يقولون إن المال لا يشتري السعادة.. وأن الغني تعيس بينما ينعم الفقير بالسعادة وراحة البال.. وبالطبع، هذا كلام يجانبه الصواب علمياً ومنطقياً. وهناك دراسات عديدة ترسم علاقة واضحة بين المال والسعادة، لأن عجز الإنسان عن تحقيق احتياجاته الأساسية واحتياجات أسرته، سيجعله يعاني من جراء ذلك، أي أن سعادته ستقل.. لذلك وجد البروفيسور دانييل كانيمان (عالم النفس الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد) أن هناك حدا أدنى من الدخل، عندما يصله الإنسان تصبح لسعادته علاقة بأشياء أخرى غير المال.. أي أن المال مهم لرفع المعاناة الناتجة عن قلته.
لكن، هل تتأثر السعادة بطريقة إنفاق المال؟
هل هناك أشياء يمكن شراءها لتحقيق سعادة أكبر من غيرها؟
تستعرض البروفيسور بجامعة كاليفورنيا سونيا ليوبوميرسكي في كتابها أساطير السعادة، مجموعة من الدراسات والتجارب في هذه المسألة.. وتقترح مجموعة من الأساليب التي يمكن أن ينفق بها الإنسان المال، لتحقيق سعادة أطول أمدا.. ومن هذه المقترحات ما يلي..
1. انفق على الخبرات
اصطحاب أطفالك في نزهة.. أو شراء دراجة أو الاشتراك في دورة تدريبية في موضوع تحبه، أو شراء تذكرة لحفل موسيقي أو سينما، أو التخطيط لرحلة لمكان ما.. كل هذه أمور تعطي الإنسان «خبرات حياتية» وليست شيئا يريد الشخص امتلاكه لمجرد الامتلاك.. قارن جميع ما سبق بشراء حقيبة غالية مثلا.. قد تكلف الآلاف، لكن سعادتها ليست دائمة لأنها لن تعطيك ذكريات جميلة تظل مصدر سعادة لك كلما تذكرتها.. على عكس الخبرات الحياتية التي ستؤثر في حياتك وتظل تتذكر تفاصيلها مستعيداً السعادة المصاحبة لها.
البضائع المادية تبلى وتفقد قيمتها.. أما الذكريات، فباقية وتظل مصدر سعادة كلما تذكرتها. لذلك، لو كان معك مبلغ محدد من المال وأردت إنفاقه في شيء يحقق لك سعادة أطول، لا تتردد في حجز رحلة مع الأسرة، بدلا من شراء ساعة غالية!
2. انفق لشراء الوقت
هذه النقطة مخصصة للمشغولين في حياتهم فقط، إلى درجة لا يجدون معها وقتاً يخصصونه للسعادة.. لا وقت لديهم للسينما أو القراءة أو الاسترخاء أو اللعب مع أطفالك.. كل نشاط ممتع في حاجة لوقت قد لا يكون متوفرا وسط زحام وتراكم تفاصيل الحياة. لذلك يعتبر الإنفاق في الأمور التي توفر هذا الوقت، اختيارا ذكيا يزيد فرص السعادة الشخصية.
نتحدث مثلا عن الإنفاق في أمور تضيع وقتك لكن في إمكان غيرك القيام بها.. إذ يمكن الاشتراك في باص يعيد أطفالك من المدرسة.. أو الشراء عبر موقع إلكتروني لتوفير وقت التسوق.. أو إحضار عاملة تساعد في المهام المنزلية.. أو عامل يصلح لك الصنبور الذي يسرب في البيت.. لو لم تكن تستمتع بفعل هذه الأمور، وكان وقتك ضيقا حقا، فمن الحكمة التخلي عن بعض المال لتوفير تقضيه في أمور أخرى تحدث لك بعض التوازن بين الحياة والعمل.
3. انفق على الآخرين!
ليس هذا كلاما أدبيا، بل نصيحة علمية..
الإنفاق في شراء هدايا أو حضور فعاليات مع أصدقائك وأسرتك يزيد السعادة لأنه يقوي العلاقة فيما بينكم.. بينما التركيز على نفسك بشراء أشياء مادية للتفاخر والتعالي، يضعف علاقاتك ويملأها بالتحاسد والتنافس.
كما أن إنفاق المال على الآخرين (في صورة تبرعات خيرية للفقراء) يزيد السعادة أيضا لعدة أسباب.. منها أنه يزيد تقدير الإنسان لنفسه كشخص خير ويفعل الصواب، كما يخفف الألم النفسي الناتج من ملاحظة المعاناة التي تحيط بنا في أماكن كثيرة من العالم.. التعاطف والإيثار والمبادرة بالمساعدة، تجعلنا نشعر بأننا أدينا جزءا مما علينا لتحسين أوضاع العالم، مهما كان صغيرا. هذا نوع من السعادة يزيد كلما منحنا، لا أخذنا.
4. استمتع بالأشياء في ذاتها
الشعور بالغنى والفقر قد يكون مرتبطا بالمصروفات أكثر من الدخل.. فالغني هو من يفوق دخله مصروفاته، إلا أن الفخ الذي يقع فيه كثير من الناس، هو أن دخلهم لو زاد، يزيدون معه تطلعاتهم ومصاريفهم لدرجة قد تفوق هذا الدخل نفسه.. فيشعرون طوال الوقت بالحاجة، مهما زادت ثروتهم!
لا تشتري شيئا لمجرد أنه عند غيرك وتعتقد أنه سيحقق لك سعادة طويلة الأجل. استمتع بما لديك في حد ذاته. لو اشتريت شيئا غاليا لمجرد أن جارك اشترى مثله، ستتركه بعد حين إلى أن يعلوه الغبار، لأنك لم تشتره بغرض الاستخدام، بل اشتريته كي يراه غيرك! لا تشتر شيئا إلا لو كانت القيمة الحقيقية هي استخدامه، لا مجرد امتلاكه!
5. ادفع مسبقاً وانتظر
من الجيد تأجيل الحصول على ما تريد، لا الحصول عليه فورا! لماذا؟ انتظار الشيء الجيد أو الحدث السعيد، يصبح بمثابة مصدر للمشاعر إيجابية في حد ذاته.. كاللهفة والاشتياق والتفاؤل، لذلك لا ينصح بالإشباع الفوري لو أردنا إطالة أمد السعادة.. فمثلا، قم بالتخطيط لرحلة سفرك قبلها بفترة طويلة ولا تتخذ قرار السفر فورا، لأن في فترة التطلع لهذه الرحلة وانتظارها متعة في حد ذاتها!
تقول ليوبوميرسكي إن نمط الاستهلاك الحالي يتعارض مع كل هذا.. فالإنسان يحصل على ما يريد «بالكريدت كارد» ثم يسدد الثمن لاحقا، وهو منطق معكوس يقلل السعادة.. لأنك حين تسدد لاحقا مبلغا باهظا نظير شيء قد لا تذكره أصلا، ستتضايق.. بينما الإنفاق مسبقا للحصول على شيء تعرفه، لن يجعلك تشعر بوطأة الإنفاق لأن سعادة الحصول على الشيء ستغطي عليها!
6. تحسين نفسك
هناك احتياجات نفسية أساسية للإنسان، مثل الرغبة في الانتماء والشعور بالكفاءة الذاتية والاستقلالية. ويمكن للمال المساعدة في إشباع كل من هذه الاحتياجات. فمثلا، لتعزيز شعورك بالكفاءة الذاتية يمكن الاشتراك في دورات تدريبية في مجال يهمك، أو شراء كتاب تريده، أو أي نشاط يساعد في تنمية جانب من جوانب شخصيتك. الشعور بالانتماء وتقبل الآخرين يمكن تعزيزه عن طريق الاحتفال بنجاح صديق لك مثلا، أو عيد ميلاد ابنك، أو أي شخص يجمعكم انتماء ما، كي تشبع رغبتك في أن تكون جزءا من المنظومة الاجتماعية.
والآن، عزيزي القارئ..
لاحظ الفكرة التي استوقفتك وأنت تقرأ هذا الموضوع، وحاول أن تجربها اليوم!