القاهرة - طارق رضوان:
كانت تعيش مع زوجها راضية بحياتها رغم زواجها القسري وتحملها مضايقات حماتها· لم تشتك يوما لزوجها وكانت ترى اهتمامه بأمه، وهي صامتة تشكو لنفسها أمام المرآة من اهمال زوجها ولا تجد الرد، وكان الصبر هو الحل الوحيد لحالتها البائسة·
حاولت أكثر من مرة أن تشتكي لاخوتها الثلاثة، ولم تسمع سوى النصيحة المعتادة بالصبر والحرص على بيتها وأولادها ومستقبلها، وكانت ترى أن اخوتها لا يريدون تحمل مشاكلها·
كان الصبر والصمت أهم صفاتها أمام زوجها الغليظ الفظ، وكانت تشعر بالقرف الشديد عندما يقترب منها·· إنها لم تعرف الحب قبله، وفور تخرجها من المدرسة الثانوية وافق عليه اخوتها عريسا لها دون نقاش، وكانوا يشعرون بأنها هم ثقيل عليهم التخلص منه بأقصى سرعة·
تمنت أن تعيش قصص الحب التي رأتها في الافلام السينمائية، لكن زواجها السريع قضى على حلمها· وعندما أسرّت لإحدى صديقاتها برغبتها في الحب، قالت صديقتها إن الحب يأتي عادة بعد الزواج وارتاحت لهذه المقولة·
تحلم بالحب
بعد الزواج حاولت أن تعيش قصة الحب مع زوجها، لكنها وجدت زوجا لا يعرف من الحياة سوى العمل والطعام والنوم· كان يعاملها على أنها خادمة تلبي ما يريد بمجرد نظرة من عينيه الصارمتين، وقليلا ما كان يجلس معها، وكان كل دورها في الجلسات النادرة أن تستمع وتوافق على كل ما يقوله دون نقاش· عندما أنجبت ثلاثة أبناء شعرت بأنهم الملاذ الوحيد في حياتها، لكنها مازالت تحلم بالحب وتتعجب كيف بعد كل سنوات الزواج مازالت تبحث عن الحب، وكانت تسأل صديقاتها عن الحب فيقلن أنهن نسين الحب مع متاعب الحياة· وأن الحب رفاهية كبيرة لا تتاح لأمثالهن، لكنها كانت تصر على أن الحب موجود·
زوجها كان تاجرا للغلال ويعمل معه شاب يساعده، وكانت تعرفه من حكايات زوجها عن أمانته ومهارته في العمل· لم تهتم في بادىء الأمر بما يقوله، فقد اعتادت أن تستمع فقط دون ابداء رأي، لكنها عندما رأت هذا الشاب وجدته وسيما خجولا جاء يوما ليلبي طلبات البيت ولم يكن يتكلم بل يستمع للطلبات ويلبيها سريعا·
دق قلبها وراحت تسأل نفسها أمام المرآة: هل صحيح وجدت ما أريد؟ هل صحيح أنه الحب؟ وكيف يمكن أن تحب رجلا غير زوجها· لكنها كانت تنتظر قدومه كل يوم، وتكتفي بنظرته الحانية إليها وهو في غاية الخجل·
تكررت زياراته للبيت دون أن يفصح عن شيء ولم تقو هي أيضا على التعبير عن حبها، إلى أن لمست يده يدها وكانت كشرارة الكهرباء في جسدها وأطالت الامساك بيده ونسيت الدنيا ولم يقاوم· صارحها بحبه الشديد وأنه يخاف أن يهدم حياتها، وتكررت اللقاءات، ولم تكن تشعر بخجل أو خيانة لأنها حققت حلمها الذي انتظرته طويلا· عندما صارحها بالحب تغير وجه الدنيا وصارت جميلة، وأصبحت تعشق كل الناس حتى شعورها نحو زوجها تغير·
القرار الحاسم
لم تستطع الاكتفاء بالمقابلات السريعة على ناصية الشارع، وقررت أن تغير كل حياتها وتترك بيتها وزوجها وأولادها من أجل حبها الوحيد، ولم تتردد في طلب الطلاق من زوجها، وعندما سألها عن السبب قالت: لا أريد أن أعيش معك؟ وأخبر زوجها اخوتها عن طلبها الطلاق· فاقتحموا عليها البيت وضربوها كي تعود لرشدها من جديد، وقررت الهروب من البيت بلا رجعة·
لم تأخذ معها شيئا سوى أحزانها وآلامها، وقبلت ابناءها ورحلت ليلا ولم تعد، ولم يعثر عليها زوجها عند الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء، فأضطر للذهاب إلى أهل زوجته يستنجد بهم مرة أخرى· كان كل حرص أهلها هو ألا يشاع خبر اختفائها حفاظا على سمعة العائلة، وانتشر الاخوة للبحث عنها وعادوا بخفي حنين· كانت الزوجة الهاربة تعرف كل الاخبار من حبيبها الذي مازال يعمل عند زوجها· ذهبت إلى إحدى قريباتها وأخبرتها بأن تحفظ سرها، وكانت قريبتها عند وعدها وأخفت سرها، وعندما سألتها عن سبب هروبها حكت لها كل سنوات العذاب التي عاشتها مع زوجها وحماتها، وأن ما يؤلمها هو فراق أولادها· وأسرت لها بحبها الوحيد لكنها لمحت في عين قريبتها نظرة اتهام فقالت لها إنها لم تخطىء مطلقا معه، لكنها اختارت أن تعيش بإرادتها·
وعندما وجد العشيق عملا آخر ترك العمل مع زوجها ورحل بعيدا عنه· وتقدمت الزوجة الهاربة لرفع دعوى خُلع ضد زوجها، وعندما جاء اعلان الجلسة ذهب الزوج لأهلها يخبرهم بدعوى الخُلع وجن جنون إخوتها·· لكن أحد العقلاء قال لهم: إن اختكم لم تخطىء بطلب الخُلع لأنها لم تنحرف، ولو انحرفت ما كان يهمها أن تطلق من زوجها ولعاشت حياتها بالطول والعرض، لكن الاهل لم يتقبلوا النصيحة وعزموا على قتلها في المحكمة تضامنا مع زوجها·
في المحكمة
جاء موعد الجلسة والزوج والأهل خارج المحكمة ينتظرون قدومها ليقتلوها، وحبيبها يقف بعيدا يراقب ما يحدث لكن أحدا لم يشاهدها· عندما نادى الحاجب على رقم القضية، فوجىء الجميع بها تشق الجمع بعد أن كانت تجلس وسط المتقاضين متخفية بالنقاب·
عندما ذهبت للقاضي خلعت نقابها، وعندما شاهدها الأهل هاجت المحكمة وأرادوا قتلها لولا تدخل رجال الشرطة· هدأت قاعة المحكمة ووقفت خلف محاميها لا تنظر لأحد، بينما زوجها وأهلها ينظرون إليها ويريدون الفتك بها· سألها القاضي عن سبب دعوى الخُلع، فقالت إنها لم تشعر معه لمرة واحدة بأنها امرأة أو أنها تعيش حياة طبيعية مع رجل غليظ في معاملته ودائم الاهمال لها، كانت تتحمله مع ايذاء حماتها التي تعيش معها في البيت، ولم تعش لحظة سعيدة مع زوجها وكانت كالخادمة· يعاملها على أنها جزء مهمل في البيت لا يأتي إليه إلا لغرض جسدي، وعندما ينتهي تعود معاملته الفظة لها· وتحملت كثيرا، لكنها لم تعد تستطيع التحمل أكثر من ذلك وكانت تستطيع أن تعيش حياتها بشكل آخر وهي زوجته· لكنها رفضت أن تكون الزوجة الخائنة، وعندما شعرت بانها لن تستطيع الحياة معه طلبت منه الطلاق بالمعروف لكنه رفض وجاء بأهلها يضربونها لتتراجع عن قرارها، فقررت ان تترك البيت وترفع دعوى الخُلع·
عندما سألها القاضي عن تصرفات حماتها قالت: كانت تمارس أعمال السحر لي وزوجي يعلم ذلك، وكان يقول إنني واهمة، ولا يمكن الحياة مع رجل يرفضه قلبي وأشعر بأنني سأخونه لو عشت معه· وسأل القاضي الزوج عن صحة ما تقوله الزوجة فقال: صحيح، ولكن ماذا تريد المرأة سوى رجل يلبي متطلبات البيت من مأكل ومسكن ومشرب· وأنا تاجر، وحياتي كلها للعمل، ولم أقصد أن أؤذيها أو أضرها· وسأله القاضي عما إذا كانت أمه تمارس السحر، فقال: نعم، لكنها سيدة مسنة وعقلها صغير، وهي تحاول بذلك الحفاظ على بيتي· حاول أهل الزوجة التدخل، وأمرهم القاضي بالصمت·
خلعها القاضي
حكم بأحقيتها بالخُلع للضرر النفسي الذي تعرضت له· هاجت قاعة المحكمة، فأمر القاضي بخروج كل من في القاعة ما عدا الزوجين، وقرر خروجهما من المحكمة في حراسة الشرطة خوفا على حياتهما·
خرجت وسط حراسة الشرطة، وحاول أهلها الفتك بها لكنها لم تهتم، وعند سلم المحكمة الخارجي كانت تبحث عن حبيبها، ووجدته يقف بعيدا يريد أن يطمئن عليها· ابتسمت له وفهم أنها كسبت قضية حياتها الجديدة وأخذتها الشرطة إلى مكانها الذي كانت تختبيء به بعيدا عن عيون أهلها· عندما دخلت البيت شعرت بأنها لأول مرة أصبحت متحررة من قيود ثقيلة كانت تكبلها، وأنها أخيرا ستعيش الحياة التي تريدها· شيء واحد كان يؤرقها هو أولادها وكيف تراهم وهي تعلم أن أهلها وزوجها سيرفضون ذلك· فكرت في رفع دعوى حضانة، لكن قبل أن ترفع الدعوى قالت لأحد اخوتها أنها ستتزوج وتريده بجوارها· واستجاب أخوها لطلبها وحضر مراسم زواجها بعد شهور العدة، ووعدها بأنه سيقنع بقية اخوته وزوجها بأن ترى أطفالها دون مشاكل· عاشت حياتها من جديد لأنها كانت تبحث عن الحب ووجدته وحاربت من أجله ولا أحد يعرف ما اذا كانت قد انتصرت أم انهزمت!