في الماضي كانت هناك إشكالية تثير الجدل بين صناع الأدب وصناع الدراما، وهي حدود تدخل المخرج في النص الأدبي عند تحويله إلى دراما تلفزيونية أو أفلام سينمائية، ووقوع خلاف كبير بين الطرفين من دون حسم. لكن هذه الإشكالية انتهت الآن لأنه لم يعد هناك تحويل للأعمال الأدبية إلى درامية إلا في حالات نادرة. ثم ظهرت إشكالية تحويل الأفلام إلى مسلسلات وهو ما أجمع النقاد على فشله إذ أن هناك أفلاماً ناجحة سقطت سقوطاً مدوياً عندما تحولت إلى مسلسلات. وكانت هناك أيضاً إشكالية مسلسلات الأجزاء التي يرى كثيرون أنها مجرد «بيزنس» وأن معظم الأعمال الدرامية لا تصلح لتحويلها إلى أجزاء. والآن هناك قضية الثقافة الشعبية وعلاقتها بالدراما والتفتيش في مناطق درامية جديدة غير مطروقة مثل منطقة الصعيد في جنوب مصر التي بدأ صناع الدراما يفطنون إلى ثرائها الثقافي ويتفاعلون في أعماقها بعد أن كان تناولها يتم بشكل سطحي في الماضي.
أجيال الإبداع
وحول «أجيال الإبداع في الدراما التلفزيونية» عقدت ندوة بالقاهرة شارك فيها يسر السيوي المتخصصة في تحويل الأعمال الأدبية إلى دراما تلفزيونية كرواية «خالتي صفية والدير»، و»الوسية»، و»الحب أكبر من القتل»، وعبد الرحيم كمال مؤلف مسلسل «الرحايا حجر القلوب» بطولة نور الشريف الذي عرض في رمضان الماضي، وفيلم «على جنب يا أسطى» لأشرف عبد الباقي، ومسلسل «شيخ العرب همام»، المقرر عرضه في رمضان المقبل بطولة يحيى الفخراني. وأدارها الناقد حسن سرور الذي قال إنه يحرص على تأكيد تغلغل الثقافة الأدبية والشعبية، وفي مقدمتها الرواية العربية في الدراما التليفزيونية المصرية خلال فترة الستينات من القرن الماضي، وتمثلها يسر السيوي. وخلال فترة التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين، ويمثلها عبد الرحيم كمال.
وقالت يسر السيوي: أفضل كتابة المسلسلات التلفزيونية المأخوذة عن أعمال أدبية لأنها أعمال إبداعية ثقافية لها جذور مجتمعية تهم شرائح وفئات مختلفة. ثم يأتي دوري ككاتبة لسيناريو حيث أضيف إلى العمل الأدبي قيمة من إبداعي كسيناريست من دون المساس بقواعد وأهداف وأفكار هذا العمل. وهذا لا يقلل من قيمة العمل الأدبي وهناك روايات كثيرة عندما تتحول إلى أعمال درامية يزداد الإقبال على شرائها.
وأشارت إلى أنها نجحت في تحقيق هذا المضمون في رواية «خالتي صفية والدير» للمؤلف بهاء طاهر التي حولتها إلى مسلسل تليفزيوني، ولقي نجاحاً جماهيرياً واستجابة من الناس.
بعيداً عن التجارة
وقالت يسر السيوي إنها تعد من المحظوظين لانتمائها لجيل الستينات من القرن الماضي الذي شهد تفجر الإبداع في مجال الرواية، وقدم العديد من الأعمال التي تم تحويلها إلى أعمال فنية أدت إلى حالة من التوهج الثقافي لتلك الأعمال على الرغم من هبوط مستوى التقنيات في تلك الفترة، علاوة على أن إنتاج تلك الروايات وتحويلها إلى أعمال درامية كان يتم وفقاً لحسابات بعيدة عن الناحية التجارية وهو ما أعطاها الثقل بعكس المرحلة التي تدخل فيها «البيزنس» حتى طغى على قيمة العمل وأدى إلى هبوط تلك الأعمال.
وعن مسيرتها في عالم الدراما التلفزيونية قالت يسر السيوي: واجهت إشكالية في البداية بسبب عملي في الرقابة على الدراما التلفزيونية مما جعلني خصماً وحكماً في الوقت نفسه، وهو ما تغلبت عليه عبر عرض كتاباتي على نقاد من خارج التليفزيون لضمان الحياد لأبدأ مسيرتي في الكتابة كسينارست، والتي تميزت بأن معظمها مأخوذ عن روايات أدبية بداية من مسلسل «السكرتيرة الجديدة» بطولة الراحل حسن عابدين ووفاء سالم. وكانت في الأصل رواية للكاتب أحمد بهجت ثم فيلم تسجيلي عن رائدة تعليم الفتيات في مصر نبوية موسى. ومسلسل «الوسية» الشهير الذي اعتبره سيرة تؤرخ لمصر في فترة ما قبل ثورة يوليو والحركات الوطنية الاجتماعية والثقافية.
وأكدت رفضها لظاهرة تحويل الأفلام إلى مسلسلات لأنه لا يمكن أن نطيل أحداث فيلم مدته ساعة ونصف الساعة إلى 22 ساعة من المواقف والمشاهد، وهو ما جعل مسلسلين مثل «رد قلبي»، و»الصبر في الملاحات» يفشلان. مشيرة إلى أن المسألة نفسها تنطبق على تحويل المسلسلات إلى أجزاء فهي لا تصلح كلها لتنفيذ تلك الفكرة حيث إن الروايات التي تستعرض أزماناً وحقباً تاريخية متتالية هي فقط التي يصلح معها أسلوب الأجزاء كمسلسلي «بوابة الحلواني»، و»رأفت الهجان».
المؤلف الضعيف
وتناول الكاتب عبد الرحيم كمال مسألة «النجم الأوحد» الذي يختار ويعدل النص كيفما يشاء ويختار الممثلين. قائلاً: هناك معايير مستحدثة وتطورات إنتاجية جعلت تلك الظاهرة تزداد في الآونة الأخيرة إلا أنها مرتبطة بالمؤلف الضعيف، لكن النجم الحقيقي عندما يجد نصاً محترماً لا يستطيع إلا أن يكون فرداً ضمن فريق العمل الذي يضم المؤلف بالطبع وهو ما يجعل العمل الدرامي ينجح لأنه مجهود جماعي. مستشهداً بمسلسل «الرحايا حجر القلوب» الذي عرض في رمضان الماضي ولقي نجاحاً جماهيريا حيث لم يقدم بطل المسلسل نور الشريف على تغيير حرف واحد من النص، مشيراً إلى أن إحدى أهم سمات الكاتب في المرحلة الحالية لكي يتفوق أن يكون لديه هدف واضح من السيناريو الذي يقدمه، وعليه أن يتجنب الأفكار والأنماط التقليدية الموجودة في أذهان المشاهدين وهو ما نفذ في مسلسل «الرحايا» الذي استلهم فكرته من انتمائه لتلك المنطقة الواقعة في مركز أخميم بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، وحاول من خلال عمله الأدبي عرض الصورة الحقيقية للرجل الصعيدي التي لا تنحصر في الجلباب والصوت الخشن، بل هو إنسان يعيش حياة لها خصوصية تتمثل في تمسكه بالأعراف والتقاليد بسبب الطبيعة الجغرافية للصعيد، التي تأثرت في الفترة الأخيرة بالعديد من المتغيرات الاجتماعية والفكرية لأسباب متعددة، مما خلق ما يشبه الصراع بين المتمسكين بتلك الأفكار والقيم والمتأثرين بالأفكار والمتغيرات الخارجية وحب المال والسطوة.
عصر وانتهى
وقال إنه يكرر تلك التجربة حالياً مع يحيي الفخراني في مسلسل «شيخ العرب همام»، وهي شخصية مصرية حقيقية ظهرت في الصعيد إبان عصر المماليك في عام 1776 حيث استطاع أن يستقل بحكم جنوب مصر من أسوان وحتى المنيا على الرغم من قوة المماليك في ذلك الوقت بقيادة علي بك الكبير. موضحا أنه مهتم في تلك الأعمال الأدبية الدرامية برصد المشاعر الإنسانية التي تتصف بأنها أبدية وتتنقل من جيل إلى جيل ومن شأنها أن تجعل المشاهد يشعر بشغف لقراءة العمل الأدبي. وبالنسبة للرقابة على الكتابات التلفزيونية قال إن عصر الرقابة بمعناه القديم انتهى. مستشهداً بكم الأفلام والأعمال الدرامية التي تتناول بالنقد سياسات مختلفة تمس كل الجهات بلا ممانعة حقيقية.