سعيد الصوافي
العنصر البشري هو المحرك الأساسي لدفع عجلة التنمية لأي دولة في العالم، ومن بين هذه القوى الاجتماعية فئة «المتقاعدين» الذين ينتقلون من مرحلة العمل الرسمي إلى مرحلة أخرى من العطاء، إذ يتحتم عدم تجاهل هذه القوة البشرية، والعمل على استثمار خبراتها المتميزة، والاستفادة من طاقاتها الإبداعية في المجالات الاقتصادية والتطوعية، باعتبارهم طاقات على أهبة الاستعداد.
مرحلة جديدة من العطاء تحوي طاقات مبدعة تنتظر الفرصة لإشراكها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن، لاسيما مع رغبة كثير من المتقاعدين المواطنين في إيجاد فرص عمل مناسبة لهم لمشاركة خبراتهم مع الأجيال الجديدة من الموظفين، وعلى الرغم من إطلاق بعض المبادرات المتواضعة للاستفادة منهم في سوق العمل، إلا أنها تظل «عاطلة عن العمل»، لضعف اهتمام مؤسسات القطاع الخاص بهذه الفئة، وعدم توافر قاعدة بيانات ترصد تلك الخبرات الوطنية، فضلاً عن التكلفة المالية العالية، وصعوبة الجمع بين المعاش التقاعدي والراتب، ووجود بدائل كبيوت الخبرة ومراكز الخدمات الاستشارية.
«الاتحاد» تفتح ملف توظيف المواطنين المتقاعدين، وكيفية الاستفادة من طاقاتهم العلمية والإبداعية والخبرات التي يتمتعون بها، ودورهم في رفع وتيرة النشاط الاقتصادي للدولة، عبر استثمار تلك الخبرات في سوق العمل، فهم منجم خبرات، وكنوز من المهارات المعرفية والعلمية والعملية، خاصة بعدما أكد مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال إطلاق السياسة الوطنية لكبار المواطنين مؤخراً على استثمار طاقاتهم، وإطلاق برنامج لاستقطاب أصحاب الخبرة منهم في مجالات مختلفة للاستفادة من خبراتهم من جهات العمل أو التعليم.
فالمتقاعد شخص شكلته التجارب، وجعلت منه كنزاً من الخبرة والمعرفة، إذ يمثل عدم الاستفادة منه خسارة للاقتصاد الوطني، هذا ما أكده عدد من الخبراء الاقتصاديين في الدولة، حيث أجمعوا على أهمية الحفاظ على تلك الخبرات والكفاءات، وضرورة استثمارها، وعدم تجاهلها لما قد ينتج عنه من ضياع لطاقات إبداعية، ناهيك عن المشاكل النفسية التي قد تصيب البعض منهم؛ نتيجة الإحساس بالتهميش والعزلة.
في حين طالب عدد من المتقاعدين بتشكيل قاعدة بيانات لرصد تلك الخبرات الوطنية لسهولة الوصول إليهم من قبل جهات العمل، بالإضافة إلى تشكيل مجالس استشارية في مؤسسات القطاعين العام والخاص، وتأسيس مجلس خبراء يضم مختلف المجالات الصحية والتعليمية والفنية.
مجالس استشارية
وأكد عدد من المتقاعدين أهمية تشكيل مجالس استشارية في مؤسسات القطاعين العام والخاص، وتأسيس مجلس خبراء يضم مختلف المجالات الصحية والتعليمية والفنية، للاستفادة من الخبرات الوطنية المتراكمة، والعمل على إعداد قاعدة بيانات تضم كافة التفاصيل المتعلقة بالمواطنين المتقاعدين وتخصصاتهم؛ ليسهل الاستعانة بهم عند الحاجة وتشجيع العمل التطوعي لدى المتقاعدين.
وأبدى عدد كبير من المتقاعدين استعدادهم للعمل ومشاركة خبراتهم المتراكمة التي من شأنها إفادة جهات العمل والعاملين فيها على حد سواء، وإعطاء برامج تدريبية في مجال خبراتهم كعمل تطوعي لرغبتهم في إفادة المجتمع، وغرس ثقافة التطوع لدى الجيل الجديد.
وقال صلاح الشامسي، متقاعد في مجال البترول: للأسف، لا توجد أي مبادرات مفعلة لرصد خبرات المواطنين المتقاعدين؛ لذلك يصعب على مؤسسات القطاع الخاص الاستعانة بتلك الخبرات الوطنية عند الحاجة، وبالتالي تلجأ قطاعات العمل لبيوت الخبرة ومراكز الخدمات الاستشارية، ودفع مبالغ طائلة لتلك الخدمات.
وأضاف: لدينا خبرات تراكمية مستعدة لنقل خبراتها كعمل تطوعي ورد العرفان والجميل لهذا الوطن الغالي في مختلف القطاعات الاقتصادية والمجتمعية، استمراراً لمسيرة التنمية والعطاء التي يتميز بها أبناء دولة الإمارات، مطالباً بضرورة تشكيل مجالس استشارية في كل جهة حكومية، وتأسيس مجلس خبراء يضم مختلف المجالات الصحية والتعليمية والفنية للاستفادة من المتقاعدين ذوي الخبرات، وإشراكهم كذلك في ورش العمل والعصف الذهني، والبدء من حيث انتهى الآخرون.
وأشار إلى تجربة الوحدات المساندة الناجحة في الاستفادة من المتقاعدين العسكريين، وأوصى بتفعيل جهود الجهات المعنية بالمتقاعدين كجمعية الإمارات للمتقاعدين، لتتولى إعداد الدراسات والإحصائيات الخاصة بهم.
خبرات لا تتقاعد
وتقول المواطنة فاطمة المرزوقي، متقاعدة من قطاع التعليم، إنها مستعدة لمشاركة خبراتها في تدريب المعلمات الجديدات لتحقيق مفهوم النمو المهني المستمر، مؤكدة أن المتقاعدين هم ثروة كبيرة للوطن، ويجب الاستفادة من خبراتهم والإسراع في تفعليها كمستشارين في المدارس أو مجالات التنمية، كما يمكن الاستفادة منهم في إعداد الدراسات البحثية والكتب أو المساهمة في الأعمال الاجتماعية، ودعت إلى إنشاء مؤسسة تهتم بمشاريع من لديهم اهتمام بخدمة المجتمع وفق شروط محددة مسبقاً.
وأوضح المتقاعد علي خلفان النقبي، أن المتقاعدين على دراية تامة بمجالات أعمالهم السابقة، لما يملكونه من خبرات طيلة سنوات عملهم في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص والتي قد تسهم في تطوير مؤسسات الدولة إن تم استغلالها بالطرق المثلى، فالمتقاعد يمكن أن يكون عوناً في تدريب الموظفين الجدد، وصقل مهاراتهم إذا ما أتيحت له الفرصة.
وبين أنه لا يعني أن يحال الفرد إلى التقاعد أن يحال كل ما يمتلكه من خبرات وإنجازات إلى التقاعد أيضاً؛ لأن العمل يحتاج لتلك الخبرات المتراكمة كمرجعية للأجيال القادمة.
إنشاء منصة وطنية
وأجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين على أهمية استثمار الخبرات الوطنية في سوق العمل والتعريف بهم، عبر إنشاء منصة وطنية تضم الخبرات والتخصصات كافة التي يمكن الاستفادة منها، وربطها بمؤسسات القطاع الخاص والجهات الحكومية الراغبة في الاستعانة بهم.
وأرجعوا عزوف القطاع الخاص عن استقطاب المتقاعدين لعدم توافر قاعدة بيانات كافية بالخبرات الوطنية المتوافرة، وصعوبة الوصول إلى بعض التخصصات التي يحتاجون إليها عند الطلب، فضلاً عن التكلفة المالية لتوظيفهم والبدائل المتاحة للخدمات الاستشارية في مختلف التخصصات.
كنز حكمة
وقال رضا مسلم خبير اقتصادي، إن شريحة المتقاعدين تشكل نسبة مهمة من شرائح المجتمع، فهم كنز حكمة ومنجم خبرة، وميزان اعتدال، ويطلق عليهم الموارد البشرية المتراكمة، وهذه الخبرات مرت بتجارب خلال فترة عملها، وعاصرت الأزمات والمتغيرات المختلفة على مر السنين؛ لذلك أصبح لديها إلمام تام بالمشاكل والحلول كافة ومواجهة التحديات والنجاحات.
وأضاف أن المتقاعدين مستشارون وليسوا موظفين، ويجب أن يوضع هؤلاء في مناصب استشارية وليست وظائف تنفيذية، فهم ثروة وطنية يجب استغلالها، مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الناجحة في مجال الاهتمام بالمتقاعدين، وإشراكهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن.
وأشار إلى أنه من بين أسباب عدم اهتمام القطاع الخاص بتوظيفهم هو عدم الدراية الكافية بالخبرات الوطنية واختصاصاتها، ولجوء جهات العمل تلك إلى بيوت الخبرة بدلاً من تعيين المتقاعد الذي قد يشكل عبئاً مالياً على الجهة والتزامات شهرية، ناهيك عن صعوبة الجمع بين المعاش التقاعدي والراتب لدى بعض الكفاءات ذوي الخبرات المتراكمة.
واقترح رضا إنشاء مرصد وطني لتلك الخبرات المتراكمة، ووضع خطط مستقبلية للاستفادة منهم في مختلف المجالات الاقتصادية والتطوعية، مناشداً الجهات الحكومية وشبه الحكومية البدء في تعيينهم والاستفادة منهم كي تحذو مؤسسات القطاع الخاص حذوها، فهم ثروة يجب عدم إهمالها.
أما الخبير الاقتصادي إبراهيم الكراسنة، فيؤكد أن المتقاعدين هم كالذهب المطموس، إذ ينبغي البحث عنهم، وتوفير البيانات كافة المتعلقة بهم، خاصة المتقاعدين الجدد من أصحاب التخصصات المختلفة والمستشارين وأصحاب الخبرات لتقديمهم لشركات القطاع الخاص الراغبة في الاستفادة منهم، بما لا يؤثر على الشواغر الموجودة حالياً للخريجين الجدد والشباب، مرجحاً أن عزوف شركات القطاع الخاص عن الاستعانة بخبرات المتقاعدين سببه صعوبة الوصول إلى بعض التخصصات التي يحتاجون إليها عند الطلب.
وذكر أن تلك الخبرات الوطنية التي عملت في الشركات والمؤسسات واجهت المشكلات قبلنا، وتعرّفوا إلى كيفية ترويضها وحلها، وبذلك يسهل عليهم رسم الخطط والحلول للخروج من دائرة ما واجهوه من مشكلات وتحديات.
من جانبه، أكد سند المقبالي رئيس مجلس إدارة «رواد الأعمال الإماراتيين» أهمية الاستفادة من خبرات وقدرات المتقاعدين، عبر إعادة دمجهم في سوق العمل بدوام جزئي، أو تمكينهم من تقلد مناصب بمؤسسات القطاع الخاص كأعضاء بمجالس الإدارة، واصفاً المتقاعدين بأنهم فئة تختزن الكثير من الخبرات والطاقات والنضج النفسي والعملي، والمجتمع بحاجة إليهم، ومن المفترض حسن استغلالهم، وعدم التفريط بهم.
مشكلات نفسية
يقول الدكتور جاسم المرزوقي خبير في علم النفس، إن سن التقاعد من المراحل العمرية التي يصل فيها الإنسان إلى أعقاب مرحلة جديدة من العمر، وبالتالي تبدأ مع هذه المرحلة مشكلات مختلفة لم تكن موجودة كالسابق، والشعور بأنه أصبح خارج نطاق الحياة الفاعلة في المجتمع لافتاً إلى عاملين اثنين مرتبطين بشكل كبير مع الصحة النفسية هما (العمل والحب)، بحسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية.
وأضاف أن العزلة بالنسبة للمتقاعد من أبرز الآثار النفسية التي يواجهها، فعندما يصل الإنسان إلى سن التقاعد قد يرافقه شعور كبير بالوحدة وفقدان الإنتاجية وعدم الحاجة إليه، ولاشك في أن مثل هذه المشاعر تبث الإحباط، وتولد الاكتئاب إلى حد كبير، مع الأخذ بعين الاعتبار بداية تعرض الإنسان إلى فقدان الأحبة والأقارب، ما من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى مضاعفة المشكلات النفسية.
وذكر أن كثيراً من المتقاعدين يتمتعون بخبرات كبيرة؛ لذا ينبغي أن تمتد الرعاية للمتقاعدين إلى إشراك من له القدرة في البرامج التنموية في المجتمع.
تحسين الصحة النفسية
وتشير الدراسات إلى أن الانخراط بالعمل التطوعي، خاصة للمتقاعدين، يعزز الصحة النفسية والعقلية لديهم وإعطائهم شحنات إيجابية، حيث وجد ارتباط للعمل التطوعي بخفض أعراض الاكتئاب، وتحسين الصحة العامة، فضلاً عن تقليل القيود الوظيفية، وزيادة عمر الإنسان، باعتبارها عنصراً مهماً للحفاظ على نمط الحياة الصحية والرفاهية في سنوات لاحقة.
كما أن المتقاعدين الأكثر عرضة للمعاناة من ظروف صحية مزمنة، إذ تظهر أعراض الاكتئاب عند حدوث تغيرات الحياة التي تؤثر في دورهم وعلاقاتهم الشخصية في الحياة، حيث يواجه المتقاعد صعوبة في إدارة الوضع، ولا يشعر بأنه مستعد لما حدث أو سيحدث، إلا أنهم قد يصبحون الأكثر استفادة من التطوع في هذا العمل، ومع ذلك تعتمد الفوائد الصحية على مستوى معتدل للعمل التطوعي.
«كبار المتطوعين» لاستقطاب ذوي الخبرات
قالت وحيدة خليل مديرة إدارة التنمية الأسرية بوزارة تنمية المجتمع: بحكم أن كبار المواطنين غالباً يفضلون العطاء المفتوح بلا قيود وظيفية، نسعى في وزارة تنمية المجتمع إلى تأطير هذا العطاء في أبواب خير وعطاء وإنتاج وطني متنوعة، ومن أجل ذلك أطلقنا مؤخراً مبادرة «كبار المتطوعين»، والتي فتحت الباب لكبار المواطنين ليقدموا ما يحلو لهم للمجتمع والوطن والإنسانية بشكل أعم.
وهذه المبادرة تمكنت حتى الآن من استقطاب المئات على مستوى الإمارات، وهي ماضية بإصرار نحو استقطاب المزيد من أهل العطاء وأصحاب الخبرات، وتوظيف هذه العطاءات والخبرات في مجالات التنمية المستدامة، وهذه المبادرة تعد باكورة المبادرات الحيوية التي تمنح الثقة لكبار المواطنين لاستعادة دورهم المجتمعي والوطني في العطاء والبناء، وخلال الأعوام المقبلة سنجني المزيد من النتائج المثمرة مجتمعياً وتنموياً.
عودة المتقاعدين للعمل
أكدت حنان السهلاوي المدير التنفيذي لقطاع المعاشات بالإنابة في الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، أن «الهيئة» بدأت العمل على مشروع يدعم عودة المتقاعدين إلى سوق العمل من جديد، وقد أجرت «الهيئة» دراسة تحليلية لتقييم الوضع الحالي للمتقاعدين والمؤمن عليهم بناءً على عينة مختارة، وقد أفرزت هذه الدراسة بعض النتائج والتوصيات التي سيتم استيعابها ضمن المشروع الجديد الذي يتضمن حزمة مزايا تركز على دعم المتقاعدين في سوق العمل، وتوفير خدمات ذات جودة عالية، وإطلاق مبادرات تعزز جودة حياتهم.
وأوضحت السهلاوي، أن «الهيئة» كانت قد أطلقت وبشكل تجريبي المرحلة الأولى من خطة دعم عودة المتقاعدين إلى العمل، وتمثلت في استحداث موقع إلكتروني قادر على استيعاب بيانات المتقاعدين، وبالفعل تم تدشين موقع «خبرات» الذي يجري العمل على تحديثه، وإطلاق نسخة جديدة منه بداية العام الجديد، بحيث يوفر خيارات أكثر مرونة على مستوى إدخال المتقاعدين لبياناتهم، وتحميل سيرهم الذاتية، حتى تكون متاحة لجهات العمل الراغبة في الاستفادة من خبراتهم، وسيكون لهذا الموقع دور كبير في تحقيق مشروع «الهيئة» ضمن السياسة الوطنية لكبار السن، حيث شكلت «الهيئة» فريق عمل متفرغاً للإشراف على إدارة الموقع والقيام بالأمور كافة التسويقية والترويجية الخاصة به، وخلال عام 2019 ستعلن «الهيئة» المرحلة الثانية من الخطة والتي تتضمن آليات لتفعيل دور الموقع في تأدية مهامه، ومن هذه الآليات عقد اتفاقيات مع جهات عمل لتوظيف المتقاعدين، وتقديم خدمات التدريب للمتقاعدين لتأهيلهم على طبيعة أعمال جديدة يتطلبها سوق العمل، وتوفير جهات العمل قائمة بالوظائف الشاغرة تتم مشاركتها مع «الهيئة» على موقع «خبرات»، والاستفادة من المنصات الترويجية المتوافرة لدى جهات العمل الداعمة لتوجهات الحكومة في إعادة المتقاعدين لسوق العمل.
«جمعية المتقاعدين»: الجمع بين المعاش والراتب أهم المعوقات
كشفت جمعية الإمارات للمتقاعدين عن رغبة 450 متقاعداً من ذوي الخبرات المتراكمة في العودة إلى العمل والمساهمة في خدمة المجتمع، وذلك من بين 3000 مواطن متقاعد مسجل لدى الجمعية. وبينت الجمعية أسباب ضعف اهتمام مؤسسات القطاع الخاص بتوظيف المتقاعدين، والتي من بينها تكلفة توظيف المواطنين المتقاعدين مقارنة بالعمالة الأجنبية، ونظام قانون المعاشات والتأمينات الاجتماعية الذي يرفض الجمع بين وظيفتين، إذ يجب أن يكون المتقاعد مسجلاً لدى «الهيئة» باستحقاق معاش واحد فقط.
وقال فرج إسماعيل رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمتقاعدين، إن الجمعية تعمل حالياً على إعادة تأهيل المتقاعدين أصحاب الخبرات لسوق العمل، من خلال تسويقهم على مستويين محلي واتحادي، إلا أن الجمعية لا توفر فرص عمل، كما يعتقد البعض وهذا خطأ شائع، موضحاً أن جمعية المتقاعدين هي جمعية ذات نفع عام تتبع وزارة تنمية المجتمع وجمعيات النفع العام من شأنها الاستفادة من أصحاب التخصصات وذوي الخبرة من المتقاعدين، عبر مشاركتهم في الأنشطة المجتمعية، بالإضافة إلى دعم الأفكار والمشاريع، من خلال تسويقها، وليس العمل على تشغيلها.
ووفقاً للقانون الاتحادي للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، فإنه لا يجوز لصاحب المعاش الجمع بين المعاش وبين أي راتب يتقاضاه بصفة دورية من أي جهة أخرى في الدولة، حيث وجهت «الهيئة» تعميماً إلى أصحاب العمل في القطاع الحكومي (المحلي والاتحادي) والقطاع الخاص، طالبت بضرورة التنسيق معها، وتحديد الوضع القانوني لأصحاب المعاشات قبل تعيينهم والتحاقهم بالعمل.
شراكة للاستفادة من خبرات المتقاعد
أوضحت وزارة تنمية المجتمع أنها تعمل على توفير قاعدة شراكة مع جهات العمل على نطاق أوسع، بالاستفادة من قاعدة بيانات الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، وهناك تنسيق مشترك بهذا الشأن في توفير الدورات التدريبية للمتقاعدين؛ وذلك من أجل ضمان توفير فرص عمل تليق بطموحات المتقاعدين من كبار المواطنين، أصحاب الخبرة والعطاء، لمن أراد منهم أن يكمل مسيرة الإنتاج والبناء والعطاء في مواقع جديدة. ومن شأن ذلك تعزيز عملية نقل الخبرات، وتبادل المعارف والتجارب، انسجاماً مع محاور وأهداف السياسة الوطنية لكبار المواطنين.
وقالت وحيدة خليل مديرة إدارة التنمية الأسرية بوزارة تنمية المجتمع: «تختص الوزارة بتوفير أفضل الخدمات والبرامج والفعاليات لكبار المواطنين على مستوى الدولة، وتسعى بلا حدود لتحقيق رغباتهم ومتطلباتهم وطموحاتهم في آنٍ معاً، انطلاقاً من رؤية (من الرعاية الاجتماعية إلى التنمية المستدامة)، ولأن كبار المواطنين أصحاب عطاء مستدام وخبرة واقعية، فإن الوزارة ماضية في تحقيق تطلعات هذه الشريحة المهمة من المجتمع بكل إصرار ومسؤولية. ولدينا قنوات تواصل مفتوحة مع المجتمع، فيما تفتح السياسة الوطنية لكبار المواطنين الأبواب نحو برامج ومبادرات تأهيلية، ونحن نعمل في النهاية على تحقيق تطلعات وطموحات كبار المواطنين».
وأشارت مديرة إدارة التنمية الأسرية إلى أن السياسة الوطنية لكبار المواطنين تركز على تشكيل قنوات مبتكرة لنقل المعرفة ومشاركة الخبرات عبر الأجيال، ضمن محور تحقيق التواصل المجتمعي والحياة النشطة وجودة الحياة المستقبلية، إضافة إلى استثمار الطاقات والمشاركة المدنية لكبار المواطنين، والاستفادة من سجلات العطاء والخبرات المتراكمة.
وأضافت «تعكس جهود القيادة الرشيدة في مجال التنمية والتمكين وتفعيل جوانب الحياة النشطة لهذه الشريحة من المجتمع، كما تحيط بعادات أصيلة متجذرة في المجتمع الإماراتي توارثتها الأجيال أباً عن جد، واستمدت السياسة قوتها من ثقة أن الإنسان هو أساس البنيان ومحور التنمية دائماً، وأن العطاء ليس مرهوناً بعمر إنما هو أسلوب حياة».
عضو بـ «الوطني»: لجنة مؤقتة لدراسة احتياجات المتقاعدين
كشف عضو المجلس الوطني الاتحادي، حمد أحمد الرحومي أن اللجنة المؤقتة التي شكلها المجلس الوطني الاتحادي لمناقشة سياسة الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية ستتولى إجراء دراسة ميدانية شاملة لاحتياجات المتقاعدين، ومن بينها الاستفادة من الخبرات الوطنية المتقاعدة في سوق العمل، والسماح للمتقاعد بالجمع بين المعاش وبين أي راتب يتقاضاه بصفة دورية في الدولة.
وأوضح الرحومي لـ«الاتحاد»، أنه سيقوم بطرح هذا الموضوع عند مناقشة سياسة «المعاشات» في جلسة المجلس الوطني الاتحادي، مطالباً بضرورة وجود منظومة قانونية للمتقاعدين تكون مظلة لهم لرصد خبراتهم، وتصنيفهم حسب الخبرة والمنطقة الجغرافية، وبالتالي يسهل على جهات العمل الوصول إليهم عند الحاجة، لافتاً إلى وجود طاقات معرفية معطلة يمكن الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم لاستشراف المُستقبل.
وذكر أن وجود قاعدة بيانات خاصة بالخبرات الوطنية والترويج لها، سيسهم بشكل كبير في دمج تلك الخبرات المهدرة في سوق العمل، والاستفادة منها في الأحداث الوطنية والعالمية الكبرى، مثل معرض «إكسبو 2020»، ومعارض الدفاع، والقمة العالمية للحكومات، وغيرها من الفعاليات السنوية، وكذلك الاستفادة منهم في المجالس الاستشارية، مشيراً إلى أن الجانب المادي لدى البعض ليس كل شيء، فثمَّة احتياج نفسي أهم وأعمق من نقصان الاحتياجات المادية، مُقابل الاحتياج النفسي والشعور بالرضا، والاندماج في المُجتمع عبر العمل التطوعي.
وأكد أن على الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية وكذلك جمعية الإمارات للمتقاعدين، القيام بدور أكبر تجاه المتقاعدين، ليس فقط في صرف المعاشات وتقديم الخصومات، وإنما إيلاؤهم الاهتمام والتقدير، والعمل على دمجهم في منظومة التنمية المجتمعية.
تجارب عالمية
هناك تجارب عالمية للاستفادة من خبرات المتقاعدين، ومن بينها التجربة الألمانية، حيث تم إنشاء هيئة تسمى «هيئة الخبراء المتقاعدين الألمان» تضم أكثر من 5000 خبير ألماني يعملون للصالح العام.
وتأتي اليابان كذلك في مقدمة الدول التي تعتبر المتقاعدين «ثروة قومية»، وذلك عبر إعادة تعيينهم مستشارين في مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني والجمعيات الأهلية، خاصة بعد أن تمكنوا من المساعدة في تنمية المؤسسات اليابانية التي تتميز بالكثير من المعجزات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية.
«معاشات أبوظبي»: تحسين ورفع جودة الخدمات
أوضح صندوق المعاشات ومكافآت التقاعد لإمارة أبوظبي أنه لا توجد مبادرات تخص توظيف المتقاعدين حالياً، ولكن يسعى الصندوق للاستفادة من خبرات المتقاعدين بطرق مختلفة في إطار تحسين ورفع جودة الخدمات، حيث نظم الصندوق مختبر الابتكار الأول مع المتقاعدين، ضمن ملتقى عقد على مدى يومين، بالتزامن مع فعاليات شهر الابتكار؛ بهدف الاستفادة من خبراتهم، والحصول على أفكار إبداعية وجديدة لتحسين الخدمات المقدمة، ورفع مستوى سعادة العاملين والمتعاملين.
وذكر أن عدد المتقاعدين بلغ 11,016 حتى نوفمبر 2018، بينهم 1126 متقاعداً جديداً، مشيراً إلى أنه لا توجد إحصائية حالياً حول عدد الباحثين عن عمل، كون الصندوق ليس جهة خاصة بالتوظيف.
15828 متقاعداً مسجلاً لدى «الهيئة»
تشير إحصائيات الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية إلى أن عدد المتقاعدين بلغ حتى شهر أكتوبر من العام الماضي (15,828)، مقارنة بـ (15302) متقاعد عن الفترة نفسها من عام 2017، وارتفع عدد المستحقين إلى (6,988) مقارنة بـ (6761)، كما تدير «الهيئة» ملفات (1,725) متقاعداً، و(4,553) مستحقاً من المدنيين، وملفات (5,917) متقاعداً و(4,451) مستحقاً من العسكريين الذين تُصرف معاشاتهم من وزارة المالية.