4 يوليو 2009 01:58
في خطوة تنطوي على مجازفة سياسية، قرر رئيس الوزراء الماليزي، «نجيب رزاق»، تحجيم سياسات التمييز الإيجابي التي تستفيد منها العرقية الماليزية؛ وذلك في محاولة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وإنعاش الاقتصاد الذي تأثر بتداعيات الركود العالمي، وتأتي الخطوة أيضاً في ظل تنامي ضغوط الأحزاب المعارضة على الائتلاف الحاكم في وقت بدأت فيه قاعدته الشعبية من خارج العرقية الماليزية، تتراجع بشكل ينذر بفقدان الأغلبية الحكومية، ويمثل استعادة التأييد هدفاً أساسياً لـ«نجيب رزاق»، الذي صعد إلى السلطة في شهر أبريل الماضي متعهداً بإعادة بناء الثقة في الحكومة وتوسيع قاعدتها الشعبية.
وفي هذا الإطار، أعلن رئيس الوزراء في خطاب يوم الثلاثاء الماضي أن الشركات التابعة للدولة ستقلع عن تخصيص 30% من أسهمها للعرقية الماليزية، لا سيما أن هذا الإجراء غير الفعال والمفتقد للمرونة كان سبباً رئيسياً وراء عجز الشركات عن استقطاب الاستثمارات في سوق الأسهم المحلية. كما أنه، بالإضافة إلى ذلك، كشف «رزاق» عن مجموعة من الإصلاحات الرامية إلى تحرير الاستثمار الأجنبي في ماليزيا الذي يواجه منافسة شرسة من باقي الدول الآسيوية ذات التنافسية العالمية في مجال استقطاب الاستثمارات، ومن بين تلك الإصلاحات رفع سقف التملك للأجانب وتسهيل الإجراءات الإدارية فيما يتعلق بحيازة الشركات والممتلكات، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء أمام منتدى للاستثمار عقد في العاصمة كوالالمبور قائلاً «إننا نتوقع مشاركة أوسع لفاعلين أجانب حتى نتمكن من الارتقاء بمستوى المنافسة وتعزيز الابتكار لتحفيز النمو بوتيرة أسرع». وقد سبق أن اعترض شركاء ماليزيا التجاريون على سياستها المبنية على منح الامتيازات للعرقية الماليزية دون سواها، وهو أيضاً ما تسبب في وقف المباحثات مع الولايات المتحدة حول التجارة الحرة بعد تردد الحكومة في إلغاء الإجراءات التفضيلية التي تستفيد منها العرقية الماليزية، بحيث انتهت المدة الزمنية التي خصصها الكونجرس للمباحثات في السنة الماضية دون التوصل إلى اتفاق. وتشكل عرقية المالايا 60% من مجموع سكان ماليزيا البالغ عددهم 28 مليون نسمة، وهي إلى جانب المجموعات القبلية التي تستوطن جزيرة «بورنيو» يصنفون رسمياً ضمن «أبناء الأرض» الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم من مكاسب اقتصادية. فمنذ العام 1971 استفاد المنحدرون من العرقية الماليزية من امتيازات عديدة بموجب ما يطلق عليه في ماليزيا بـ«السياسة الاقتصادية الجديدة» التي وضعت لمعالجة اختلالات عدم المساواة والفقر والتي كانت مسؤولة عن المظاهرات العرقية الدامية في العام 1969، لكن وعلى مدار السنوات الأخيرة تصاعدت مشاعر الاستياء والتذمر من السياسة الاقتصادية الجديدة لا سيما في أوساط العرقيتين الصينية والهندية، وهو ما غذى التوتر العرقي في البلاد ودفع زعيم المعارضة النائب السابق لرئيس الوزراء، «أنور إبراهيم» إلى التعهد بإلغاء الامتيازات والتصدي للفقر بصرف النظر عن الاعتبارات العرقية. ولعل ما فاقم الأمور بالنسبة للائتلاف الحاكم تراجع حصته من الأصوات في الانتخابات التي عقدت في شهر مارس الماضي إلى أدنى مستوى لها، فضلاً عن الاختراق الذي حققته المعارضة في انتخابات جزئية جرت لاحقاً ما ألقى بظلال كثيفة من الشك حول قدرة الحكومة على الاستمرار. وباعتباره زعيم «المنظمة الوطنية للوحدة الماليزية» ذات النفوذ الكبير والتي تدافع عن السياسة الاقتصادية الجديدة وما تمنحه من امتيازات لإثنية الملايا في البلاد. يواجه رئيس الوزراء الحالي، «نجيب رزاق»، مخاطر شق صفوف المنظمة إذا ما حُرمت من مكاسبها، لا سيما في ظل الانتقادات التي توجه إلى أفراد المنظمة باعتبارهم أهم المستفيدين من أسهم الشركات التابعة للدولة والعقود الحكومية، فيما يعاني المواطنون العاديون الفقر. وقد أكد رئيس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي أن إعادة إنعاش الاقتصاد على أسس جديدة سيعود بالنفع على جميع الماليزيين قائلاً «نحن لن نستطيع تحقيق أهدافنا في الوصول إلى مجتمع قائم على العدل دون توسيع الكعكة ليستفيد الجميع». لكن «جيف أوي»، أحد المشرعين المعارضين من حزب «العمل الديمقراطي» المدافع عن مصالح العرقية الصينية يعتبر الإصلاحات التي ينوي رئيس الوزراء مباشرتها غير كافية؛ لأن نسبة 30% المحجوزة لإثنية الملايا من أسهم الشركات ستستمر في قطاعات بعينها مثل الصناعة والطاقة والشحن، موضحاً موقفه قائلًا «لا يجب توزيع الثروة الوطنية على أساس عرقي، بل على أساس الاستحقاق». وبعد عقود من النمو الاقتصادي القائم على التصدير والتصنيع تواجه ماليزيا ما يطلق عليه الاقتصاديون «فخ نمو الدخل المتوسط»، ما يعني أنها أصبحت غير قادرة على التنافس مع منتجين آخرين مثل فيتنام والهند اللتين تعتمدان على التكلفة المنخفضة، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع التنافس مع الدول الغنية، هذا بالإضافة إلى الركود العالمي الذي يُتوقع معه انكماش الاقتصاد الماليزي بحوالي 5%. ويرى رئيس الوزراء أن السبيل الأمثل للخروج من المأزق يكمن في اقتصاد قائم على قطاع الخدمات يعزز الابتكار ويطور التكنولوجيا، معتبراً أن النجاح في تحقيق هذا الانتقال هو من الأولويات الرئيسية لحكومته كي تتمكن ماليزيا من الانضمام إلى الدول المتقدمة بحلول العام 2020.
سيمون مونتليك - تايلاند
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»