أحمد عاطف - محمد إبراهيم (القاهرة)
أعلنت مصر أمس تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدي لأي تهديد للأمن القومي المصري، وذلك خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي المصري برئاسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تناول التطورات الراهنة المتصلة بالأزمة الليبية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا.
ودانت مصر، بأشد العبارات، خطوة تمرير البرلمان التركي المذكرة المقدمة من الرئيس التركي بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، وذلك تأسيساً على مذكرة التفاهم الباطلة الموقعة في إسطنبول بتاريخ 27 نوفمبر 2019 بين فايز السراج والحكومة التركية حول التعاون الأمني والعسكري.
وأكدت مصر، في بيان للخارجية، على ما تُمثله خطوة البرلمان التركي من انتهاك لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن حول ليبيا بشكل صارخ، وبالأخص القرار (1970) لسنة 2011 الذي أنشأ لجنة عقوبات ليبيا وحظر توريد الأسلحة والتعاون العسكري معها إلا بموافقة لجنة العقوبات، مُجدداً اعتراض مصر على مذكرتي التفاهم الباطلتين الموقعتين مؤخراً بين الجانب التركي والسراج، وعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تصرفات أو آثار قانونية قد تنشأ عنهما، نتيجة مخالفة إجراءات إبرامهما للاتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات في ديسمبر 2015، وبالأخص المادة الثامنة التي لم تخول السراج صلاحية توقيع الاتفاقيات بشكل منفرد، وخولت في ذلك المجلس الرئاسي مجتمعاً، واشترطت مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات التي يبرمها المجلس الرئاسي.
كما حذرت مصر من مغبة أي تدخل عسكري تركي في ليبيا وتداعياته، وتؤكد أن مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل مسؤولية ذلك كاملة.
وأكدت مصر على وحدة الموقف العربي الرافض لأي تدخل خارجي في ليبيا، والذي اعتمده مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه قبل يومي.
وذكرت الخارجية المصرية بـ«الدور الخطير الذي تلعبه تركيا بدعمها للتنظيمات الإرهابية وقيامها بنقل عناصر متطرفة من سوريا إلى ليبيا، مما يُبرز الحاجة المُلحة لدعم استعادة منطق الدولة الوطنية ومؤسساتها في ليبيا مقابل منطق الميليشيات والجماعات المُسلحة الذي تدعمه تركيا ويعوق عودة الاستقرار في هذا البلد العربي، فضلاً عن أي احتمال للتدخل العسكري التركي في ليبيا باعتبار أن هذا التطور إنما يهدد الأمن القومي العربي بصفة عامة، والأمن القومي المصري بصفة خاصة، مما يستوجب اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من جراء مثل هذه التهديدات».
ودعت مصر المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته بشكل عاجل في التصدي لهذا التطور، المنذر بالتصعيد الإقليمي، وآثاره الوخيمة على جهود التوصل عبر عملية برلين لتسوية شاملة وقابلة للتنفيذ تقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية من خلال المسار الأممي.
وفي نفس السياق، اعتبر مصدر مسؤول بالأمانة العامة للجامعة العربية أن خطوة موافقة البرلمان التركي على تفويض الرئيس التركي بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا تعد إذكاءً للصراع الدائر هناك، وأنها تتجاهل ما تضمنه القرار العربي من التشديد على رفض، وضرورة منع، التدخلات الخارجية التي قد ينتج عنها تسهيل انتقال العناصر الإرهابية والقوات المقاتلة إلى ليبيا، بما يسهم في استمرار حالة عدم الاستقرار والمواجهات العسكرية في ليبيا ويهدد أمن دول الجوار الليبي.
وذكر المصدر بتأكيد المجلس على دعم العملية السياسية من خلال التنفيذ الكامل لاتفاق الصخيرات (ديسمبر 2015)، باعتباره المرجعية الوحيدة للتسوية في ليبيا، وإعراب المجلس عن القلق من التصعيد العسكري الذي يفاقم الوضع المتأزم في ليبيا ويهدد أمن واستقرار دول الجوار الليبي والمنطقة ككل بما فيها المتوسط، وأن التسوية السياسية تظل من المنظور العربي هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا.
كما ذكِّر المصدر بما تضمنه القرار من خطورة مخالفة نص وروح الاتفاق السياسي الليبي والقرارات الدولية ذات الصلة، على نحو يسمح بالتدخلات العسكرية الخارجية، وبما يُسهم في تصعيد وإطالة أمد الصراع في ليبيا والمنطقة.
وأوضح المصدر أنه تنفيذاً لقرار مجلس الجامعة فقد أجرى أحمد أبو الغيط اتصالاً هاتفياً مع السكرتير العام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش تناول خلاله آخر تطورات الموقف في ليبيا، كما أطلع جوتيريش على فحوى قرار مجلس الجامعة الأخير في هذا الخصوص، ونقل له قلق الدول الأعضاء من تداعيات تصعيد الموقف على النحو الجاري حالياً.
وفي الجزائر، أعلنت الجزائر اعتزامها إطلاق مبادرات سياسية خلال الأيام المقبلة، بهدف الحل السلمي للأزمة الليبية، مشددة على رفضها وجود أي قوات أجنبية على أراضي جارتها الشرقية.
وقال صبري بوقادوم وزير الشؤون الخارجية الجزائرية في تصريحات له أمس «إن الجزائر ستقوم في الأيام القليلة القادمة بالعديد من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة الليبية ما بين الليبيين فقط»، مضيفاً أن الجزائر لا تقبل بوجود أي قوة أجنبية مهما كانت في هذا البلد الجار.
وشدد على موقف الجزائر الثابت بخصوص عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وقال إن «لغة المدفعية ليست هي الحل وإنما الحل يكمن في التشاور بين كافة الليبيين وبمساعدة جميع الجيران وبالأخص الجزائر».
أحزاب المعارضة التركية: التفويض دعوة إلى «كارثة»
حذرت ثلاثة أحزاب تركية من تداعيات إرسال قوات إلى ليبيا، مؤكدة أنها بمثابة دعوة إلى كارثة. فقد اعترض حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد وحزب «آيي» أو «الصالح» المحافظ على منح التفويض من جانب البرلمان التركي لإرسال قوات تركية إلى ليبيا. وقال النائب في حزب الشعب الجمهوري أونال سيفيكوز للبرلمان «هذه دعوة إلى كارثة»، واقترح وجود قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في ليبيا بدلاً من ذلك.
وقال أيتون سيراي نائب حزب «الصالح»: «نرسل أطفالنا ليصبحوا شهداء في الصحراء الليبية». وأضاف سيراي أن تركيا لا تحتاج إلى الانخراط في نزاعات جديدة في المنطقة، مضيفاً أن التفويض يخاطر بجعل الجنود في «وضع يشبه فيتنام» في ليبيا.
وقال النائب في حزب الشعوب الديمقراطي تولاي هاتيموجولاري أوروك يجب ألا يسمح البرلمان بـ«سياحة المقاتلين الجهاديين» في ليبيا، وذلك على خلفية ما تردد من أن الحكومة سترسل المتمردين السوريين المتحالفين إلى الجبهة الليبية. وكان البرلمان التركي قد وافق في وقت سابق بأغلبية 325 عضواً مقابل 184 عضواً على إرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة فايز السراج في القتال الذي تخوضه في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.