ينادي بعض الناس بالتفاؤل واعتبار المستقبل مشرقاً بغض النظر عن الظروف الحالية، وينادي الآخرون بالتحلي بقدر أكبر من الموضوعية والقدرة على تقييم المستقبل بناء على المعطيات الحالية.. فما هي وجهة النظر الأقرب للصواب والأكثر فائدة؟
العجز المكتسب
في تجارب عالم النفس الشهير مارتن سليجمان عن التشاؤم، وضع كلاباً في أقفاص وعرّض أرضيتها لشحنة كهربائية.. وكي يهرب الكلب من هذا الإحساس المزعج عليه القفز والخروج من القفص. لكن، حين جعل سليجمان الهرب من القفص مستحيلاً، حاول الكلب الهرب عدة مرات دون جدوى.. ومع الوقت وتكرار المحاولات، وصل الكلب لحالة من التشاؤم، اسمها العلمي «العجز المكتسب».. أي أن الكلب اكتسب الشعور بالعجز واليأس، ولم يعد يسعى أصلاً لتجنب الشحنة الكهربائية، حتى حين أصبح الهرب من القفص ممكناً ومتاحاً بقفزة بسيطة!
هذا النوع من التشاؤم مرتبط بشعور الناس بالاكتئاب. حين تتكرر إحباطات المرء، قد يكتسب شعوراً بالعجز وانعدام جدوى المحاولة، فلا يسعى لتحسين أحواله ويستسلم تماماً لمعاناته. أي أن العقلية التشاؤمية هذه مضرة للصحة النفسية على المدى البعيد.
التفاؤل المكتسب
كثف سليجمان بعد ذلك دراساته حول موضوع آخر يقاوم هذه الحالة، أسماه «التفاؤل المكتسب». وهي مهارة ذهنية يعتقد أنها تحسن من صحتنا النفسية وتقاوم الاكتئاب.
حين يعاني الإنسان من جراء صعوبات يواجهها في حياته، فإن شعوره بالتفاؤل هو ما يجعله يقاوم ويحاول الخروج مما فيه.. اليأس التام يعني الشعور بالعجز، ومن ثم عدم المحاولة، فتستمر المعاناة دون أي مقاومة.
الإنسان المتفائل الذي يتمتع بقدر كبير من الأمل يكون أكثر مثابرة، نظراً لوجود هدف مستقبلي يعتقد أنه قابل للتحقيق وأنه قادر على ذلك، فيكون سعيه نحو هذا الهدف أكبر. ويتحقق هذا بالتفكير بطريقة مختلفة، فلا ينظر لمشكلته الحالية كمشكلة دائمة أو أنها تملأ حياته، بل يراها مجرد عقبة محدودة يمكن تجاوزها.
حدود التفاؤل
التفاؤل الذي نتحدث عنه هنا، مبني على عوامل لها علاقة بالشخص نفسه إلى حد كبير. فتحلي الإنسان بالأمل لا يعني فقط اعتقاده بأن المستقبل سيكون جيداً، بل أيضاً باعتقاده أنه قادر على تحقيق هذا الهدف. أي أن الأمل هنا مرتبط بالشعور بالكفاءة الذاتية وبذل مجهود من الشخص نفسه لتحقيق هدف محدود يعرف الطريق إليه. لذلك، قد لا يعتبر التفاؤل شيئاً عملياً في حالات كثيرة. كالشخص الذي يضيع ماله في شراء تذاكر اللوتاري، ويظل متفائلاً أن يربح! التفاؤل هنا غير مفيد لأنه لا يتعلق بكفاءة المرء أو بهدف يمكن بذل مجهود واضح لبلوغه.
فوائد التشاؤم
هناك حالة أخرى يصفها علماء النفس، اسمها «التشاؤم الدفاعي». حين يخرج الشخص من مقابلة التوظيف -مثلاً- فيتوقع ألا ينال الوظيفة على سبيل الاحتياط، كي لا يشعر بالإحباط إن تم رفضه، ويشعر بالفرحة إن لم يحدث ذلك! هذه الحيلة الدفاعية يلجأ لها بعض الناس الذين يتمتعون بتقدير ذاتي مرتفع، حفاظاً على ثقتهم في أنفسهم.. وهي تؤتي ثمارها عند كثير من الناس في بعض المواقف.
قد يكون التشاؤم مفيداً أيضاً في حالات أخرى، مثل التخطيط.. فعلماء الإدارة مثلاً، ينصحون قبل القيام بأي مشروع بالقيام بتحليل SWOT، والذي يعني تحديد كل من: مميزات المشروع ونقاط ضعفه، والفرص والمخاطر الموجودة في السوق. وهو ما يعني النظر نظرة تشاؤمية «بتحديد المخاطر ونقاط الضعف» للاستعداد لها حين تحدث.. يشبه ذلك توقع الطالب أن يكون الامتحان صعباً، فيذاكر أكثر استعداداً له!
مراعاة السياق!
هل معنى هذا أن التفاؤل جيد أم سيئ؟ يبدو أن الحياة اليومية ينبغي أن يغلب عليها قدر أكبر من التفاؤل، للحفاظ على حالتنا المزاجية وإضفاء معنى لحياتنا.. لكن في نفس الوقت، ينبغي استخدام التشاؤم عند الحاجة في سياقه المناسب، كأداة مفيدة في بعض المواقف كالاستعداد لخطر محتمل. التفاؤل مفيد وكذلك التشاؤم، كل في سياقه المناسب الذي يضمن عدم تجاهل خطر محتمل أو بناء آمال على الحظ وحده!
كن متفائلاً بمستقبل أفضل..
طالما كنت تسعى وتبذل مجهوداً لتحقيقه.