أبوظبي (الاتحاد)
منذ قديم الزمان أبصرت المرأة الخليجية رمالاً صفراء مترامية الأطراف ممتدة على مرمى البصر، وشمساً تغرب لتلون الأفق باللون البرتقالي الدافئ، وبعدها يشتد الغروب، فيتحول لون البادية إلى الأحمر، هذا المشهد الطبيعي كان الجندي المجهول في تأسيس أعرق الفنون الخليجية التراثية، فمن قلب هذا المشهد خرجت حرفة السدو الخليجي.
الأحمر، البرتقالي والأصفر، تلك الألوان التي تميز السدو الخليجي بشهرته الواسعة في كل البلدان الخليجية، خرج من بين أصابع سكان البادية قديماً واستمر حتى الآن، وكانت البيئة سبباً في بداية هذا الفن التقليدي.
واعتمدت صناعة السدو في بدايتها على الأعشاب الصحراوية التي استخرجت منها المرأة الأصباغ اللازمة لصبغ الخيوط، فلجأت لنبات العرجون، الذي يعطيها لوناً برتقالياً مائلاً إلى الأصفر، واستخدمت الشبة واللومي لتثبيت الألوان، ومع مرور الزمن لجأت إلى الأصباغ الكيميائية التي تسهل عليها عملية الصباغة.
الأشكال الهندسية كانت ضمن المواد الخام المسؤولة عن نسج السدو، وبمبدأ التناسب والانتظام بدأت عملية النسج التي تأثرت بالنسق العام لجسد الإنسان، واعتمدت الصانعة الماهرة على الأشكال المثلثة، والخطوط المتوازية والمتقاطعة، ولم تنس المرأة البدوية أن تضيف لمستها الجمالية الخاصة وذوقها الراقي على هذه الحرفة التقليدية، فزينت منتجاتها بالدرز والجدائل الملونة، وفي فترة لاحقة أضافت الجلود، ولكن كانت معظم النقوش مستوحاة من الأشكال الهندسية الأموية والعباسية، وأشهرها القباب، والهلال.
شكّل السدو جزءاً مهماً من تاريخ الحياة في منطقة، فمنه صنعوا بيوتهم المتنقلة التي تناسب طبيعة حبهم للترحال بحثاً عن مصادر الحياة في الصحراء، فتحول إلى بيت الشعب، وهو الاسم الذي يطلقونه على مساكنهم المتحركة، وأحياناً أخرى يشكل السدو العدول، وهي أكياس لحفظ الأرز، ومنه صنعوا البسط والمفارش التي تزين الديوانيات، وهناك أيضاً السفايف، وهي خيوط تصنع من ألوان زاهية لتزين ظهور الخيول والإبل.
ولم ينس البدو أن يكون السدو أحد أركان أثاث المنزل، فصنعوا منه المساند، التي يتكئ عليها الجالسون في الديوانية، وداخل كل المنازل الخليجية قطعة من السدو، فهي تراث لا يستغنى عنه سكان الخليج، رغم تقدم الزمن وتحول الحياة إلى المدنية إلا أنهم أخذوا حرفتهم التقليدية معهم إلى منازلهم الحديثة، ولم يتركوها وحيدة لتندثر في الصحراء.