خولة علي (دبي)
تحتضن الأسر أفرادها خلال فترة «البقاء في المنزل»، وتعيد تنظيم حياتهم، وتجديد علاقتهم، وتمنحهم روحاً أكثر إيجابية، باعتبار ذلك فرصة يتواصل فيها الآباء مع الأبناء، ليتعرفوا عليهم عن قرب، لبناء علاقات أكثر نجاحاً معهم، ولتستعيد البيوت استقرارها من جديد، في ظل تلاحم أفرادها وترابطهم.
أكدت ناعمة خلفان الشامسي، مستشارة نفسية وأسرية، أن البقاء في المنزل فرصة الأب للتقرب من أبنائه، والتعامل معهم بلطف أكثر، خصوصاً من كانوا لا يلتقون بأبنائهم، فتكونت فجوة فيما بينهم، وهذه اللحظة قد تكون صعبة بعض الشيء، ولكنها فرصة، ولا بد أن يسعى الآباء إلى سد الثغرات والفجوات التي ولدتها ظروف الحياة، والعمل على منح أنفسهم فرصة أن يتعرفوا على أبنائهم، لتعزيز الكثير من المفاهيم التي لربما يجهلها أبناؤهم، ولكن دائماً نقول لا بد من الحوار البناء والفعال، وعدم الدخول في صدام مع الأبناء من شأنه أن يجعلهم ينفرون وينسحبون شيئاً فشيئاً عن مجالسات آبائهم، بما أن التعليم جاء عن بُعد، فهذه أيضاً فرصة أن يتابع الآباء أبناءهم واحتواءهم أكثر.
تجاوز السلبيات
وأوضحت أنه يمكن أن يمارس الآباء بعض الأنشطة الترفيهية والمسلية، والرياضية البدنية مع أبنائهم في حديقة المنزل، أو المهارات الاجتماعية من خلال إنجاز بعض المهام المنزلية، فهذا بدوره يعزز القيم، ويمكن إعداد طبق عشاء مشترك مع الأبناء، وهذا سيعزز الكثير من المشاعر لدى الأبناء، ويجعلهم أكثر قرباً.
وتضيف الشامسي: أتمنى أن تخرج الأسرة من هذه التجربة، وقد تعلمت الكثير من الدروس منها، أهمية تخصيص أوقات للجلوس مع أبنائهم، وأهمية التفات الآباء حول أبنائهم واحتوائهم، والتعرف على مشاكلهم، ولا بد من استغلال هذه الفرصة بشكل إيجابي والابتعاد عن المؤثرات السلبية.
تعزيز الحب
وأشارت الدكتورة ندى فنري مدربة التنمية البشرية: «شخصيات الأبناء تتشكل في محيط الأسرة، وقد تطرأ الكثير من الأمور خلال أحداث ومواقف تؤثر فيهم، حيث يحاول الأبناء بناء عالمهم، ونحن الكبار قد تزعجنا، شخصيتهم المستقلة، وربما بعد فترة البقاء في المنزل، قد تصدر سلوكيات غير محببة، رغم أن هذه المرحلة تعتبر فرصة لإعطائهم تجربة فريدة وغنية تبقى بالذاكرة، مليئة بالمشاعر والأفكار تغطي احتياجاتهم النفسية بطريقة مختلفة، وعلى رب الأسرة أن يكون قدوة في تتبع الإرشادات والقوانين، لأن هذه طريقة ملائمة ليروا فينا الانتماء وحب الوطن والحفاظ عليه، ودائماً تعزيز الحب والولاء يعطي الشعور بالأمان بأنه ينتمي لأسرة أكبر من أسرته أنه ينتمي لعالم أرحب، وهو وطنه وأيضاً أننا جزء من العالم نتأثر كلنا بما يحدث، وهذا يساعده على توسيع رؤيته، وقد تكون الفترة الحالية فرصة للحوار والتفاهم ومشاركتهم الكثير من الأنشطة، وضرورة تغيير مفهوم الاجتماع العائلي من واجب إلى متعة وخلال المرح نأخذ بالاعتبار عدم التوتر من سلوكياتهم، والمسامحة إزاء تصرفاتهم غير الجيدة، لأن نظرتنا للحياة الآن قد تنعكس على تصرفاتهم وتحدث بعض المشكلات، لذلك نحتاج لضبط النفس.
جوانب إيجابية
وقالت الدكتورة إسراء شاكر أستاذ علم النفس: «رب ضارة نافعة»، هذه العبارة تثبت صحتها في ظرفنا الحالي، فالظروف الحالية وإن كانت صعبة، إلا أن لها جوانب إيجابية كثيرة، وخاصة على الأسرة من أبناء وآباء وأمهات وزوجات، حيث إن مشاغل الحياة اليومية لم تكن لتعطي الفرصة أمام الآباء والأبناء بالاستمتاع بأشياء لم تكن ذات معنى بالسابق، فكل لحظة تمر من عمرنا وعمر أبنائنا لن تعود وكم فقدنا من متع الحياة بسبب العمل ومشاغل الحياة، فجاءت الفرصة الآن لترد لنا هذه اللحظات الجميلة التي فقدناها، ولتقربنا من أبنائنا ولتعقم حياتنا من الفيروسات الدخيلة التي دمرتها، فالتعقيم لم يشمل الشوارع والمباني فقط، بل شمل كل تفاصيل حياتنا، فكم من الآباء اكتشفوا جمال حياتهم المفقود، وكم من الآباء وجدوا حاجة أبنائهم لهم ولحضنهم الدافئ، فجاءت الفرصة ليبنوا جسور الود والمحبة ومشاركة أبنائهم نشاطاتهم اليومية من دراسة وممارسة هوايات وتنظيم لأوقات كانت تهدر على الأجهزة والألعاب الإلكترونية، لأنهم لم يكونوا تحت رقابة الآباء بسبب الانشغال بواجبات الحياة المختلفة.
سلوكيات خاطئة
وأشارت إلى أنها فرصة ثمينة لن تعوض وإن كانت إجبارية، إلا أنها جاءت لتعدل وتصلح من سلوكياتنا الخاطئة، وليعلم الآباء والأبناء على السواء النعم التي لدينا، ولم نكن نشعر بقيمتها، فلنجعل من هذه الأزمة رحمة لنا للود والتواصل ومشاركة أبنائنا مشكلاتهم ومساعدتهم في فهمها وحلها بطريقة ودية، ومشاركتهم هواياتهم وأحلامهم ومساعدتهم لرسم خطط مستقبلهم ومشاركتهم تنظيم أوقات فراغهم وكيفية استغلالها بشكل مفيد وممتع، كذلك نجعلهم يستشعرون نعم الله الوفيرة التي هم فيها، ونزرع التفاؤل والإيجابية لديهم بأننا أفضل من كثير من الناس من لا منزل لهم، حيث لم نفقد منازلنا أو دراستنا، فكل شيء موجود حولنا وما هذه إلا أزمة تمر بنا، وسوف نعود لحياتنا الطبيعية.
تعزيز روح المسؤولية
حسب دراسات اجتماعية، فإن القاعدة الأساسية لشرح أسباب البقاء في المنزل للمراهقين، هي: اسأل ولا تخبر، أي أن على الآباء الجلوس مع أبنائهم والدخول في نقاش معهم، من دون إعطاء الأوامر فحسب عن أسباب وفوائد البقاء في المنزل.
ويتعين على أولياء الأمور توجيه الأسئلة لأطفالهم لتعزيز روح المسؤولية لديهم بشكل غير مباشر، من قبيل: لماذا تعتقد أننا نبقى في المنزل؟ برأيك، ما هي عواقب لقائك مع أصدقائك؟ وإذا ما تسللوا إلى خارج المنزل في هده الفترة، لا تحولوها إلى دراما كبيرة وعوضاً عن ذلك يجب تكرار الحديث معهم بشأن فوائد البقاء في المنزل وألا يقوموا بالتسلل إلى خارج المنزل مرة أخرى.
ويجب على أولياء الأمور ألا يحاولوا فرض العقاب على أبنائهم المراهقين من خلال حرمانهم من وسائل الاتصال التكنولوجية مع أقرانهم، وضرورة الابتعاد عن تعنيف الأطفال أو الإكثار من إصدار الأوامر لهم لما يترتب عليه من آثار نفسية سلبية.
خليفة المحرزي: اتبعوا 7 «تاءات» تربوية
دعا المستشار الأسري خليفة المحرزي، الآباء إلى استثمار الوقت مع أبنائهم خلال فترة الحجز المنزلي، واعتبارها فرصة لتطبيق نظرية التاءات السبع التربوية، التي تعزز العلاقة بينهم بصورة جداً كبيرة، وهي «التواصل - التعاون - التشارك - التفاعل - التبادل - التلامس - التقارب»، حيث تعتبر هذه «التاءات» فرصة سانحة لتجديد العلاقة التربوية عند الأطفال، والتي تحاول المنظومة التربوية زرعها في الطفل في فترات عمره الدراسية المختلفة.
أوضح أنه من الأمور الأساسية التي سيفتقدها الأبناء، خلال فترة بقائهم في المنزل، نظام حياتهم المعتاد، حيث النظام الدراسي اليومي، وفرصتهم للتواصل مع محيطهم الاجتماعي الخارجي، وفقدانهم جانباً من الشعور بإنجاز الأشياء، وعلى الآباء التعويض، من خلال وجودهم مع أبنائهم، وإيجاد برامج وأنشطة يومية في المنزل.
وقال: على الآباء أن يدركوا 3 أمور أساسية يحتاجها الطفل خلال فترة بقائه في المنزل، وهي: القيام بالأدوار وتعزيز الهوية والإنتاجية، ومن الطرق التي يمكن بواسطتها لأولياء الأمور مساعدة الأطفال على الشعور بالإنتاجية، أثناء وجودهم في المنزل، تمكينهم من المساعدة في الأعمال والمهام المنزلية كالطهي أو ترتيب الأشياء، أو تركيب بعض الأدوات أو الزراعة المشتركة، وغيرها الكثير من الممارسات.
كما أوضح، أنه أياً كانت تلك الأدوار التي يقوم بها الطفل خلال فترة العزل، سواء صغيرة أو كبيرة، فإن ذلك يساهم في قتل الفراغ لدى الطفل، وترسيخ القيم الأسرية، وتعزيز الإنتاجية في الوقت ذاته، فيمكن للآباء تعليم أبنائهم الصغار، كيفية صنع كوب من الشاي، أو عمل المعكرونة، أو المهام المنزلية الأخرى.
12 دقيقة للأب مع أبنائه
أشارت إحصاءات عالمية إلى أن الآباء يمضون 3% من وقتهم مع أولادهم، بمعدل نحو اثنتي عشرة دقيقة يومياً، وهي نسبة متدنية، مقارنة بالوضع في الدول الغربية، حيث تصل إلى ما يقرب من 36% بمعدل ثلاث ساعات في اليوم الواحد، قبل 35 عاماً، ولكن ليس الوقت هو المهم، إنما نوعية وجود الأب في حياة أولاده. كما تؤكد الدراسات أن الأبناء الذين حظوا بوجود دور فعال للأب في حياتهم، تكون لديهم مشكلات سلوكية أقل من أقرانهم، كما تكسبهم الكثير من المهارات السلوكية، لأن وجود الأب في حياة أبنائه عامل مهم جداً، فالأبناء الذين يجدون آباءهم حولهم، يتميزون اجتماعياً ودراسياً، ويصبحون أكثر اتزاناً في الجانب العاطفي والنفسي والوجداني عمن يفتقدون دور الأب.