "سريعاً" إلى المدنيين، بالتزامن مع تعليق الأخيرة المحادثات مع السودان.
ولفت بيان نشره "تجمع المهنيين السودانيين" وهو أبرز جهة منظمة للاحتجاجات، مساء أمس على حسابه في "تويتر" إلى أن " الانصياع إلى قرار حظر التجوال، الذي أعلنه وزير الدفاع عوض بن عوف أمس الخميس، هو اعتراف بحكومة الإنقاذ المستنسخة"، مؤكداً أن "الثورة مستمرة واعتصام الثوار البواسل أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة لن ينفض حتى تحقيق أهداف وتطلعات ثورتنا المشروعة بتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية وفقاً لإعلان الحرية والتغيير الذي توافقت عليه جماهير".
وأضاف "ستكون صلاة الجمعة اليوم الساعة الواحدة بالتوقيت المحلي في ساحة الاعتصام بالقيادة العامة للقوات المسلحة، ثم تليها صلاة الغائب على أرواح ضحايا الحراك السلمي".
وناشد البيان "كلّ سكان العاصمة القومية والمناطق القريبة منها للمشاركة في الاعتصام وأداء الصلاة من ساحة الاعتصام"، داعياً "كلّ المواطنيين في قرى ومدن الأقاليم إلى تسيير المواكب باكراً لمقار وحدات قوات شعبنا المسلحة المختلفة، والاعتصام وأداء صلاة الجمعة وصلاة الغائب في ساحات اعتصاماتهم".
وأكد التجمع أن "النظام الإنقلابي المُستنسخ يحاول عبر أذرعه المختلفة، إشاعة أكاذيب عن فض الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة بكافة الطرق وإرسال رسائل تهديدية مبطنة للثوار، مشدداً على أن "الاعتصام قائم لكل مواطني العاصمة القومية والمناطق المجاورة".
وعلى رغم حظر التجول الذي أقرّه المجلس العسكري أمس، واصل آلاف المتظاهرين السودانيّين اعتصامهم أمام مقرّ القيادة العامّة للجيش في الخرطوم مساء الخميس، بحسب ما أفاد شهود عيان.
وعلى وقع هتاف "سلام، عدالة، حرية"، استهلّ المتظاهرون اعتصامهم للّيلة السّادسة على التّوالي أمام مقرّ الجيش الذي كان دعاهم قبيل ساعات من ذلك إلى التزام حظر التجوّل الذي بدأ في العاشرة ليلاً ويستمرّ لغاية الرّابعة فجراً.
وأعلن التلفزيون السّوداني الرّسمي أنّ وزير الدّفاع عوض بن عوف أدّى مساء الخميس القسَم "رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي" الذي شكّله الجيش إثر عزله البشير بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات الشعبيّة ضدّ حكمه، في حين أدى الفريق كمال عبد المعروف القسم نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي". وعرض التلفزيون لقطات للجنرالين وهما يؤدّيان القسم.
وفي سياق متصل، أعلن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان حميدتي، انحيازه للشارع السوداني في مطالبه بنقل السلطة لحكومة انتقالية مدنية.
وقال حميدتي في تعميم صحفي أصدره في ساعة مبكرة من صباح اليوم الجمعة، إن "قواته ترفض أيّ حلول لا ترضي الشعب السوداني، وطالب قيادة تجمع السودانيين المهنيين ورؤساء الأحزاب المختلفة وقادة الشباب، بفتح باب الحوار والتفاوض للوصول لحلول ترضي الشارع السوداني، وتجنّب البلاد الانزلاق نحو الفوضى".
اقرأ أيضاً: مشهد ضبابي
إلى ذلك، أعلنت "لجنة أطباء السودان المركزية" مقتل ثلاثة عشر شخصاً وسط المتظاهرين أمس الخميس، بينهم اثنان لقيا حتفهما بمقر القيادة العامة للجيش السوداني وسط الخرطوم، حيث يعتصم مئات الآلاف من المتظاهرين للمطالبة بحكومة انتقالية مدنية.
وقالت لجنة الأطباء في بيان لها، إن "13 متظاهراً لقوا حتفهم برصاص القوات النظامية والمليشيات التابعة لحزب المؤتمر الوطني، بينهم ثمانية قتلى بمدينة زالنجي بولاية وسط دارفور، وقتيلان بمدينة ودمدني بولاية الجزيرة، بجانب قتيل بمدينة عطبرة بولاية نهر النيل".
وأكدت اللجنة ارتفاع عدد القتلى خلال الأيام الستة الماضية إلى 35 قتيلاً إلى جانب مئات الجرحى.
وفي الإطار الدولي، علّقت الولايات المتحدة أمس، المحادثات مع السودان بشأن تطبيع العلاقات بين البلدين، وأكدت أنها تدعم الديموقراطية والسلام في السودان، وتعتقد أنه "القترة الانتقالية المتاحة للشعب السوداني يجب أن تكون أقلّ من عامين".
وقال روبرت بالادينو المتحدث باسم الوزارة في مؤتمر صحفي: "ينبغي أن يقرر الشعب السوداني من يقوده في مستقبله"، مضيفاً أن "الشعب السوداني كان واضحاً في أنه يطالب بعملية انتقالية بقيادة مدنية. ينبغي السماح له بذلك في فترة أقل من عامين من الآن".
كانت بمحادثات المرحلة الثانية بين الولايات المتحدة والسودان قد بدأت بعدما تحركت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لرفع حظر تجاري استمر 20 عاماً على الخرطوم، اعترافاً من واشنطن بالدعم السوداني في محاربة تنظيم "داعش"، والتحسّن في سجل البلاد في حقوق الإنسان.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان في عام 1997 وشملت حظراً تجارياً وتجميد الأصول الحكومية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ومخاوف تتعلق بالإرهاب.
ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تدعم تقديم البشير إلى المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، قال بالادينو "نعتقد أن ضحايا دارفور يستحقون العدالة، وأن المحاسبة ضرورية لتحقيق سلام دائم في دارفور".
كما دعت الخارجية الأميركية الموظفين "غير الأساسيين" إلى مغادرة السودان، لافتة في إشعار بشأن السفر: "لا تسافروا إلى السودان بسبب الجريمة والإرهاب والاضطرابات المدنية والخطف والصراع المسلح".
اقرأ أيضاً: 4 أسئلة بشأن الرئيس السوداني المخلوع والمحكمة الجنائية الدولية
واضافت الخارجية الأميركية أن "هناك حالة طوارئ وطنية في أنحاء السودان، ما يمنح قوات الأمن صلاحيات كبيرة بالاعتقال والسجن"، لافتة إلى أن قوات الأمن "عززت سلطة احتجاز وإلقاء القبض على أي شخص تعتبره يقوّض النظام العام".
من جهة أخرى، دعت وزيرة خارجية الاتّحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني مساء الخميس الجيش السوداني إلى نقل السلطة "سريعاً" إلى المدنيين، منوّهةً برغبة الشعب السوداني في التغيير.
وقالت موغيريني في بيان "وحدها عملية سياسية موثوق بها وشاملة بإمكانها أن تلبّي تطلّعات الشعب السوداني وأن تؤدي إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يحتاج إليها البلد".
وأضافت "لا يمكن تحقيق ذلك إلاّ من خلال تسليم السلطة سريعاً لحكومة انتقالية مدنيّة. في هذه العملية، يجب على الجميع ممارسة الهدوء وأقصى درجات ضبط النفس".
اقرأ أيضاً: الجيش السوداني يعلن "عزل" البشير.. والمعارضة لـ"الاتحاد": نرفض إعادة إنتاج نظامه