السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"الذاكرة".. سؤال مفتوح

"الذاكرة".. سؤال مفتوح
28 مارس 2019 01:06

برعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس مجلس الإدارة في هيئة دبي للثقافة والفنون، فتح معرض سكة الفني 2019، أبوابه رسمياً للزوار في مارس الحالي، للاستمتاع بأبرز منصة ثقافية، لعرض المواهب الإبداعية والفنية الشبابية في مدينة دبي. الحدث يشكل احتفاءً نوعياً بتكوين بيئات الدعم المستدامة، لاحتضان المشروعات الإبداعية الناشئة نحو إمكانية صقلها من خلال توفير فضاءات نقاشية احترافية، إلى جانب العمل على خلق فرص أكبر للفنانين، لاكتشاف مستويات أعمق من النضج، فيما يستطيعون التعبير عنه، باعتبارهم مساهمين أساسيين في تشكيل الوعي الفني.

الأهمية التي تكمن في معرض سكة الفني، في كونه مرجعية سنوية، للاطلاع على الأبعاد الفنية الجديدة، للمبدعين، من قبل الإماراتيين أنفسهم، الذين وصلت مشاركاتهم إلى قرابة الـ 23 فناناً إماراتياً، من أصل 48 فناناً من مختلف أنحاء العالم. والسؤال الجوهري اليوم هو: كيف يمكن قراءة مشهد تفاعلهم السنوي، خاصة أن هناك فنانين شاركوا للمرة الثانية والثالثة على التوالي، ما يوحي بأن منصة «سكة الفني»، تخلق نقطة انطلاق للعديد من الفنانين الشباب، وربما قراءة رؤية المؤسسة الثقافية، ومدى تلاقيها بما يود الفنانون إنجازه.. الإجابة عن هذا التساؤل هي إحدى المسارات التي أطلعنا عليها وليد أحمد، رئيس لجنة موسم دبي الفني، الذي أوضح بأنهم سيعملون على تجهيز «معرض سكة الفني» في السنوات القادمة بأكمله، من قبل الفنانين أنفسهم، من «البوستر» الصغير، إلى تجهيز المسرح الترفيهي، ووضع الأنشطة، بحسب الاحتياجات والاهتمامات، وبصورة أكثر توضيحاً: هو أن معرض سكة الفني لن يكتفي في كونه منصة شبابية فنية، بل سيتحمل الفنانون المشاركون مسؤولية صناعة منصتهم الفنية، خلال السنوات القادمة.

قوة
القوة التي تمتلكها منصة معرض سكة الفني، ليست في طبيعة الأعمال الفنية المعروضة فقط، رغم تفاوت مستوى التقنيات الفنية، وتجارب الفنانين الشباب، ولكن في كونها منطقة ميلاد جديدة للأفراد في مجال الفنون، ما يجعلك كمتلقي، تبحث في تأمل فضاء «حي الفهيدي التاريخي» (موقع الحدث)، فالمشي عبر «السكيك»/ الأزقة القديمة، والدخول إلى البيوت الفنية العتيقة، التي يستقبلك فيها الفنانون المشاركون بأعمالهم، تشكل بانوراما من التواصل الإنساني، عبر المحاكاة البصرية، بل استشفاف كليّ للحواس، انطلاقاً من مشروع الفنانة الشابة جمانة الهاشمي، بعنوان «البخور المعطر»، التي أوضحت في قمة انغماسها في روائح البخور، مدى إمكانية أن تصدر كتاباً يتحدث عن تاريخ الرائحة عبر المكان، قائلة عن تجربتها: «أتفاجأ، في كل مرة على القدرة البديعة لدى الناس في تذكر ماضيهم عبر الرائحة، وأحياناً أخرى، يسردون تفاصيلهم اليومية، وما عايشوه في طفولتهم وجيرانهم، فعلياً في الماضي كانت الطريقة للتفاعل مع المعلومة اللحظة، مبنية على الحس، أما جيلنا فهو أكثر اعتمادا على المنحى البصري والمكتوب، نحن نحتاج مجدداً إلى إدراك مدى حساسية الشم في وعينا».

إشارات
استمر حديث جمانة الهاشمي عن أسرار عملها مع متخصصين في صناعة العطور، وجمالية التمازج بين عدة مكونات عطرية، يشبه الإسقاط اللوني المتجلي على أرضية معرض سكة الفني، وتحديداً الأزرق، الذي التقى وجودياً مع عمل الفنانة مسارات فاطمة سليماني، ممثلاً احترافية الفن اليدوي لقص الورق، وفيه «الطيور المهاجرة» السماوية، تشكل موضوعاً لـ «القبول»، في المجتمعات الجديدة، وبتلويحه صغيرة من يدي الفنانة مسارات فاطمة، التي جسدت أجنحة حالمة، يُخيّل للمتلقي كيف أنها تبحث في ماهية التنوع، مشيرة إلى ما يتمركز المعرض حوله، في تناوله لمفهوم «التسامح» عبر عنوان «نافذة الفن والتسامح»، حيث تلتقي فيه الكثير من المعاني الرمزية للأعمال الشبابية المشاركة من بينهم أيضاً، عمل للفنانة شرين سيف «حوار الصمت»، بدأت فيه من خلال سؤال: «هل تسمع يديّ؟!»، وهو إيحاء دقيق لـ «لغة الإشارة»، عبر صور فوتوغرافية، تستخدم من خلالها مسحها ضوئياً عبر تطبيق للهاتف الذكي، تكشف عن معنى كل إشارة بشكل مرئي. اللافت أن عمل شرين سيف، لم يكن الأول، في استخدامه لميزة «التفاعلية» عبر الهواتف الذكية، فقد شاركتها الفنانة الشابة مريم الزياني ونورا زيد، عبر عملهما «مصمم المستقبل»، مشكلاً بذلك «التطبيق الذكي» أبرز التقنيات المستخدمة للأعمال الشبابية، في المعرض لهذا العام.

ظلال
تغنى العزف الحيّ، في المسرح الترفيهي، على ظِلال الاحتفالية السنوية لمعرض سكة الفني، فالموسيقى أحدثت لقاءً ودياً بين حوارات الشباب المستمرة، يلحظها المتابع من خلال النقاشات الودية والنقدية بين كل عمل وآخر من جهة، وتبرز في الأعمال الفنية من جهة أخرى، وتحديداً فكرة الظل والنور، التي تم الاشتغال عليها من قبل المصورة الفوتوغرافية روضة الصايغ، التي اختارت صورة واحدة، للتعبير عن أننا مخيرون بين الوقوف في ظل الشمس أو شعاعها، متسائلة: إن «أشرقت شمس غدٍ أين ستقف؟!»، وجاء عملها تعبيراً لانعكاس الروح، وتجاوزاً للجسد المرئي، بينما عكست الفنانة الشابة فاطمة عتصر الظل، من خلال تصوير الظل نفسه، وإحداث الانعكاس من خلال إسقاط الضوء عليه، وظهورها للمتلقي على الجدار المقابل للعرض، يبدو للوهلة الأولى مرئية ساحرة، كونها تكشف بعضاً من أبعاد حضور الفنانة نفسها في الصور، وعند سؤالها عن ما يمكن أن تصنعه من قصص، باستخدام الظل، رأت فاطمة أنه بإمكاننا فعل ذلك، لأن سر القصة هو في التفاصيل، التي عادة لا ينتبه إليها الآخرون، والانعكاس بالظلال المرئية تهديك جمالها العابر إلينا.

وشاح
«عندما تبتعدين» عمل تركيبي للفنانة الشابة ميثاء حمدان، الملفت في العمل هو استخدام الفنانة لـ «وشاحات الصلاة» لجدتها، التي قضت فترة طويلة للعلاج في الخارج، قالت وقتها ميثاء: «جدتي كلما أرادت أن تهدي زائر ما شيئاً، أعطته وشاحها الذي تستخدمه للصلاة، تجدون هنا كيف كتبت مارددته من أمثال وكلمات على تلك الأوشحة، يمكنكم المرور بين الأقمشة، ستشتمون عبق رائحة عطرها، كل من مروا من هنا، استشعروا أن جداتهم كنّ هنا، لا أزال إلى اليوم أسأل نفسي، لماذا جميع جداتنا لهن نفس الرائحة، نفسها تماماً؟!»، ووقتها يمكن تخيّل أثر هذا العمل، إذا وضُع في مكان مفتوح، بالقرب من عمل الفنان الشاب محمد العلماء، الذي بدأ بقماش أبيض، يشارك فيه محمد الجمهور، على مدى 9 أيام من عمر معرض سكة الفني، يتعين فيه اختيار الضيوف للحدث ما بين 17 لوناً، يتم من خلالها طليّ اللوحة، بنثر الألوان بعفوية، بالنسبة لمحمد العلماء، فالأمر قد يؤدي إلى إنتاج عمل غريب، فهو يحمل بعداً تعليمياً، إلا أن اختيار اللون قائم على أهداف ترتبط بالتنمية المستدامة.

مشاركة
جسدت مشاركة «البيت الكويتي» ضمن فعاليات معرض سكة الفني 2019، عبر شراكة فنية تجمع بين هيئة دبي للثقافة والفنون، و«دِنْ» غاليري، و«بيت السدو» من دولة الكويت، إحدى الإسهامات النوعية، من قبل الهيئة، في استقطاب الأعمال الفنية الشبابية في منطقة الخليج. تضمنت المشاركة التعرف عن قرب بـ برنامج «سدي» وهي مبادرة السدو للفن والتصميم، يوازيه حضور الأعمال الفنية بمساراتها المعاصرة، من جهته اعتبر زيد العبيد أحد مؤسسي «دِنْ» غاليري، أنها المشاركة الأولى لهم خارج الكويت، شارك فيها نحو الـ 31 فناناً من الشباب وبعضهم رواد، معتبراً أنها مسؤولية فنية، حرصوا عبرها بتمثيل دولة الكويت بشكل متفرد، يعكس الحراك الأخير لـ 5 سنوات الماضية، التي تشهدها الكويت على مستوى الفعل الفني المجتمعي.

شعر وحكي
تشمل فعاليات معرض سكة الفني، النقاشات التفاعلية، التي تتضمن الشعر والكتابة وحكاية القصص، إلى جانب الأعمال الفنية الخارجية، المتموضعة بين سكك حي الفهيدي، في مساحة استثنائية لاستدراك المكان في الذاكرة والوعي الفني للزوار والفنانين المشاركين.

ليل ونهار
يقدم معرض سكة الفني، خلال الفترة من 16 إلى 24 مارس 2019، في حي الفهيدي التاريخي بدبي، تجارب فنية بين ما يطلق عليه «سكة نهاراً»، متضمناً فعل المتلقي بالعمل الفني، و«سكة ليلاً»، بين ما يدركه الزائر للمعرض عبر ممارسة النشاط الثقافي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©