تامر عبد الحميد (أبوظبي)
مراحل جديدة يتخطاها المتسابقون في برنامج «الزمن الجميل» الذي وصل إلى الحلقة الرابعة من العروض المباشرة التي انتهت أول أمس على خشبة المسرح الوطني، بمغادرة المتسابق العراقي يوسف الصميدعي، وتأهل 7 مشتركين للمراحل المقبلة، وبحضور مشرف للفنانة سميرة سعيد التي تألقت بأداء مجموعة من أشهر أغنياتها وسط احتفاء كبير، وتميزت هذه الحلقة باحتفائها بالعملاقين الراحلين فايزة أحمد ووديع الصافي، حيث أطرب المشاركون الحضور والمتابعين عبر شاشة «قناة أبوظبي»، بأغنيات كانت ولا زالت لها تأثير كبير على متذوقي أغنيات الطرب الأصيل في جميع أنحاء العالم العربي، حيث اشتدت المنافسة بينهم، ونالوا جميعاً كلمات الثناء والإعجاب، وهو ما يؤكد أن «الزمن الجميل» يوافق تطلعات «أبوظبي للإعلام» لترسيخ الأغنية العربية بمفهوم جديد، ويؤكد أن عالمنا العربي يفخر بمواهب جديدة تستحق أن يكون لها حضور في الساحة الفنية، وأن يكونوا نجوم المستقبل في سماء الأغنية العربية.
وشهدت الحلقة الرابعة من العروض المباشرة، مغادرة المتسابق العراقي يوسف الصميدعي، إثر حصوله على أدنى نسبة تصويت من قبل الجمهور، ليتأهل بذلك سبعة مشتركين إلى المرحلة المقبلة من التصفيات، واختارت لجنة التحكيم (أنغام ومروان خوري وأسما لمنور) كلاً من أيوب التيجاني وأحمد عباسي ومحمد شطا في منطقة الأمان التي ستحميهم من الإقصاء في حال الحصول على أقل عدد من الأصوات، وذلك نظراً لتميزهم وقوة أدائهم في الحلقة، ونال أحمد عباسي المركز الأول من حيث تصويت الجمهور في نهاية الحلقة، حيث حصل على 29 % من إجمالي الأصوات، تلاه في المركز الثاني عمر ياسين بنسبة 26 %، وموسى معيدي في المركز الثالث بنسبة 14 %، وتلاه علي المديدي بنسبة 10 %، وصابرين النجيلي بنسبة 6 %، وأيوب التيجاني بنسبة 6 % أيضاً، ومحمد شطا بنسبة 4 %، لتنتهي رحلة يوسف الصميدعي بأقل نسبة تصويت والتي بلغت 3 %.
بصمات مميزة
واحتفت الحلقة بمسيرة عمالقة الزمن الجميل الراحلين وديع الصافي وفايزة أحمد، حيث قدم المتسابقون مجموعة من أجمل أغنياتهما وبمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو أحمد طه، كما تميزت الحلقة بحضور «ديفا» الوطن العربي الفنانة سميرة سعيد ضيفة على البرنامج وتألقها على المسرح، وهي التي تتمتع بمسيرة غنائية حافلة عاصرت فيها عمالقة الزمن الجميل، ووضعت بصماتها المميزة على الساحة الفنية التي نلتمسها حتى يومنا هذا، لتكون «آخر عنقود الزمن الجميل»، كما لقبتها إيميه صباح مقدمة البرنامج، وقدمت سميرة للجمهور ثلاثاً من أغنياتها الرائعة، وهي «يالطيف يالطيف»، و«يا ابن الحلال»، و«قال جاني بعد يومين» التي أطربت بها الجمهور الحاضر الذي صفق لها بحرارة.
أغنيات الصافي وفايزة
وشهدت الحلقة تقديم خمس أغنيات للعملاق وديع الصافي، بدأها المتسابق المصري محمد شطا بغناء «على الله تعود» وموال من مواويل الصافي، ومن ثم قدم المشترك علي المديدي أغنية «جنات»، ليقدم بعده السعودي موسى المعيدي أغنية «عندك بحرية»، فيما غنى المتسابق الفلسطيني أحمد عباسي أغنية «قتلوني عيونها السود»، وختمها أيوب التيجاني بتأدية أغنية «على رمش عيونها»، واحتفى يوسف الصميدعي بالراحلة فايزة أحمد بتقديم أغنية «حمال الأسية»، وشاركته ذلك صابرين النجيلي بتقديم أغنية «قالولي هان الود عليه»، ليليهم اليمني عمر ياسين بأداء أغنية «أنت وبس إلى حبيبي».
تحقيق الحلم
وتجاوز المشتركون المتأهلون مراحل عدة، تضمنت تجارب مليئة بالتحدي عملت على صقل مواهبهم، ليصلوا إلى هذه المرحلة التي يفصل بينها وبين تحقيق حلمهم في الفوز بلقب البرنامج أسابيع قليلة، وذلك بعد تقييم التطور الذي طرأ على مواهبهم الغنائية في تأدية الطرب الأصيل من قبل لجنة التحكيم، وينال المشتركون فرصة الحصول على دعم من مدربين متخصصين وأساتذة في الغناء العربي ليطوروا مواهبهم الغنائية في سبيل تعزيز فرصهم للفوز بالبرنامج.
جدير بالذكر أن شركة «بيراميديا» للاستشارات والإنتاج الإعلامي هي المنتج المنفذ للبرنامج.
كواليس
نال المشترك محمد شطا استحسان لجنة التحكيم، وأشادت بصوته وطريقة تفرده في الأداء عندما غنى لوديع الصافي، حيث وصفه مروان خوري بـ «الجوكر»، حيث يستطع أداء أغنيات متنوعة، إلى جانب أنه أول مطرب مصري يغني لون الـ «عتابا» الذي قدمه العبقري وديع الصافي، فيما اعتبرت أنغام، الصافي مدرسة موسيقية صعبة، لذلك فإن شطا تحدى نفسه في تقديم هذا اللون لاسيما الموال، بينما لقبت أسما محمد شطا بـ «محمد شطارة»، حيث لم يكتف بما لديه من ثقافة موسيقية مصرية، بل صقل ثقافاته بموسيقى وأغنيات من مختلف العالم العربي، وهذا ما ميزه عندما غنى في الحلقات السابقة لطلال مداح، وحالياً لوديع الصافي.
وجه المشتركون رسائل وطنية وتحدثوا عن تجاربهم الغنائية قبل دخولهم «الزمن الجميل»، من داخل «قصر الوطن» في أبوظبي، حيث نظم القائمون على البرنامج زيارة لمشتركي «الزمن الجميل» إلى «قصر الوطن» الصرح المعماري الفريد، الذي يجسد مسيرة تقدم الإمارات، ويشكل جسراً للتواصل المعرفي والحضاري بين شعوب العالم، وصوروا من داخله مقاطع تعبر عن حبهم لوطنهم، واعتزازهم بانتمائهم إليه، وتغنوا بالعديد من الأغنيات الوطنية.
تجانس وانسجام كبيران بين أعضاء لجنة تحكيم البرنامج (أنغام ومروان وأسما)، بدا واضحاً خلال حلقات العروض المباشرة، حيث كانت تعليقاتهم على المشتركين تمزج بين الجدية والمزاح، ففي الحلقة الرابعة من العروض المباشرة، وبعد أداء المتسابق علي المديدي على خشبة المسرح الوطني، وصفه مروان خوري بـ«المعلم»، فيما قالت له أنغام «أنت لئيم».. وذلك لاحترافيته العالية في تأدية الأغنيات العربية الأصيلة.
بعد عملية الإقصاء للمشتركين من قبل تصويت الجمهور التي بدأت من الحلقة الأولى من العروض المباشرة، لم تتبق بدءاً من الحلقة الرابعة إلا متسابقة واحدة من العنصر النسائي وهي المصرية صابرين النجيلي، ما يضعها في تحدٍ كبير مع النفس لإثبات وجودها وسط 7 مشتركين.
احتفى أعضاء لجنة تحكيم «الزمن الجميل» بـ «الديفا» سميرة سعيد، حيث حرصوا جميعاً على استقبالها وإلقاء التحية عليها خلف الكواليس، لاسيما الفنانة أنغام التي تجمعها بها علاقة صداقة قوية، وخلال الحلقة أثنى أعضاء اللجنة على الموهبة والتاريخ الفني الكبير الذي تتمتع به سميرة والتي لا تزال تحافظ عليه حتى يومنا هذا، وقابلت سميرة هذا الاحتفاء الكبير، ووجهت لكل فنان منهم كلمة إشادة في حقه، كما طلبت من مروان على الهواء مباشرة أن تتعاون معه في لحن من ألحانه لأغنية يخصصها لها.
حكايات عن عمالقة الفن
يستوقف برنامج «الزمن الجميل» الجمهور عند زمنين في كل حلقة من حلقاته المباشرة كانت تعيش فيهما الأغنية العربية والخليجية عصرها الذهبي، حيث يتغنى المشتركون بأعذب الألحان وأرق الكلمات التي أداها نخبة من العمالقة، وفي حلقة أمس الأول تم الاحتفاء بالفنانين فايزة أحمد ووديع الصافي، وقدم خلال الحلقة قصصاً وحكايات لهذين العملاقين أسفل شاشة قناة «أبوظبي»، حيث ذكر «الزمن الجميل» المشاهد بمسيرة فايزة أحمد الملقبة بـ «كروان الشرق»، وهي بنت بلدة صيدا في لبنان من أب سوري وأم لبنانية وحصلت على الجنسية المصرية بعد زواجها من الموسيقار محمد سلطان، تمتعت بصوت دافئ شجي وعذب، فقد صدح ذلك الصوت بأجمل الأغاني، حيث أدت أكثر من 320 أغنية لإذاعة القاهرة و 80 أغنية تليفزيونية.. صوتها كـ«الكريستال المكسور» هكذا وصف صوتها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وقالت عنها أم كلثوم: «الصوت النسائي الوحيد الذي أطرب له وأسمعه بنشوة»، وقال عنها الموسيقار رياض السنباطي: أحلى من ينطق حرف الحاء في العالم، أما «كروان الشرق» فأطلقه عليها الشاعر والأديب كامل الشناوي.
«أنا قلبي ليك ميال»، بدايتها الفنية وإحدى أجمل أغنيات الطرب الشرقي الأصيل ومن روائع الأغنيات التي شدت بها، حيث شكلت قفزة مهمة في مشوارها الغنائي وأصبحت بعدها حديث الجميع في كل أنحاء الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، والأغنية من كلمات الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز ولحنها محمد الموجي، واستغرق تلحينها يوماً واحداً، وحفظت فايزة اللحن في جلستين استغرقت كل منهما ساعة واحدة.
وكانت أغنية «ست الحبايب» من أشهر أغانيها، ففي بداية الستينيات ذهب الشاعر الغنائي الراحل حسين السيد في زيارة إلى أمه في ليلة عيد الأم، وبعدما صعد الدرج اكتشف أنه نسي شراء هدية لأمه، فوقف على باب الشقة وأخرج من جيبه قلماً وورقة وبدأ يكتب «ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحي ودمي.. ياحنينة وكلك طيبة يارب يخليكي يا أمي».. فكانت هذه هي لحظة ميلاد الأغنية التي استغرقت كتابتها خمس دقائق فقط.
اتصل حينها بالموسيقار محمد عبد الوهاب وقرأ له كلمات الأغنية فأعجب بها عبد الوهاب، وقرر تلحينها على الفور، لإهدائها إلى أمه وكل الأمهات في العالم العربي، واتصل عبد الوهاب بفايزة أحمد وأسمعها الأغنية والتي تدربت عليها وحفظتها في اليوم نفسه، وصباح اليوم التالي 21 مارس ذكرى عيد الأم، غناها عبد الوهاب على العود فقط، ومع نهاية اليوم غنتها فايزة أحمد في الإذاعة ولاقت إعجاباً ورواجاً منقطع النظير، لتكون «ست الحبايب» سبباً في وصول فايزة أحمد إلى القمة.
أما وديع الصافي، فأطلق عليه لقب «قديس الطرب»، من قبل لجنة تحكيم مسابقة للإذاعة اللبنانية عام 1938 نظراً لصفاء صوته، وفاز بالمرتبة الأولى لحناً وغناءً وعزفاً من بين أربعين مشاركاً عن أغنية «يا مرسل النغم الحنون»، وامتدت مسيرة عطاء وديع الفنية لأكثر من 80 عاماً، وغنى خلالها أكثر من خمسة آلاف أغنية وقصيدة ولحَّن معظمها.
كان أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة باللهجة اللبنانية بعدما طعّمها بموال الـ «عتابا» ومثّل ذلك الموال نقلة في شكل الغناء اللبناني، كما غنى بلهجات عربية مختلفة كالمصرية والليبية والأردنية والخليجية وعدة لغات أخرى قديمة كالآشورية والسريانية ومنها أغنية «كرشلا إيدي» و«إيمان يا زونا» وبالفرنسية غنى Au Liban وهي الأغنية الأشهر له بالفرنسية.
سجل لوديع الصافي أنه كان سبّاقاً في الغناء بلهجات بدوية خليجية وذلك قبل عقود من رواجها الواسع في سوق الأغنية العربية المعاصرة وتهافت المطربون الشباب عليها، وكانت أغنية «قمر الطائف» من أوائل الأغنيات الخليجية التي قام بغنائها وهي من ألحان الفنان السعودي طلال مداح.
كانت علاقة وديع الصافي بعمالقة الفن المصري لها طابع خاص لاسيما الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، حينما سمِع عبد الوهاب صوت وديع الذي يصغره بـ 19 عاماً يغني في أوائل الخمسينيات أغنية «ولو» المأخوذة من أحد أفلامه السينمائية قال له: «من غير المعقول أن يملك أحد هذا الصوت»، ووصف عبد الوهاب صوته بأنه الصوت الأجمل منذ ألف سنة، وأضاف أيضاً بأنه لو جُمعت أصوات المطربين كلهم في صوت واحد لما ألّفت صوت وديع الصافي، وعلى الرغم من كل هذا الحب فإن عبد الوهاب لم يقدم لوديع الصافي سوى أغنية واحدة من ألحانه وهي «عندك بحرية يا ريس».
مستقبل الأغنية العربية
أشادت الفنانة سميرة سعيد بفكرة «الزمن الجميل»، خصوصاً أنه يحتفي بعمالقة الفن العربي الأصيل، ويقدر إسهاماتهم في تأسيس تاريخ الأغنية العربية، وتقديم أغنيات لا تزال خالدة حتى يومنا هذا، لافتة إلى أن الموهبة الحقيقية والمؤهلات الصوتية والفنية كفيلة بأن تضع أي فنان في «بر الأمان»، لاسيما أن الإبداع لا يختلف عليه اثنان، لذلك فهي توجه نصيحة لمشتركي «الزمن الجميل» بأن يفكروا في خصوصيتهم وتفردهم وتميزهم، واختيار الأغنيات المناسبة لهم ولأصواتهم، خصوصاً أن جيل الزمن الجميل وجيلها أيضاً سار على هذه العناصر حتى حققوا التفرد المطلوب، لذا فيجب أيضاً على الجيل الجديد أن يتعلم ويستفيد من خبرات وتجارب منْ سبقوهم، لأنهم مستقبل الأغنية العربية.