حسونة الطيب (أبوظبي)
لم تسلم الدول الغنية من الدمار الذي ألحقه فيروس كورونا باقتصاداتها، في حين يغفل العالم عن الضرر الذي يمكن أن يسببه للدول الفقيرة، الذي ربما يكون أسوأ بكثير. ومن دون حملات قوية لتوعية الناس بالبقاء في منازلهم، من المتوقع إصابة ما بين 25 إلى 80% من سكان العالم بالفيروس، بحسب «ذا إيكونوميست».
ومن بين هؤلاء، 4.4%، ستكون حالاتهم سيئة للغاية، بينما يحتاج أكثر من 30% منهم البقاء في غرف الإنعاش. ويعني ذلك بالنسبة للدول الفقيرة، كارثة صحية حقيقية.
وفي حين، لم يتم التوصل لعلاج أو لقاح لهذا الفيروس حتى الآن، قام بعض المستثمرين الأجانب، بسحب نحو 83 مليار دولار من الدول الناشئة منذ بدء الأزمة، في أكبر عملية تدفق الأموال للخارج في تاريخ المنطقة، وفقاً لمعهد التمويل الدولي. وربما تتوقف عمليات تحويل الأموال التي تعتبر بمثابة شبكة الأمان في أوقات الشدة، نظراً لفقدان المهاجرين لوظائفهم في البلدان الغنية. ويبدو أن العزل الاجتماعي مستحيل، خاصة للذين يعيشون في الأحياء الفقيرة المزدحمة، بينما غسل اليدين ليس متاحاً في ظل عدم توفر شبكات المياه. وعندما تطلب الحكومات من الناس عدم الذهاب للعمل، ويعني ذلك عدم الحصول على لقمة عيشهم، لن يستجيب أحد لمطالبها.
لذا، من المرجح انتشار فيروس كورونا في كافة أرجاء الدول الفقيرة، وهي لا تملك نظم الرعاية الصحية الكافية والملائمة للتصدي لهذا المرض. والعديد من هذه الدول، غير قادرة على محاربة الأمراض المعدية المتفشية فيها سلفاً، ناهيك عن فيروس جديد وشديد العدوى. وبالمقارنة، نجد أن ما تنفقه باكستان على 200 فرد للرعاية الصحية، تنفقه أميركا على واحد فقط. وغالباً ما تكون الدول الفقيرة، أكثر تأثراً بالأوبئة، حيث راح 6% من سكان الهند ضحايا للأنفلونزا الإسبانية.
ولم تتخذ العديد من الدول الفقيرة، التدابير اللازمة التي تحول بينها وبين انتشار الفيروس حتى الآن. لكن تلوح بوارق الأمل في أن نسبة كبيرة من سكان هذه الدول الفقيرة من الشباب، حيث يقدر متوسط العمر في أفريقيا بنحو 20 عاماً، ما يعني قوة المقاومة لكوفيد-19. كما يعيش نحو 65% من الأكثر فقراً والذين يبلغ متوسط دخلهم السنوي دون 1000 دولار، في الريف، بالمقارنة مع أقل من 20% في الدول الغنية.
ورغم النسبة الكبيرة من الشباب في التركيبة السكانية في الدول الفقيرة، لكن ربما تكون المناعة والرئتين لديهم ضعيفة، نتيجة لسوء التغذية وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى مثل السل وغيره. ليس من السهل على الحكومات، القيام بعمليات الإغلاق والمؤسسات التخلي عن العاملين، ما لم تتوافر لديها أموال كافية.
في غضون ذلك، تقلص الطلب على السلع التي تعتمد عليها العديد من الدول الناشئة، من خام النفط إلى الزهور الطبيعية، فضلاً عن توقف الرحلات السياحية لهذه البلدان. وتواجه الكثير من الدول الفقيرة، أزمةً في ميزان مدفوعاتها وانهياراً في العائدات الحكومية، في الوقت الذي تحتاج لزيادة الإنفاق على الصحة والواردات ومساعدة أفراد شعبها.
وحان الوقت لأن تكون الدول الغنية، أكثر سخاء مع نظيراتها الفقيرة، بينما أعلن صندوق النقد الدولي، إطلاق برنامج إقراض بنحو تريليون دولار. وقدمت الصين بالفعل، مساعدات لدول فقيرة تمثلت في بعض المعدات الطبية.
وأظهرت الحملات الماضية ضد الأيدز والملاريا، ضرورة تضافر الجهود العالمية، للحد من انتشار الأوبئة. ويبدو أن الوقت قد تأخر لتفادي موت عدد كبير من الناس، بيد أنه لم يتأخر بعد للحيلولة دون وقوع كارثة بشرية يروح ضحيتها الملايين من الناس. ومن مصلحة الدول الغنية، مساعدة الأخرى الفقيرة، لأنه في حال تُرك للفيروس حرية الانتشار، سيعاود حتماً الرجوع لهذه الدول الغنية مرة أخرى.