القاهرة (الاتحاد) - السيدة مريم عليها السلام أفضل نساء العالمين بنص القرآن الكريم (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ)، وهي امرأة جليلة عفيفة طاهرة، أكرمها الله عز وجل بكرامات ظاهرة واصطفاها من بين جميع النساء، لتكون أماً لنبيه عيسى عليه السلام دون أن يكون لها زوج أو يمسها بشر.
في الوقت الذي كان فيه بنو إسرائيل يعيشون حياة بائسة، وقد أفسدوا دينهم وحرّفوا عقيدتهم، كان والد مريم عمران بن ماتان وزوجته حَنّة بنت فاقوذ، يعبدان الله وحده ولا يشركان به شيئاً، وكانت حَنة عاقراً لا تلد، وذات يوم رأت عصفورة تطعم صغيرها، فتحركت بداخلها غريزة الأمومة، فدعت اللّه أن يرزقها ولداً حتى تنذره لخدمة بيت المقدس، وتقبل الله منها دعاءها، ولكن حكمته اقتضت أن يكون الجنين أنثى، فكانت السيدة مريم، وتوفي أبوها وهي طفلة، وأخذتها أمها إلى الهيكل، استجابة لنذرها.
الأخلاق الحسنة
وتولى نبي الله زكريا عليه السلام، وكان زوج أخت مريم، أمر رعايتها فكان يعلمها تعاليم دين الله والأخلاق الحسنة، فنشأت مريم عليها السلام صالحة عفيفة طاهرة، وكانت تداوم على طاعة ربها عز وجل آناء الليل وأطراف النهار فأكرمها الله سبحانه بالكرامات الظاهرة، فقد كان زكريا عليه السلام يرى عندها في المحراب وبعد أن يغلق عليها أبواب المسجد فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف كرامة لها من الله عز وجل.
ومرَّت سنوات وأصبح زكريا شيخاً كبيراً، ولم يعد قادراً على خدمة مريم، فخرج على بني إسرائيل، يطلب منهم كفالة مريم، فتقارعوا بينهم حتى كانت مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار، وكان رجلاً تقياً شريفاً، وظل يوسف يخدمها حتى بلغت سن الشباب، فضربت مريم عندئذ على نفسها الحجاب، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار.
وبعد ذلك ابتعدت مريم عن الناس، وأصبحت لا يراها أحد ولا ترى أحداً، وبينما مريم منشغلة في أمر صلاتها وعبادتها، جاءها جبريل بإذن ربها على هيئة رجل ليبشرها بالمسيح ولداً لها. ويقول المفسرون: إنها خرجت وعليها جلبابها، فأخذ جبريل بكمها، ونفخ في جيب درعها، فحملت حتى إذا ظهر حملها، استحيت، وهربت حياءً من قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة، فخرج قومها وراءها يبحثون عنها، ولا يخبرهم عنها أحد.
تعجب القوم
فلما أتاها المخاض تساندت إلى جذع نخلة تبكي، وذكر القرآن ذلك في قوله تعالى: (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)، حينئذ أراد الله أن يسكّن خوفها فبعث إليها جبريل (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)، وبعد أن ولدت مريم عليها السلام مولودها انطلقت به إلى قومها، وكان قومها قد انطلقوا يبحثون عنها فلما رأتهم من بعيد حملت ولدها عيسى عليه السلام وضمته بين ذراعيها، ثم أتتهم به وهي تحمله، وكان ذلك بعد أربعين يوماً من ولادتها له، فتلقتهم به وهي تحمله وقلبها كله ثقة وتوكل على الله عز وجل، وحين كلمها قومها في شأن مولودها الجديد أشارت السيدة مريم عليها السلام إلى ولدها عيسى المسيح أن كلموه، فتعجبوا من ذلك وقالوا لها مندهشين: من يكن في المهد صبياً فكيف نكلمه؟..
فأنطقه الله تبارك وتعالى فقال لهم بلسان فصيح: (إني عبدالله ءاتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً).
براءة مريم
وهُنا علت الدهشةُ وجوهَ القوم، وظهرت علامات براءة مريم، فانشرح صدرها، وحمدت الله على نعمته، لكن أعداء الله من اليهود خافوا على عرشهم وثرواتهم، فبعث ملكهم جنوده ليقتلوا هذا الوليد المبارك، فهاجرت به مريم، ومعها يوسف النجار إلى مصر، حيث مكثوا بها اثنتي عشرة سنة، تَرَّبى فيها المسيح، ثم عادت إلى فلسطين بعد موت هذا الملك الطاغية، واستقرت ببلدة الناصرة، وظلت فيها حتى بلغ المسيح ثلاثين عاماً فبعثه اللّه برسالته.