أبوظبي (الاتحاد)
دعا خبراء وباحثون دوليون في مجالات علم الأوبئة والصحة العامة والاقتصاد والعلاقات الدولية في ختام أول ندوة علمية عن بُعد نظمها مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، مساء أمس الأول، تحت عنوان «مواجهة تحديات وباء كورونا المستجد: مشهد عالمي جديد»، إلى ضرورة تعزيز التعاون الدولي لإيجاد حلول ذكية مستدامة لمواجهة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، وتركيز الاستثمارات في الأبحاث العلمية الخاصة بالأوبئة، وكيفية علاجها في المستقبل.
وفي بداية الندوة قدم البروفيسور موريزيو باربيشي، مستشار المدير التنفيذي لبرنامج طوارئ الصحة العالمية لدى منظمة الصحة العالمية بسويسرا، رؤية المنظمة لكيفية مواجهة وباء كورونا، مشيراً إلى أن العالم يمر بفترة عصيبة، وأن هذا الوباء قد يحدث تغييرات واسعة وعميقة على العالم في المستقبل القريب، في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والتجارية والرياضية. وأكد باربيتشي أن الإجراءات التي اتخذتها العديد من دول العالم لاحتواء انتشار الوباء، مثل تعليق الرحلات الجوية، لم تكن فعالة بما يكفي، ولهذا من المهم البحث عن حلول ذكية تقضي على هذا الوباء بشكل تام، لأنه لو عاد مرة أخرى في فترة لاحقة واتبعنا الإجراءات نفسها فإننا لم نتعلم الدرس بعد.
وأوضح مستشار المدير التنفيذي لبرنامج طوارئ الصحة العالمية أن التجارب التي نجحت في التعامل مع فيروس كورونا في بعض الدول ربما تنجح أو لا تنجح في دول أخرى، لأن هذا يتوقف على الإمكانيات والقدرات الصحية بالأساس، فعلى سبيل المثال فإن الحل الذي اتبعته كوريا الجنوبية عن طريق استخدام أجهزة المتابعة المستمرة للحالات المصابة والكشف عن المصابين، قد لا يناسب دولاً أخرى، ولهذا فمن الضروري البحث عن حلول ذكية مستدامة لمواجهة فيروس كورونا، وغيره من الأوبئة التي قد تظهر في المستقبل.
الإنفلونزا الإسبانية
وفي السياق ذاته، أكد البروفيسور جُلفراز خان أستاذ علم الأمراض الفيروسية ورئيس قسم الأحياء الدقيقة الطبية والمناعة في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الإمارات في كلمته، أن وباء كورونا كشف بوضوح ضعف الاستعدادات الدولية في التعامل مع الأوبئة المتفشية، لافتاً الانتباه إلى أن كورونا لن يكون الأخير، فقد تعرض العالم للعديد من الأوبئة عبر العصور المختلفة، التي أودت بحياة ملايين من البشر، ففي القرن العشرين على سبيل المثال، تراوح عدد ضحايا الإنفلونزا الإسبانية في العام 1918 ما بين 17-50 مليون شخص، وفي الثلاثين عاماً الماضية فقط، ظهرت العديد من الأوبئة، مثل إنفلونزا الطيور والسارس وإيبولا في مناطق مختلفة من العالم، ولهذا فإن علينا الاستعداد من الآن لظهور فيروسات وأوبئة جديدة في المستقبل، وذلك باتخاذ خطوات غير تقليدية. وشدد جُلفراز خان على ضرورة تعزيز الاستثمار في الأبحاث العلمية بشأن الأوبئة من أجل احتواء التداعيات السلبية التي قد تنجم عنها في المستقبل حتى لا تؤثر بشكل خطير على العالم كما يفعل «كوفيد- 19» الآن.
تداعيات مختلفة
أما الدكتور حسين إيبش، باحث مقيم أول بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، فقد تناول في كلمته التداعيات السياسية والأمنية لفيروس كورونا على العالم، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتخذتها العديد من دول العالم، من حظر وعزل وتباعد وإغلاق لبعض المؤسسات، وجدت ترحيباً لدى الأحزاب الشعبوية في العديد من الدول الغربية، لأنها تتماشى مع توجهاتها في الانكفاء على الذات، وتحميل المهاجرين مسؤولية الأزمات التي تواجهها هذه الدول، بما فيها انتشار فيروس كورونا، ولكن مع ذلك فإن أزمة وباء كورونا ربما تؤدي إلى تعزيز التعاون الدولي في المستقبل، لأنه ليس في مقدور دولة أو مجموعة دول مهما كانت قدراتها أن تتصدى لهذه النوعية من الفيروسات. ودعا إيبش إلى إحياء التعددية الدبلوماسية، لأنها ضرورية لكي تعمل الدول معاً من أجل القضاء على هذا الوباء.
التأثير الاستراتيجي
في السياق ذاته، رأى الدكتور ديفيد ماير الأستاذ المشارك في الأمن والدراسات العالمية ومدير برنامج الماجستير في الدبلوماسية بكلية الأمن والدراسات العالمية في الجامعة الأميركية بالإمارات، أن أزمة وباء كورونا لن تنهي النزاعات الإقليمية والدولية، بل قد تفاقمها، والدليل على ذلك تبادل الاتهامات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول المسؤولية عن انتشار هذا الفيروس والفشل في التصدي له، واتهام بكين بإخفاء بعض المعلومات الضرورية عنه.
وأكد ماير ضرورة التعاون الدولي في التصدي لهذا الوباء، فتبادل المعلومات مهم للغاية ليس فقط للتعامل مع وباء كورونا، وإنما أيضاً مع مختلف التحديات الأخرى التي تهدد الأمن والسلم الدوليين كالأحداث الإرهابية أو الأزمات الاقتصادية والمالية. وحذر ماير من أن العالم مقبل على مرحلة من الركود ربما تفوق أيام الكساد العظيم في القرن الماضي، وخاصة إذا استمر الحجر الصحي لفترة طويلة.
وأضاف ماير أن التأثير الاستراتيجي لهذا الوباء هو أن الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لن تقبلا بالطريقة التي تمارس بها الصين التجارة، وسوف تغيران سلسلة إمداداتهما، وتضطران إلى فرض مزيد من القيود على الواردات الصينية.
تجربة الصين
أما البروفيسور يونغ وانغ الأستاذ بكلية الدراسات الدولية، ومدير مركز الاقتصاد السياسي الدولي، ومدير مركز الدراسات الأميركية بجامعة بكين، فقد ألقى الضوء في كلمته أمام الندوة على دروس تجربة الصين في التعامل مع فيروس كورونا، وكيف نجحت في احتوائه، مشيراً إلى أن الحكومة الصينية اتخذت إجراءات صارمة بإغلاق مدينة ووهان، مركز الوباء، ومناطق أخرى، وطلبت من السكان البقاء في منازلهم وسرعت من إجراءات الفحص، وتمكنت من بناء المرافق الطبية في زمن قياسي، واستعانت بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وغيرها من التكنولوجيا الحديثة للكشف عن الفيروس، وهي إجراءات يمكن اتخاذها في دول أخرى، وكلما كان تطبيقها مبكراً كانت النتيجة أفضل، وبفضل هذه الإجراءات تمت السيطرة على الوباء وتم افتتاح المصانع وأماكن العمل، وعادت الحياة إلى طبيعتها الآن في الصين.
وأكد يونغ وانغ أن التعاون بين دول، كالإمارات العربية المتحدة والصين، يمكن أن يؤسس لشراكة دولية فاعلة للتصدي لهذا الوباء، مشيراً إلى أن الإمارات تستطيع أن تقوم بدور الوسيط في التقليل من حدة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
وقد أدار حوارات ونقاشات الندوة فريق من الخبراء والباحثين من مركز «تريندز»، ضم محمود محمد شريف، مدير إدارة الدراسات الاقتصادية، ود. ستيفن بلاكويل، مدير البحوث والدراسات الاستراتيجية.
مخرجات الندوة تسهم في دعم إدارة أزمة كورونا
أعرب الدكتور محمد عبدالله العلي، مدير عام مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، عن شكره وتقديره العميقين لمختلف المؤسسات الإعلامية التي ساعدت في نجاح هذه الندوة. كما أشاد بمستوى البنية التقنية والرقمية المتطورة في الإمارات التي سهلت تنظيم هذه الندوة عن بُعد وخروجها بهذا المستوى. وأكد العلي أن الأفكار والرؤى التي نوقشت خلال فعاليات هذه الندوة الدولية تنطوي على قدر كبير من الأهمية، لأنها ألقت الضوء على تجارب العديد من الدول في مواجهة فيروس كورونا.
فيما أشار أحمد الأستاد المستشار العلمي لمركز «تريندز» إلى أن المركز يعتزم تنظيم ندوات أخرى عن بُعد في الفترة المقبلة، بالتعاون مع شركائه من مراكز البحوث الدولية، لإلقاء الضوء على التطورات والمستجدات التي تهم دول المنطقة والعالم في المجالات المختلفة.