بلباس كاهن كاثوليكي، تقدّم أستاذ العلوم والرياضيات بيتر تابيشي من كينيا لتسلّم جائزة أفضل معلم في العالم البالغة قيمتها مليون دولار.
يشرح تابيشي في لقاء مع «الاتحاد» أن ثوبه البني الطويل يمثل هويته التي يرغب بإبرازها، وهي البساطة والالتزام وتقديم الأفضل للمجتمع الذي يعيش فيه.
ويقول إن التحديات التي مرّ بها في شبابه كانت صعبة، وهو يعلم أن طلابه يواجهون المصاعب ويعيشون الشقاء نفسه، لذلك فإن خياره الديني نابع من أن إيمانه يساعده على تحسين حياة مئات الأطفال وعائلاتهم.
تابيشي الآتي من قرية بواني الريفية التي يعيش فيها مزيج من القبائل والأعراق، هو أشبه بالمعلم الشامل، الملهم، والمؤثر، في مجتمع لا يزال تأمين لقمة العيش فيه أمراً شاقاً.
أكد تابيشي أن التعليم يجري في عروقه، فالمهنة ورثها بالقناعة والحب والالتزام عن والده وعمه اللذين خرّجا آلاف الطلبة. ففي كل يوم، يصل إلى المدرسة على دراجته النارية مستعداً للتعامل مع طلبته الفقراء الذين يعانون في كثير من الأحيان صعوبة في التركيز لعدم حصولهم على الوجبات الغذائية المناسبة، فتناول الفطور صباحاً ليس أمراً سهلاً أو متاحاً لهم.
انتقل تابيشي من التعليم في مدرسة خاصة مجهزة بشكل جيد وطلابها يحققون نتائج جيدة، للعمل في مدرسة «كيريكو المختلطة الثانوية النهارية».
هناك، أطلق برنامجاً لتعليم المجتمع المحلي سبلاً جديدة ومبتكرة للزراعة والري. فالغذاء هناك أمر حياة أو موت. وعن أبرز المبادرات التي أنجزها في بلدته، قال إنه في العام 2007 حصلت مجزرة في ناكورو بسبب خلافات عرقية وقبلية. ولتوحيد القبائل السبع في البلدة والممثلين في المدرسة، أطلق بيتر «نادي السلام». ويتواصل الطلبة في هذا النادي مع بعضهم في الهواء الطلق، يتناقشون ويطورون قدرتهم على تقديم الحجج، كما يحتفلون سوياً ويتعلمون مهناً مختلفة، ويساعدون بعضهم بعضاً في مسعى لتطوير مهارات التعاون والعمل الجماعي.
ومن خلال نادي العلوم الذي أسّسه، تعلّم الأطفال كيف يولدون الطاقة والكهرباء من مياه الصرف الصحي والنباتات. وشاركوا في المعارض العالمية، وتغلبوا على فرق طلابية كانت أكثر حظاً في حصولها على تجهيزات ومعدات متطورة.
وأشرف تابيشي على طلابه خلال معرض العلوم والهندسة في كينيا عام 2018 حيث عرضوا جهازاً اخترعوه يتيح للصم والمكفوفين إمكانية قياس الأشياء. وقد شهد تابيشي تفوق مدرسة قريته على بقية المدارس العامة في كينيا لتحل في المركز الأول، كما تأهل فريق الرياضيات التابع لها للمشاركة في معرض INTEL الدولي للعلوم والهندسة عام 2019 في أريزونا بالولايات المتحدة الأميركية. ويعمل الفريق حالياً على تعزيز استعداداته للمشاركة في الحدث، كما فاز طلابه بجائزة من الجمعية الملكية للكيمياء بعد تسخيرهم الحياة النباتية المحلية لتوليد الكهرباء.
وعن التكنولوجيا في التعليم، أكد تابيشي أن المعلم يجب أن يكون مبتكراً في استخدام التكنولوجيا ضمن الموارد المتاحة، وأن يعمل أكثر ويتكلم أقل.
وفي معرض تعليقه على الفوز بالجائزة، قال بيتر تابيشي في كلمته عقب تسلّمه الجائزة: «نشهد كل يوم في قارة أفريقيا أمراً جديداً، ولا شك أن اليوم سيكون عصيّاً على النسيان، فهذه الجائزة لا تكرّم مسيرتي المهنية بقدر ما تكرّم شريحة الشباب في أفريقيا. فأنا هنا اليوم نظراً لما حققه طلابي من إنجازات. ولا شك أن هذه الجائزة تمنحهم فرصة ثمينة ليثبتوا للعالم ما يمتلكونه من إمكانات وقدرة على تحقيق المستحيل».
آفاق واعدة للغاية
وأضاف: «بما أنني أزاول مهنة التعليم التي تمكنني من الخوض في أعماق الإمكانات والمهارات التي يمتلكها الطلاب، فإني أرى في هؤلاء الشباب آفاقاً واعدة للغاية بشغفهم الكبير بالتعلم ومواهبهم الفذّة وذكائهم الكبير وإيمانهم بالقدرة على التغيير. فلن تقف بعد اليوم في وجه شباب أفريقيا أي مستويات منخفضة من التوقعات والآمال، بل على العكس من ذلك، نحن على أتم الاستعداد لرفد العالم بالعلماء والمهندسين ورجال الأعمال الذين أثق بأن أسماءهم سيتم ذكرها يوماً ما في كل ركن من أركان العالم. وستكون الفتيات أيضاً جزءاً كبيراً من هذه القصة الملهمة». وأردف: «أنا على ثقة بأن العلوم والتكنولوجيا تمتلك دوراً رائداً في إطلاق العنان للإمكانات في أفريقيا. فنحن نعلم بأن الاستكشاف والتقصي العلمي والتقدّم المدفوع بالابتكار يمهد طريق التنمية والتطوير، ويتصدى لقضايا جوهرية على غرار الأمن الغذائي وشح المياه والتغير المناخي».
وفي رسالة فيديو خاصة، وجهها الرئيس الكيني أوهورو كينياتا لتهنئة الفائز، وتم بثها في قاعة حفل الجائزة، قال: «بالنيابة عن جميع أفراد الشعب الكيني، أتقدم بالتهاني إليك أيها الأستاذ بيتر تابيشي لفوزك بجائزة أفضل معلم في العالم. فأنت بالتأكيد مثال مشرق عمّا يمكن للطموح البشري أن يحققه، ليس فقط في كينيا ولا في أفريقيا، بل في العالم بأسره».
وأضاف: «إن قصتك بيتر هي قصة قارة أفريقيا، هذه القارة التي تزخر بالشباب والمواهب اللامعة. فقد أظهر طلابك قدرتهم على منافسة الأفضل في العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا، وجميع مجالات النشاط الإنساني. فكل ما نحتاج إليه هو أن نقدم لهم الدعم المناسب. لقد ألهمتني قصتك وعززت إيماني بأن أفضل أيام أفريقيا قادمة لا محالة، ونجاحك هذا سيكون منارة تضيء درب الأجيال القادمة».
وتابع: «أنا على ثقة بأن العلوم والتكنولوجيا تمتلك دوراً رائداً في إطلاق العنان للإمكانات في أفريقيا. فنحن نعلم بأن الاستكشاف والتقصي العلمي والتقدّم المدفوع بالابتكار، يمهد طريق التنمية والتطوير، ويتصدى لقضايا جوهرية على غرار الأمن الغذائي وشح المياه والتغير المناخي».