فرانشيسكو لا كاميرا*
سيُعرف عقد 2010 دوماً بأنه الفترة التي انتقلت فيها الطاقة المتجددة من الهامش لتصبح محور تركيز رئيس، حيث ساهم عاملا انخفاض التكاليف وتفاقم أزمة المناخ في جعل مصادر الطاقة المتجددة محور نقاشات الأوساط الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء العالم. وعلى مدار السنوات العشر الماضية، واصلت الطاقة الشمسية الاستحواذ على أكبر نسبة من السعة الإضافية ضمن جميع المصادر الرئيسة لتوليد الطاقة- سواء التقليدية أو المتجددة.
ورغم ما ينطوي عليه هذا التقدم من بوادر مشجعة، لكن ما زال الطريق طويلاً أمامنا، حيث سترسم الخطوات التي سنتخذها خلال عقد 2020، ملامح مستقبل اقتصاداتنا وشعوبنا وكوكبنا على المدى البعيد. وتعتمد قدرتنا على الحد من الأزمة المناخية وتحقيق التنمية المستدامة بحلول منتصف القرن، على السياسات والاستثمارات وإجراءات الحد من الانبعاثات الكربونية المتخذة خلال عقد 2020. وتبدأ هذه المرحلة الحاسمة من العمل الجاد في أبوظبي مع انطلاق أعمال الجمعية العمومية العاشرة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) تاني تعقد خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة.
وفي عقد 2020، سنشهد تغير مفاهيم أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية. وفي حال كان هذا التغير ناجحاً، سيضمن لنا عشر سنوات مذهلة من التحول في نظام الطاقة، ما سيسهل تحقيق مساعينا بتوليد حوالي 90% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050. ويتوجب علينا الشروع في اتخاذ الخطوات اللازمة الآن لضمان توليد 50% من الطاقة المولدة على مستوى العالم من المصادر المتجددة بنهاية العقد القادم.
وقد يكون عقد 2020 شاهداً على وصول مستويات الطلب على الفحم والنفط إلى أعلى مستوياتها، ونتوقع وصول عدد السيارات الكهربائية إلى 157 مليون سيارة، كما سيكون عقداً يحظى فيه كل من يفتقر إلى مصدر موثوق ومعقول التكلفة من الكهرباء بفوائد استخداماتها الإنتاجية. وهو أمر ممكن، لكن لضمان تحقيقه، يتوجب علينا معالجة مشكلتين رئيستين بشكل عاجل، هما الاستثمار والسياسات.
وبدل أن تركز استثمارات الطاقة المقررة اليوم على دعم تطوير التقنيات منخفضة الكربون، نجدها تذهب في اتجاه آخر. إذ تظهر دراساتنا أن أكثر من 18 تريليون دولار أميركي من استثمارات الطاقة بحلول عام 2050 ستكون مرتبطة بالوقود الأحفوري، بما في ذلك استكشاف وإنتاج الغاز والنفط والفحم. في أحسن الأحوال، تخاطر هذه الاستثمارات بتبذير تريليونات الدولارات من الأصول- في بضع سنوات فقط- لإنتاج أنواع غير اقتصادية من الوقود. أمّا في أسوأ الأحوال، فإنها ستوجه ضربة قوية لميزانية العالم الكربونية خلال هذا العقد، ومعها أي أمل في تحقيق الأمان المناخي مستقبلاً.
ولضمان الحفاظ على معدل ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات العشر المقبلة، يجب أن ترتفع الاستثمارات السنوية الحالية في الطاقة المتجددة من 330 مليار دولار أميركي إلى حوالي 750 مليار دولار أميركي سنوياً. وبالتالي، فإن استثمار رأس المال في تطوير تقنيات منخفضة الكربون وتعود بفوائد اجتماعية واقتصادية أفضل أمر حتمي ويجب أن يبدأ الآن، وهو أيضاً مسار العمل الأقل تكلفة والأفضل للحد من التغيرات المناخية. وسيترتب على التقاعس في تحقيق ذلك تكاليف تعادل ما يقارب 7 أضعاف رأس المال اللازم لتحويل نظام الطاقة.
واليوم تثبت دول مجلس التعاون الخليجي حضورها بقوة في سباق التحول إلى الطاقة المتجددة، ولديها كل ما يؤهلها لاتخاذ دور ريادي في قطاع الطاقة مستقبلاً. وتشير التقديرات المتحفظة إلى أن المنطقة قادرة على توفير ما يزيد على 350 مليون برميل من النفط المكافئ وخلق حوالي ربع مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030 عبر تنفيذ الخطط الحالية. وتعتبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح موارد غنية وجذابة، كما أن السياسات المطبقة جعلت عملية توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة أقل تكلفة من أي مصدر آخر. وسيسهم التحول من الاعتماد على أنابيب النفط والغاز وشحنات الفحم إلى الألواح الشمسية وتوربينات الرياح بتعزيز أمن الطاقة، ودعم استقلالية الطاقة، وضمان الرخاء للجميع على حدٍ سواء.
نحن واثقون من أننا نسير في الاتجاه الصحيح، حيث تضاعفت السعة الإنتاجية للطاقة المتجددة خلال العقد الماضي، وهي تواصل التقدم على الوقود الأحفوري من حيث النمو منذ عام 2012. وتمثل مصادر الطاقة المتجددة اليوم ثلث سعة توليد الطاقة في العالم، وهذا ثمرة استثمارات بقيمة تتجاوز 3 تريليونات دولار أميركي على مدى السنوات العشر الماضية. لكن، ومع وقوفنا على أعتاب عقد من التحول، يجب تنفيذ الاستثمارات التالية البالغة ثلاثة تريليونات دولار في الطاقة المتجددة خلال ما يقارب الأربع سنوات.
كما يجب أن تتماشى السياسات مع الفرص المتاحة وأن تعكس الحاجة على أرض الواقع. ووفقاً للسياسات الحالية، ستصل معدلات إنتاج الوقود الأحفوري إلى ذروتها في الفترة ما بين عامي 2030 و2035، وهو ما يتعارض بشكل كبير مع اتفاق باريس للمناخ الذي يتطلب أن تصل إلى ذروتها في عام 2020 وأن تشهد تراجعاً مستمراً بوتيرة ثابتة من تلك النقطة. كما أن أهداف الطاقة المتجددة المقررة في المساهمات المحددة وطنياً عاجزة عن مجاراة تقدم السوق. وبحلول عام 2030، يجب أن تستهدف المساهمات المحددة وطنياً ضعف سعة الإنتاج الحالية للطاقة المتجددة.
إذاً، لم تعد المسألة مرتبطة بالتوجه، بل بسرعة تنفيذه. ومن خلال تبني سياسات داعمة، واتخاذ قرارات استثمارية ذكية، وإدراك المنافع المرتبطة باعتماد نظام طاقة قائم على المصادر المتجددة، يمكن أن نتقدم في مسيرة التحول إلى الطاقة المتجددة بسرعة تفوق تلك المحققة في أي حقبة ما بعد العصر الصناعي. وأي جهود تقلّ عن ذلك، ستكون بمثابة مخاطرة بكل ما نصبو نحوه.
*مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة