تعتمد السعادة بشكل كبير على طريقة التفكير، التي اعتادها المرء ونشأ عليها منذ الصغر. لذلك يهتم الباحثون في دراسات السعادة بالكتابة عن موضوع تربية الأطفال.. مارتن سليجمان، الرئيس الأسبق للاتحاد الأميركي لعلم النفس ومؤسس علم النفس الإيجابي، يذكر في كتابه (السعادة الحقيقية) مجموعة من الإجراءات التي يمكن ممارستها - ويمارسها هو شخصيا- لزيادة سعادة الأطفال وتحسين صحتهم النفسية..
فما هي هذه الممارسات؟
1. قل نعم ولا
ليس من المفروض أن تكون حياة الطفل مليئة بالمحاذير والممنوعات فقط. فلا تجعل علاقتك به محصورة في قول «لا تفعل كذا».
وازن بين قول لا وقول نعم، ولا تجعل كلمة لا هي الأكثر تكرارا. فلو بكى الطفل مثلا في متجر الألعاب وأراد لعبة غالية عنده مثلها في البيت، لا تقل له: «لا لا لا!» بل يمكنك -مثلا- تذكيره بأن عيد ميلاده بعد شهرين، أو أنه لو اجتهد وحقق هدفا معينا سيحصل عليها أو شيء مثلها.. فمن المفيد جدا نقل هذه الرغبة اللحظية إلى المستقبل، كي يتعلم الطفل التخطيط وتأجيل إشباع رغباته. وهي مهارة ستجعله أكثر سعادة في المستقبل.
2. لعبة تقليد الطفل
قم بتقليد كل ما يفعله الطفل وتعمد هذا! بل يمكن للأسرة كلها أن تقلد الطفل وهو يفعل أي شيء، وقتها سيضحك الطفل ويضحك الجميع أيضا! ما أهمية هذا؟
يقول سليجمان إن التطور النفسي للطفل يقتضي شعوره بأنه مؤثر في البيئة المحيطة به.. يستمتع بالألعاب ذات الصوت العالي، ليس لأن صوتها عال، بل لأنه هو من جعلها تخرج هذا الصوت! قس على ذلك تحطيم الألعاب وقلب الأطباق وسكب السوائل، كل هذه الأمور تسعد الطفل لأنها تشعر بأنه يستطيع تغيير العالم الخارجي.. وحين تلعب معه لعبة كالتقليد، يسعد لأن هذا يعطيه شعورا بأنه ليس مؤثرا في الأشياء فقط، بل في الكبار أيضا!
لو كان طفلك أكبر من هذه المرحلة، اسأله وخذ رأيه واجعله يصنع تغييرات يريدها.. لإشباع هذه الرغبة لديه.
3. الثناء والعقاب
مكافأة الطفل على فعل شيء جيد، في نفس أهمية معاقبته حين يخطئ.
إلا أن إسعاد الطفل لا يعني تحقيق كل أمنياته وتوفير كل ما يطلبه.. بل إن الطفل -يقول سليجمان- في حاجة للشعور بالإحباط والحزن والتوتر والغضب كي يستطيع التعامل مع الحياة الحقيقية حين يكبر. فالعالم ليس مسالما لطيفا كما يتجلى في مخيلة الطفل. لذلك ينبغي أن يدرك عواقب أفعاله. ومن المفهوم طبعا أن العقاب لا ينبغي أن يكون قاسيا فيحطم ثقة الطفل واحترامه لنفسه. بل أن يكون متناسبا مع المفاهيم التربوية الحديثة.
4. قلل التنافس بين الإخوة
ازرع في نفس الطفل إحساسا بالمسؤولية تجاه أخوته. فلا يشعر بالتنافس معهم بل بالعكس، يشعر أن نجاحهم يعني نجاحه في مساعدتهم. اجعلهم يقومون بمهمة جماعية تحتاج للتعاون بالقول مثلا: هل تستطيعون فعل كذا؟
لا تجعل الطفل الكبير يشعر بالتهديد لفقدان مكانته لديكم مع ولادة طفل جديد، بل اجعله يشعر أنه مسؤول عنه معكم ولا وجه للمقارنة بينهما. لا ينبغي مكافأة أحدهما لأنه تفوق على الآخر، إثارة التنافس بينهم ليس وسيلة صحية للتحفيز. ولا ينبغي لحب الأبوين أن يكون محل تنافس بين الأطفال.
احذر التفوه بأمور مثل «هذا هو ابني المفضل» لأنها تخلق التوتر بين الإخوة وتنسف نظريات التربية نسفا!
5. النوم مع الرضيع
ينصح سليجمان أن ينام الرضيع في سرير والديه أو بالقرب منهما قدر الإمكان، لأن هذا يورثه شعورا بالأمان يحتاجه في هذا السن. فحين يجد نفسه قريبا من والديه يزيد شعوره بالحب والرعاية والدفء، ويحسن من علاقته الأب الذي غالبا ما يكون أبعد عن شؤون الرضيع. فهذه هي «المادة الخام» التي يستمد منها الطفل ثقته في والديه. لكن لا ينبغي أن يستمر هذا السلوك (النوم مع الأبوين) للأبد، بل لشهور قليلة أو على فترات، كي لا يتحول الأمر لنوبات غضب وبكاء حين يكون عليه النوم في سريره!
6. ألعاب قبل النوم
الدقائق التي تسبق نوم الطفل هي أغلى دقائق اليوم. إذ يمكن استخدامها لتقوية علاقتك معه (عن طريق حكايات قبل النوم مثلا) كما يمكن استخدامها لتعليم الطفل مهارات ذهنية تأكد علميا أن لها تأثيرا في زيادة السعادة! إذ يلعب سليجمان مع أبنائه لعبة يسميها (أفضل اللحظات) يسأل فيها طفلته عن الأشياء الجميلة التي حدثت لها أثناء اليوم. هذا التدريب البسيط يوجه الانتباه نحو الإيجابيات ويذكر بما هو جيد في الحياة، وهو ما يجعل النوم أفضل ويدرب الطفل على تقدير ما لديه. ولعبة ثانية اسمها (أرض الأحلام)، يحكي فيها الطفل عن أجمل اللحظات التي يتمناها في حياته.. اتركه يحلق في خياله.. فهذه اللعبة تدرب عقله على تحديد الأهداف وتكوين الأمنيات.. كما تورثه شعورا طيبا يناسب ما قبل النوم.. بل سليجمان لاحظ أن أحلام الطفل في هذه الليلة قد تكون مستوحاة من هذه الصورة الخيالية التي حكاها قبل النوم!