الأحد 24 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وزيرستان... معضلة أمام الجيش الباكستاني

وزيرستان... معضلة أمام الجيش الباكستاني
17 يونيو 2009 02:54
قبل عامين، قضيتُ العطلة في «وادي سوات» الباكستاني، أمضينا فترة في التجوال والتمتع بالمناظر الطبيعية، حيث زرنا المعابد البوذية القديمة في غابات الصنوبر الكثيفة، وتماثيل بوذا المنحوتة على صخور الجرانيت، وبقايا الحضارة البوذية التي ازدهرت في الوادي على مدى قرون. في تلك الأيام، كان الفندق الذي أقمت فيه، يعج بالزبائن وكان رجال الشرطة يجوبون الشوارع في دوريات أمنية. وعندما سألتُ المدير الليلي للفندق عن مولانا فضل الله، قائد «طالبان» الذي يوجد مقره على بعد بضعة أميال فقط من الفندق، وضع أصبعه على شفتيه، وحرك رأسه عاكساً الرد الوطني على «طالبان» سوات: (إذا تجاهلتهم، فإنهم سيرحلون). والواقع أن تلك السياسة، التي انتقدها الكثيرون باعتبارها نوعاً من المهادنة، كانت معقولةً ومنطقية في سياق التاريخ والثقافة المسالمين نسبيا لمنطقة «سوات»؛ غير أنه بعد زيارتنا للمنطقة بفترة ليست طويلة، شرع رجال «فضل الله» في تغيير ملامح الإرث الغني الذي يزخر به الوادي عندما نسفوا بعض تماثيل بوذا، محاكين تدمير «طالبان» لتماثيل بوذا العملاقة في باميان بأفغانستان. وفي أكتوبر 2007، عدتُ إلى «سوات» من أجل إجراء مقابلة مع فضل الله؛ ولكن الفندق هذه المرة كان خالياً من الزبائن، وكانت «طالبان» قد بدأت في تنفيذ عقوبة الجلد أمام الملأ. وفي غضون أشهر فقط، كان فضل الله، قد حوّل «سوات» من وجهة سياحية يقصدها الناس طلباً للراحة والاستجمام إلى معقل للمقاتلين. ومع ذلك، تشبثت الحكومة الباكستانية بالأمل في رحيله. ولكن فضل الله خطا بعد ذلك خطوة كبيرة وجريئة تجاوزت الحدود حين خرجت مجموعة من مقاتليه من «سوات» إلى منطقة «بونر» المجاورة، مما جعلهم أقرب من أي وقت مضى من العاصمة إسلام أباد؛ فأثار ذلك أخيرا انتباه الجيش الباكستاني، الذي شرع منذ ذلك الوقت في قصف «طالبان». وتمكن، حسب المتحدثين باسم الجيش، من إرغام «طالبان» على التراجع من «بونر» واسترجاع مينجورا، المدينة الرئيسية في سوات، وإعادة فرض سيطرة الحكومة على الوادي. الآن يحدو الكثيرَ من الأوساط الأمل في أن يستفيد الجيش الباكستاني من هذا الزخم في المعركة الأكثر أهمية – في جنوب وزيرستان، معقل الزعيم الإرهابي بيت الله محسود والكثير من مقاتلي «القاعدة»، ولاسيما، بعد أن سلمت الولايات المتحدة الأميركية باكستان الأسبوع الماضي أربع مروحيات شحن من طراز «إم. آي. 17» لدعم الجيش في حربه معه «طالبان». وقد وصف الرئيس الباكستاني «عملية سوات» بأنها «البداية فقط»، وأعلن وسط التشجيعات الغربية: «إننا سندخل وزيرستان». غير أنه ينبغي التقليل من هذا الحماس. فصحيح أن إدارة أوباما أظهرت واقعية في سياستها تجاه أفغانستان وباكستان، غير أنه إذا كانت تريد النجاح هناك، فعليها أن تشجع الجيش الباكستاني على عدم الدخول إلى وزيرستان– في الوقت الراهن على الأقل. فخلافاً لـ«سوات»، خضع جنوب وزيرستان لنفوذ «طالبان» طيلة معظم العقد الماضي. ففي مارس 2004 دخلت القوات الباكستانية هذه المنطقة القبلية في محاولتها الأولى لسحق المقاتلين؛ ولكن بعد شهر على ذلك، كانت «طالبان» توجه ضربات للجيش، وكان الرئيس السابق برويز مشرف يبحث عن استراتيجية للخروج. ومنذ ذلك الوقت، ردت «طالبان» عدداً آخر من العمليات، واختطفت في 2007 أكثر من 200 جندي. فهل يعني ذلك أنه من الصعب على الجيش الباكستاني أن يهزمها اليوم؟ ليس بالضرورة. غير أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن الجيش الباكستاني يستطيع أن يواصل الحرب ضد فلول «طالبان» في «سوات»، ويظل منتشراً بقوة بمحاذاة الحدود مع الهند، ويخصص عدداً كافياً من الجنود في جنوب وزيرستان في آن واحد. أما المشكلة الأخرى، فتكمن في مصادر قوة الجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان: ذلك أن لديهم عدداً متساوياً تقريباً من الأصدقاء والأعداء «الجهاديين». وفي مناطق الوزيريين (يذكر أن المنطقة تسكنها قبيلتان: الوزيريون وآل محسود)، ينظر بعض الباكستانيين إلى أحد زعماء «طالبان»، ويدعى «مولفي نظير»، باعتباره مصدر قوة استراتيجيا، ورجلا «جيداً» همه الوحيد محاربة الأميركيين في أفغانستان، غير أن نظير بات يحظى بمكانة لدى الجيش حين طرد مئات المقاتلين الأوزبك من المناطق «الوزيرية» في مارس 2007. الحكومة الباكستانية رصدت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل رأس «بيت الله محسود»، مقارنة مع 600000 دولار خصصتها إسلام آباد لمن يساعد على القبض على فضل الله. والواقع أن لا أحد يعرف ما إن كان خطر محسود أكبر بثماني مرات من خطر فضل الله، ولكن الأكيد أنه قادر على ارتكاب أعمال إرهابية أكثر فظاعة وكارثية. كما أن وكالات الاستخبارات الباكستانية والأميركية تعتقد أنه يقف وراء اغتيال بينظير بوتو. غير أن «نظير» ليس ملاكاً، حيث استهدفت عدد من الضربات بواسطة طائرات «درون» الأميركية - ومن ذلك الهجوم الذي أودى بحياة عضو تنظيم «القاعدة» الخبير في صناعة أسلحة الدمار الشامل - المنطقةَ التي تقع تحت سيطرته. ولكن الجيش الباكستاني لن يأتي إليه، وهو يعلم ذلك. ثم إنه بدا غير منزعج أو محرج من الشائعات بشأن غزو وشيك. ومن ناحية، يمكن القول إن جنوب وزيرستان و«سوات» يشبهان أفغانستان والعراق في 2003: ذلك أن الذهاب إلى الأخير من شبه المؤكد أن ينسف النجاحَ الذي تحقق في الأول. والحقيقة أن معركة باكستان ضد «طالبان» لن تُكسب أو تخسر في المرتفعات، وإنما في قلوب الباكستانيين العاديين، وبخاصة البشتون الذين يعيشون على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية. نيكولاس شميدل زميل مؤسسة «نيو أميركا فاونديشن» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©