15 مايو 2008 03:43
لم يصدق السائق فيصل أن الدخان الكثيف الذي يخرج من المركبة التي تسير أمامه هو مجرد دخان يصدر عن عادمها، فحجم سحب الأدخنة السوداء التي تتصاعد بقوة مع انطلاق السيارة ''المدخنة'' كبير ويثير الخوف من أن أمراً خطيراً سيحدث، أقله اشتعال حريق قد يصل إلى السيارات القريبة·
وتبددت شكوك فيصل مع نظرات الاستهجان من السائقين الآخرين الذين وقفوا على الإشارة الضوئية بمحاذاة تلك السيارة، وتأكدوا أن الأمر يتعلق بعطل فني في العادم، مما أوجد تلك السحب من الأدخنة· وتساءلوا جميعاً عن ''آليات الرقابة المعتمدة للحد من الآثار البيئية والصحية التي تخلفها عوادم المركبات وهي تجوب الشوارع''·
غير أن هيئة البيئة في أبوظبي أكدت أمس الأول أن محطة مراقبة نوعية الهواء التابعة للهيئة لم تسجل خلال قراءات الأشهر الأربعة الماضية، أي تعد للحدود القانونية في اوكسيد النيتروجين في الهواء الناتجة عن قطاع النقل والمواصلات أو أوكسيد الكبريت النتاجة عن الصناعة·
وتعتمد المحطة- الموجودة على تقاطع شارعي حمدان والسلام لقياس الانبعاثات الصادرة عن عوادم المركبات- نسبة 200 مايكروجرام من أوكسيد النيتروجين لكل متر مكعب، و350 مايكروجرام لثاني اكسيد الكبريت·
وقال مدير قطاع السياسات البيئية في الهيئة الدكتور جابر الجابري إنه يتم التنسيق حالياً مع الجهات المعنية لتطوير المواصفات المتعلقة بالمحركات وتطوير آليات فحص المركبات، وأشار إلى أن هناك دراسة لاعتماد نسب انبعاثات أقل وفقاً للمواصفات العالمية والتي تفرض أن يكون الحد الأعلى لانبعاث اول اكسيد الكربون 50%، و30% للهيدروكربونات واوكسيد النيتروجين، في حين يجب ألاتتجاوز الجسيمات العالقة نسبة 0,25%·
وتعتمد فحوص إدارة الترخيص والمرور تطبيق المواصفات القياسية الخليجية والتي حددت الحد الأقصى لكتل الملوثات الغازية المسموح بها مع العادم، ونصت على ألا تجتاز المركبة الفحص الفني في حال تجاوز الحد الأعلى لانبعاث الهيدروكربون الـ1200 جزء بالمليون، وفي حال تخطي نسبة انبعاث أول اوكسيد الكربون نسبة الـ4,5%· وحسب قانون السير والمرور المعدل في مارس الماضي فإن مخالفة قيادة المركبة التي تحدث تلوثاً للبيئة تبلغ 500 درهم·
وأكد المقدم محمد معيوف الكتبي مدير إدارة ترخيص الآليات والسائقين في شرطة أبوظبي ضرورة رفع مستوى الفحص الفني لعوادم السيارات بما يحقق أمرين: أولهما تقليل نسبة الانبعاثات الضارة لجودة الهواء، والآخر منع تسجيل السيارات التي لا تتوافق مع المعايير والمواصفات، وأشار إلى أهمية أن تكون النسب المطلوبة في الفحص أعلى وأكثر دقة مما هو معمول به حالياً حفاظاً على البيئة والصحة العامة، وأكد أن إدارة الترخيص تشدد على فحوصات السيارات القديمة والمتهالكة والتي غالباً مايكون انبعاثات الغازات الضارة منها أكثر بكثير من السيارات الجديدة·
وأشار إلى أن العام الماضي شهد زيادة وصلت إلى 12% في نسبة تسجيل السيارات والتي تشمل السيارات الجديدة أو تلك التي يتم تحويلها من مناطق اخرى، ويصل المعدل اليومي لتسجيل السيارات في إمارة أبوظبي إلى 600 سيارة·
ووفق فنيون مختصون فإن الدخان الأبيض الذي يخرج من عوادم المركبات يكون ناتجاً عن احتراق الزيت ووصوله الى غرف الاشتعال في الماكينة واختلاطه مع الوقود، في حين يتكون الدخان الأسود نتيجة لعدم احتراق البترول بشكل كاف·
وبلغ عدد المركبات الفعلي في إمارة أبوظبي حتى منتصف ابريل الفائت 558 ألفاً و914 سيارة، وبلغ عدد المركبات المسجلة والمجددة العام الفائت 442 ألفاً و661 مركبة، ووصل عدد المركبات الخفيفة المسجلة والمجددة 356 ألفاً و243 مركبة، كما بلغ عدد المركبات الثقيلة 44 ألفاً و927 مركبة·
وتسعى حكومة أبوظبي إلى تحويل 20% من أسطول النقل الحكومي للعمل بالغاز الطبيعي مع حلول عام ،2012 وكلفت في 2005 العام لجنة لتطبيق إستراتيجية استخدام الغاز الطبيعي كوقود بديل للمركبات في الإمارة·
ويتسبب تلوث الهواء بمقتل ما لايقل عن ثلاثة ملايين نسمة في العالم سنوياً وتدهور صحة من يعانون من الربو والأمراض التنفسية المزمنة وأمراض القلب والشرايين وسرطان الرئة·
وحذر استشاري الصحة والسلامة العامة الدكتور زياد النجار من المخاطر الصحية للأدخنة الناتجة عن عودام السيارات، وأشار إلى أنها تؤثر على الكبد والكليتين وعمل الأنزيمات وضغط الدم، كما تصيب الجهاز العصبي عند الأطفال بالتلف وانخفاض نسبة الذكاء لديهم· فيما تؤثر باقي الملوثات، مثل أوكسيد الكبريت وأوكسيد النيتروجين والأغبرة الدقيقة والهيدروكربونات، على الجهاز التنفسي والأوعية الدموية وزيادة الأزمات الصدرية، كما أن لبعض أنواع الهيدروكربونات تأثيراً على الدم والخلايا ولبعضها الآخر تأثيراً سرطانياً·
وأكد الدكتور النجار أن التلوث الناجم عن عوادم المركبات يعد من أخطر أنواع التلوث الهوائي لسرعة انتقاله، وصعوبة التحرز منه لعدم الإحساس به وحاجة الإنسان الفورية للهواء وبكميات كبيرة، ولفت الى أن مسببات التلوث الهوائي تكمن في أغلب الأحيان في التلوث الصناعي الناجم عن حرق الوقود، وبالأخص عوادم السيارات الناجمة عن احتراق البنزين والديزل بسبب احتوائهما على بعض العناصر كالرصاص والكبريت·
وتشير بيانات هيئة البيئة في أبوظبي إلى أن قطاع النقل يعتبر من ملوثات الهواء الرئيسية في الإمارة، ويشكل مستوى تركيز الجسيمات العالقة في الهواء نسباً أعلى من النسبة الطبيعية خاصة في مناطق المفرق، الشهامة، السمحة، ساس النخل والعين·
ويرى مدير قطاع السياسات البيئية في هيئة البيئة في أبوظبي الدكتور جابر الجابري أن تقليل الانبعاثات الغازية من عوادم السيارات ''ليس بالأمر السهل'' فكمية ونوعية الانبعاثات تعتمد على أمور أساسية عدة منها نوع المركبة وعمرها ومدى صيانتها ونوعية الوقود المستخدمة·
وأكد أن ''التقليل'' سيكون نتاج خطة شاملة ودقيقة وطويلة الأمد ترتكز على السلامة البيئية والتقدم الصناعي والتطبيق، وقال إنه ''لابد من وضع حدود قياسية ومواصفات معينة للمركبات الجديدة وكيفية التعامل مع القديمة وخلق وقود نظيف أو بديل وفرض برامج صيانة دورية وإيجاد بدائل عن الاستخدام المكثف للسيارات وذلك بأقل التكاليف وأسرع النتائج''·
واتفق الجابري مع رأي إدارة ترخيص أبوظبي على ضرورة شطب أو عدم ترخيص السيارات التي لا تنجح في اختبارات غازات العوادم مرات متكررة أو السيارات التي تنبعث منها الغازات بضعف الحدود القياسية المعتمدة·
وتتضمن بدائل الوقود الحالي الميثانول والإيثانول والزيوت النباتية والغاز الطبيعي المضغوط والمسال والكهرباء والهيدروجين والغاز الكحولي·
واشار إلى أهمية برامج الصيانة الدورية في التقليل من الانبعاثات الى جانب تركيب مساعدات أكسدة ومرشحات جسيمات ومحفزات داخلية للوقود، داعياً الى تحديد أعمار وسائل النقل والمواصلات وفرض بدائل للوقود المستخدم·
أهم ملوثات عوادم السيارات
؟ أول أوكسيد الكربون- وهو غاز عديم اللون والرائحة- يتحد مع كريات الدم ليقلل من قابلية نقل الأكسجين لأعضاء الجسم وأنسجته·
؟ أوكسيد النيتروجين يتسبب في تهيج أغشية الرئة ويقلل مناعة الجسم للأمراض التنفسية ويساعد في تكوين الأوزون الأرضي السام ويساهم في تكون الأمطار الحمضية وما لها من آثار سلبية على البيئة البرية والبحرية وصحة الإنسان·
؟ الجسيمات الدقيقة العالقة وهي عبارة عن خليط من حبيبات الغبار وقطرات السوائل الموجودة في الهواء، ولها تأثيرات مباشرة في ازدياد نسب دخول المرضى إلى المستشفيات بسبب ضيق التنفس والربو والأمراض الصدرية والأنسجة الرئوية وسرطان الرئة، وفي بعض الحالات الموت المبكر·
؟ ثاني أوكسيد الكبريت الناتج عن الاحتراق الجزئي للوقود، يحتوي في تركيبته على الكبريت، ويسبب تقلص الحويصلات الهوائية وتدهور الحالة الصحية في الأطفال والعجزة، كما أنه يساهم في تكون الجسيمات العالقة والأمطار الحمضية·
المصدر: أبوظبي