28 مارس 2010 23:02
بدأت الشركات الأجنبية العاملة في الصين مواجهة المتاعب، بينما جعل تشدد الحكومة الصينية من سياساتها وزيادة المنافسة المحلية، من أهم الأسواق في العالم، أقل ملاءمة للشركات المتعددة الجنسيات لمزاولة أنشطتها. وأشار بعض الخبراء الاقتصاديين من ذوي الخبرة الطويلة بالشأن الصيني، إلى بروز بعض المستجدات في الساحة الصينية، أصبح معها نجاح أي شركة أجنبية غير ممكن.
وذكر الخبراء أن هذه التغييرات توضح إعادة الصين لتقييم تأكيدها القائل بفتح أسواقها للشركات الأجنبية الذي لخصته بالتغييرات التي أجرتها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، وميلها إلى جانب هيمنة الشركات المملوكة من قبل الحكومة. ومن ضمن الهجمات على الشركات الأجنبية انتقاد السلطات في أحد الأحياء الغنية، لجودة شركات الملبوسات الراقية المعروفة مثل “هيرمز” و”تومي هيل فيجار” و”فيرساشي”.
ويولي خبراء التقنيات اهتماماً كبيراً بالقوانين التي صدرت نهاية السنة الماضية التي تفضل الشركات المحلية على الأجنبية، وإذا تم تطبيق هذه القوانين، فإنها ستحد من مقدرة الشركات الأجنبية لتحقيق عقود بمليارات الدولارات خاصة في أجهزة الكمبيوتر، وأجهزة الاتصالات والمعدات المكتبية وغيرها. وتهدد قوانين براءة الاختراع التي وضعت في الأول من فبراير الماضي، بزيادة تكاليف الابتكارات الأجنبية للصناعات في الصين، مثل صناعة الأدوية. وتسمح القوانين كذلك للسلطات بإرغام شركات الأدوية الأجنبية على ترخيص الإنتاج للشركات المحلية بأسعار تحددها الدولة.
ويقول الخبراء إن سياسة التحرير التي أنعشها انضمام الصين لمنظمة التجارة الدولية، قد أبطأت من وتيرتها. وذكرت شركات صناعة توربينات طاقة الرياح، والألواح الشمسية، أنها منعت من الدخول في مشاريع الطاقة المتجددة الكبيرة. أما فيما يخص العوائق التنظيمية الخاصة بالتأمين، فتجد أن نصيب الشركات الأجنبية في سوق التأمين على الحياة في الصين، لا يتجاوز 14,7%، ونسبة 1% من سوق التأمين على العقارات.
واستبعد المسؤولون الصينيون الشكاوى المتعلقة بسوء بيئة العمل بالنسبة للأجانب، بالرغم من أن هناك بوادر تشير إلى اهتمام القيادة العليا بهذه الشكاوى. ودعا وزير التجارة الصيني شين ديمينج إلى اجتماع عقد هذا الشهر حضره 20 من مديري الشركات الأجنبية الكبيرة. وأكد الوزير استمرار الصين في فتح أسواقها للوجود الأجنبي، لكنه انتقد مبدأ الحمائية الذي تنتهجه الدول الغربية. أما رئيس الوزراء وين جيا باو، فقال إن الصين لا تألو جهداً في تطبيق سياساتها الخاصة بفتح أسواقها للشركات الخارجية، وإنها ستزيد من تفاعلها معها.
ورفضت السلطات الصينية قبل عام المناقصة التي قدمتها شركة “كوكاكولا” لمجموعة “هيوان” للعصائر بحجة أنه سينتج عنه عدد من الشركات الصغيرة مما يرفع بأسعار المستهلك. وفي يوليو الماضي، تم استجواب أربعة مديرين من شركة ريو تينتو العملاقة للتنقيب بتهمة سرقة “أسرار الدولة”، وسط مداولات متوترة بين شركات التنقيب العالمية والشركات الصينية لصناعة الحديد.
وما واجهته “جوجل” في الصين يعكس قلق الشركات الأجنبية في الصين. وعانت الشركة كثيراً من قوانين رقابة المطبوعات في الصين مهددة بمغادرة البلاد بعد الهجمات التي تعرضت لها شبكاتها من قبل القراصنة الصينيين. ولم تنج من هذه الهجمات شركات أخرى عديدة أجنبية. كانت هذه الأنواع من المشاكل تعتبر ثانوية عندما كان اقتصاد الصين لا يزال يافعاً، أما اليوم فأصبح الاقتصاد الصيني بحجمه الضخم أساساً تعتمد عليه صحة الشركات الغربية متعددة الجنسيات.
أما قوانين براءة الاختراع الجديدة الخاصة بما يسمى بالترخيص الإجباري، فهي ليست حكراً على الصين وحدها. لكن هذه القوانين تنحاز لقطاع الأدوية الذي تهيمن عليه الشركات الحكومية. وواحد من هذه القوانين يفرض على الشركات دفع نسبة 2% على الأقل من الأرباح التي تعود نتيجة لاختراع صيني ما لم يتنازل المخترع عن حقه علناً.
وتقدمت 34 شركة من أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا في ديسمبر الماضي بثلاثة خطابات لوزراء حكوميين تشتكي فيها تفضيل ابتكارات الشركات الصينية على الأجنبية فيما أسمته بـ”العنصرية ضد الأجانب”. ويقول وزير التجارة الأميركي “تذكرنا الأحداث الأخيرة بالتحديات التي تجابهها الشركات الأميركية والأوروبية العاملة في الصين. والمطلوب من الصين اتخاذ خطوات أكثر لتصبح أكثر شفافية والتزاماً بروح القانون”.
وتشير نتيجة الاستطلاع الذي أجري في مجلس التجارة الصيني - الأميركي، إلى أن 93% من أعضائه متفائلين بمستقبلهم في الصين خلال السنوات الخمس المقبلة. ويقول رئيس المجلس روبرت بوول: “لا ننكر أن بعض هذه القوانين تثير مخاوف المجلس، لكن الأطر الأساسية لاستمرار الانفتاح والإصلاحات، لا تزال موجودة”.
وهناك بعض القطاعات التي لم تواجه صعوبات كثيرة، حيث جنت شركات صناعة السيارات، مثل “فولكس فاجن”، و”جنرال موتورز”، أرباحاً ضخمة من الأسواق الصينية في العام الماضي. لكن تخطط الحكومة لزيادة حصة الموديلات المحلية من 44% في السنة الماضية، إلى أكثر من 50% بحلول 2015.
وتعود الأرباح التي تجنيها العديد من الشركات متعددة الجنسيات في الصين اليوم لاستثمارات سنوات عدة شجعت على العديد منها السياسات الحكومية التي تهدف إلى جذب رؤوس الأموال. والآن وعندما أصبح حلم الدخول إلى سوق الصين الضخم حقيقة، لم تعد الصين في حاجة لهذه الأموال الأجنبية. وشهدت الاستثمارات الأجنبية مقارنة بالصينية، نمواً بطيئاً بلغ 1,8% من إجمالي الناتج المحلي في 2009، منخفضة مما كانت عليه في 1994 عند 6%.
وتضمر الصين شكوكها منذ وقت طويل في أن الغرب يحاول عرقلة نموها الاقتصادي. ويقول المحللين إن مثل هذه الشكوك تقوي شوكة المسؤولين الحكوميين بخصوص الحد من الوجود الأجنبي في الاقتصاد الصيني. لكن هناك من يدعمون هذا الوجود كما أسلفنا.
عن “وول ستريت جورنال”
المصدر: أبوظبي