هدى جاسم، ووكالات (بغداد)
واصل آلاف العراقيين، أمس، تظاهراتهم في أنحاء العراق ضد الطبقة السياسية الحاكمة، منددين بكل من إيران والولايات المتحدة اللتين شنتا ضربات مؤخراً على الأراضي العراقية، وهو ما أثار قلقاً من سقوط البلاد في الفوضى مجدداً.
وأعاد المتظاهرون إحياء الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة المناهضة للحكومة، مع دخولها يومها المئة منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر الماضي.
وفي ساحة التحرير المركزية وسط العاصمة بغداد وعلى غرار مدن عدة في جنوب البلاد، تظاهر الآلاف من العراقيين، رافعين شعارات مناهضة لكل من أميركا وإيران.
وخرج المتظاهرون إلى الساحات الرئيسة في الديوانية والناصرية والبصرة والنجف، وكربلاء التي شهدت مواجهات ليلاً بين المتظاهرين والقوات الأمنية.
ويندد العراقيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر بالطبقة السياسية الحاكمة التي يتهمونها بالفساد والمحسوبيات.
وتعيش البلاد حالة شلل سياسي منذ استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وما زالت الكتل السياسية غير قادرة على التوافق لإيجاد شخصية بديلة لرئاسة الوزراء رغم انقضاء المهل الدستورية.
وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 530 شخصاً غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفاً بجروح. وتعرض الناشطون أيضاً لحملات تخويف وعمليات خطف واغتيال في محافظات عدة.
لكن فيما تتجه الأنظار راهناً إلى العراق الذي صار أشبه بساحة مواجهة بين واشنطن وطهران على خلفية اغتيال الأميركيين لقائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، يرى العراقيون في ذلك فرصة لإيصال صوتهم.
وقال الناشط حيدر كاظم من الناصرية: «إن عودة التظاهرات تعبر عن التمسك بمطالب ثورة أكتوبر، وتجديد لمطالب الشعب بأن ترفع الطبقة الحاكمة يدها عن مقدرات البلاد».
وفي هذه الأثناء، أفاد متظاهرون، أمس، بأن القوات الأمنية عززت من انتشارها بعد تدفق المئات من المتظاهرين لينضموا إلى المتظاهرين المعتصمين في ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.
وذكر شهود عيان أن القوات الأمنية ضربت أطواقاً أمنية في المحافظة، وكثفت الانتشار الأمني منذ ساعات الصباح الأولى أمس، على خلفية دعوات للتظاهر في ساحة الحبوبي مركز المظاهرات الاحتجاجية في الناصرية منذ 100 يوم متواصلة.
وأوضح الشهود أن قيادات التظاهرات اتفقوا على توحيد شعارات المظاهرات بأن تتركز على الدعوة لاختيار شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة، لا تنتمي إلى أية فئة سياسية، وأن يكون اختيارها ينسجم ومطالب المتظاهرين دون تدخلات خارجية وحماية أرض العراق من أية خروق أجنبية والمحافظة على وحدة وسيادة أرض العراق.
وقال اللواء رسول خيون، نائب قائد شرطة ذي قار: «تم نشر قوات مشاة على طول شارع الحبوبي ومخارجه، وتأتي هذه الخطوة الاستباقية لتأمين ساحة الحبوبي ومربع المدينة الحيوي».
وأضاف: «إن أفواج الطوارئ ضربت طوقاً أمنياً يمتد على محيط محافظة ذي قار وصولاً إلى مركزها بالتعاون مع القوات الفنية والشرطة المحلية والاختصاصية، فيما شرعت شرطة الأقضية بتطبيق الخطة ذاتها لتشهد محافظة ذي قار أوسع انتشار أمني لتعزيز الأمن والاستقرار».
إلى ذلك، ندّدت المرجعية الدينية العليا في العراق، علي السيستاني، أمس، بالهجمات التي تبادلتها الولايات المتحدة وإيران على أرض العراق، وحذر من تدهور الأمن في البلد والمنطقة جراء المواجهة بين واشنطن وطهران.
وقتلت الولايات المتحدة سليماني في غارة جوية قرب مطار بغداد يوم الثالث من يناير الجاري. وردت إيران في وقت متأخر يوم الثلاثاء الماضي بإطلاق صواريخ على القوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق.
وهذا أخطر تصعيد في التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وأثار مخاوف من صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط.
وقال السيستاني: «إن هذه الهجمات تنتهك سيادة العراق، وإنه لا ينبغي السماح للقوى الخارجية بتحديد مصير البلد». وجاءت تصريحات السيستاني في خطبة الجمعة، التي ألقاها ممثل له في مدينة كربلاء.
وأضاف: «إن التعامل بأسلوب المغالبة من قبل الأطراف المختلفة التي يملك كل منها جانباً من القوة والنفوذ والإمكانات، ومحاولة كل منهم فرض رؤيته على الباقين، سيؤدي إلى استحكام الأزمة واستعصائها على الحل».
وتابع: «إن ما وقع في الأيام الأخيرة من اعتداءات خطيرة وانتهاكات متكررة للسيادة العراقية هو جزء من تداعيات الأزمة الراهنة».