15 ابريل 2010 20:44
تعتبر العاطفة جزءاً مميزاً في تكوين الإنسان وطبيعته وخصوصيته البشرية التي تميزه عن غيره من المخلوقات، فهو كتلة من العواطف والمشاعر التي يصبح من دونها أشبه برجل آلي، أو جهاز كمبيوتر يعمل بلا عاطفة أو شعور!! فالحب والكره والحزن والفرح والراحة والطمأنينة والقلق وغيرها من العواطف التي نشعر بها هي التي تجعل للحياة نكهة وقيمة..
تعتبر عاطفة الحب والحنان من أهم العواطف التي يحتاجها الإنسان منذ طفولته، بل وفي جميع مراحل حياته، ويؤثر نقصانها أو افتقادها، على النمو و الاتزان النفسي والعاطفي الذي لا يقل أهمية عن النمو الفكري والعقلي، ومن المؤسف أن نقول بأن معظم الشباب والفتيات، وربما غيرهم من فئات المجتمع، يعانون من هذا النقص أو عدم الاتزان الوجداني، الذي نطلق عليه «الفراغ العاطفي». وهذا ما أثبتته الآراء والقصص التي تحدث عنها الشباب والفتيات عبر هذه السطور، وهم يشعرون بغصة وعذاب وألم.
الهروب من ضغط الأسرة
تقول لينا خالد 18 سنة: «أعترف بأنني غير متزنة عاطفياً كما ينبغي، حيث أشعر بأنني أحتاج لشيء ما، ولا أعرف ما هو.. هل هو الحب أم الحنان أم الاهتمام؟؟ على الرغم من أن أسرتي رائعة، ولا تبخل علي بهذه العواطف، ولكنني أحتاج لحب من نوع آخر.. ويزداد هذا الشعور لدي كلما استمعت لصديقتي وهي تتحدث عن علاقتها بشخص ما وكيف يدللها ويحبها»!!
وتضيف لينا: «لا أستطيع أن أقاوم مشاهدة الأفلام العربية، وحتى الأجنبية التي تعج بمشاهد الغرام والغزل والحب.. وعلى الرغم من أن المسلسلات التركية تتحدث عن قصص حب طويلة، لكنني لست من هواة متابعتها فهي في نظري تافهة».
وترد لينا على السؤال المتعلق بصديقتها التي تمر بعلاقة حب خاطئة: «أعتقد أن سبب إقدام صديقتي على هذه العلاقة التي ندمت عليها مؤخراً، هو ذاك الجفاء وقساوة القلب اللذين تتعامل بهما أسرتها معها، فهي لا تتوقف عن إصدار قوانين صارمة تقضي بمنعها من الخروج من باب البيت أو زيارة إحدى صديقاتها، مما دفعها إلى الهروب من هذا الضغط، والبحث عن العاطفة والكلمة الحلوة خارج البيت، ولكنها عرفت خطأها الآن، وعادت إلى رشدها بعد أن عرف أهلها، واكتشفت أنها ليست إلا وسيلة تسلية للطرف الآخر»؟!
غرف الدردشة
تتفق لبنى مع أختها ليلى، 22 سنة، على أنها كانت تشعر بنقص وحرمان وحاجة للحب والحنان، عندما كانت في مثل عمرها ولكنها الآن تشعر باتزان نفسي وعاطفي حيث تقول: «نعم كنت أشعر بفراغ عاطفي في مرحلة المراهقة، وهو شعور قاتل كان يدفعني إلى العزلة، وقضاء ساعات طويلة في غرف الدردشة أو التشات عبر الإنترنت، بحثاً وراء من يسمعني كلمة جميلة أو إطراء، أو اهتمام بأنوثتي، لكنني عندما دخلت الجامعة وأنهيت الدراسة فيها سفهت نفسي، ولمتها على تلك التصرفات الطائشة التي كانت مضيعة للوقت لا أكثر.. أشعر الآن بالرضى عن نفسي وبأنني اتزنت عاطفياً نوعاً ما».
التعلق بالأقارب
تروي لنا ريما إبراهيم، 20 سنة، قصتها مع عمها الذي تعلقت به بجنون، حيث تقول: «عندما كان عمري17 سنة تعلقت بعمي بطريقة جنونية على الرغم من أنه مغترب في بلد آخر، ولكنني كنت دائمة التواصل معه عبر الموبايل والتشات وكنت أتحجج وأختلق الأسباب لأحدثه، وأسمع صوته بين حين وآخر لقد شغل تفكيري وعواطفي، وصرت أفرح لفرحه، وأجن وأبكي بحرقة لو أصابه مكروه من مرض أوغيره، وكنت أكره أصناف الطعام التي لا يحبها من أجله وأحب ما يحب..
لقد كان شاباً أعزب يدللني ويمازحني، ويحضر لي الهدايا، وإذا أراد أن يعرف أية تفاصيل عن العائلة يتصل بي، وعندما تزوج شعرت بعذاب كبير فقد ابتعد عني وانشغل بزوجته وصرت دائمة البكاء، وأسأل الله أن يرزقني زوجاً بنفس صفاته، والآن ارتبطت بخطيبي الذي عوضني كثيراً عن الحرمان الذي بت أشعر به».
ولا تعرف ريما السبب الذي دفعها إلى التعلق بعمها، على الرغم من أن والديها دائما التواصل معها، ويغدقان عليها وافر الحب والحنان، وتتساءل هل ما كنت أشعر به فراغ عاطفي أم ماذا؟؟
شفيت منه بعد الزواج
يعود توفيق عبد الله 31 سنة بذاكرته إلى الوراء ليتذكر تلك الأفكار والممارسات السلبية التي كان يقوم بها قبل الزواج، والتي كان يسببها الفراغ العاطفي الكبير الذي كان ينتابه فترة المراهقة وبعدها، حيث يقول: «حالي كحال أغلب الشباب الذين تعتقد أسرهم أنهم بمجرد أن تقدموا بالسن وخرجوا من مرحلة الطفولة، وبانت عليهم ملامح الرجولة، لم يعودوا بحاجة للحضن الدافئ وكلمات الحب والحنان التي تغذي الروح والوجدان معاً، ويعتبرون أن حاجتنا لذلك عيب في حقنا فيبدأون بالجفاء والقسوة وإلقاء الأوامر، وإلزامنا فجأة بتحمل مسؤوليات واتخاذ قرارات لم نعتد عليها، مما يشعرنا بالخوف والرهبة والرغبة في الهروب إلى عالم الرومانسية والحب والعواطف الجميلة التي تشعرنا بسعادة وراحة، فنغرق في بحر الأغنيات التي تعبر عن عواطفنا ونتخيل أنفسنا نغنيها لحبيبات لا نعرفهن أصلاً، وكلما اجتمعنا مع الأصدقاء انصبت أحاديثنا حول الفتيات والحب والأفلام الهابطة والأغاني الخليعة».
ويضيف توفيق: «لكن بعد الزواج وملء الفراغ الذي كنا نشعر به بالحلال نندم على تلك الأيام التي ضاعت منا سدى، بل وعملنا فيها كل ما يغضب الله، وأنا أعتقد أن مشكلة الفراغ العاطفي من المشاكل الخطيرة والمدمرة للشباب، والتي يجب إيجاد الحلول المؤقتة والدائمة لها في أسرع وقت».
زوجي عوضني
تتفق سوزان عبد الكريم 27 سنة مع توفيق في أن الزواج كان الدواء الشافي الذي بفضله خرجت من حالة العذاب والضياع العاطفي التي كانت تعيشها، حيث تقول: «لقد كنت معجبة بأحد زملائي في العمل، وكنت أشعر بأنه يبادلني الحب والإعجاب، ولكنني اكتشفت للأسف بعد أن تعلقت به، أنه شخص لعوب ونواياه سيئة، ولا يفكر بالارتباط بي كما كان يعدني، فابتعدت عنه وبدأت أشعر بعدها بفراغ عاطفي كبير، ولكن الله عز وجل عوضني بزوج أفضل منه سقاني من بحر حنانه وحبه، وخلصت من العذاب الذي كان ينتابني».
فتش عن الطفولة
من جانبها أوضحت أحلام الهاشمي اختصاصية نفسية ومرشد وظيفي ماهية الفراغ العاطفي وأسبابه وخطورته، بقولها: «الفراغ العاطفي هو حاجة نفسية تنبع من واقع الإنسان وافتقاده للحنان والحب خلال مرحلة من مراحل نموه، لا يكون قد أشبعها بطريقة صحيحة.. ففي مرحلة الطفولة يحتاج الطفل إلى الحب والحنان الكبير من والديه وأسرته، وإذا لم يحصل على حاجته الكافية منهما سيولد لديه شعور بالنقص والحرمان، بل وسيتعمد أن يتصرف تصرفات عنيفة ليلفت انتباه والديه ويدفعهما دفعاً نحو احتضانه وتقبيله».
وتسترسل الهاشمي: «وكذلك المراهق الذي لم يحصل على الحب والحنان الكافيين في طفولته، أو اعتبر والداه أنه كبر وما عاد يلزم تدليله واحتضانه ومناداته بألفاظ ودية مثل حبيبي وغيرها، كما كانا يناديانه في الطفولة، مما سيدفعه إلى البحث عن هذه الكلمة وذاك الشعور الجميل الدافئ خارج البيت، كما أن المراهق ينجذب لأي كلمة طيبة أو لمسة دافئة يصدرها الآخرون نحوه بعفوية ويفسرها تفسيرات أخرى لشعوره بحرمان ونقص، فلو كان يسمع مثل هذه الكلمات من والديه لما شعر بأنها أمر مستهجن ومؤثر عندما يسمعها من الآخرين».
أسباب واضحة
تشير الهاشمي إلى الأسباب التي تجعل الشباب يعيشون في فراغ عاطفي، وتقول: «ضعف الروابط الأسرية وضعف الرابط بين الشاب وأسرته بصورة خاصة يجعله يشعر بالوحدة والغربة والوحشة والحاجة إلى الاهتمام والحنان، ضعف صلة الشباب بربهم ووقوعهم في الغفلة وقسوة القلب والإسراف في المعاصي والذنوب، بالإضافة إلى تأثرهم بلغة الإعلام الفاسد الذي يشيع ثقافة الحب الزائف عن طريق الأغاني الماجنة، والبرامج الهابطة والرواية الساقطة وتأثرهم كذلك بالبيئة الفاسدة من رفاق السوء وغيرهم».
نتائج مدمرة
وتؤكد الهاشمي أن خطورة الفراغ العاطفي كبيرة جداً، وأنها في ازدياد وتساهم بصورة واضحة في خلق جيل هش وضعيف وغير قادر على تحمل المسؤولية، فكل همه إشباع شهواته وعواطفه بطريقة سلبية خاطئة، بالإضافة إلى عدم الاتزان العاطفي والقلق والتوتر والتقلب المزاجي والعنف وغيرها.
حلول مقترحة
وتقترح الهاشمي حلولاً للحد من هذه الظاهرة، فتقول: «ينبغي للشباب الإكثار من دعاء الله بالهداية والسداد وانشراح الصدر والتوفيق، والثبات على الصلاة التي هي حصن للنفس، وتلاوة القرآن الكريم، والإكثار من الذكر، والتمسك بصحبة أهل الخير ومجالستهم، وشغل الوقت بالبرامج والأنشطة المفيدة والمباحة كالرياضة والقراءة وغيرها، والمبادرة بالزواج المبكر إذا كان الشاب قادراً على ذلك، فإنه يملأ فراغه ويشبع رغبته ويحميه من مساوئ الأخلاق والرذيلة، امتثالاً لقوله عليه السلام (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، بالإضافة إلى ضرورة مراقبة الأهل للأبناء بصورة غير مباشرة ومصادقتهم واحتوائهم، ولا ننسى دور المجتمع الذي يقع على عاتقه نشر الوعي بخطورة هذه الظاهرة، وعقد حملات التوعية والمحاضرات الدينية للحد من خطورتها، وإجراء الدراسات والبحوث للوقوف على أسباب هذه الظاهرة، وعلاجها بطرق علمية مدروسة».
المصدر: العين