13 يناير 2009 01:11
شاهد الراعي الذئب عن بعد فقال لنفسه: ''ربما لا يقصدني''، وراح في إغفاءة، وحين فتح عينيه شاهد الذئب يحوم حول غنمه فقال لنفسه: ''لو أراد مهاجمة غنمي لفعل، لا بد أنه شبع''، وراح في إغفاءة أخرى، وحين نهض وجد الذئب قد ارتكب مجزرة في غنمه، فهب صارخا غاضبا يفتش عن الذئب لكن حركاته كانت مرتبكة ورأسه كان ثقيلا من كثرة النوم وشدة النعاس·
هنالك متاهة نعيشها على الصّعد كافة ويمكن ترجمتها في جملة بسيطة: سياسة ردة الفعل، وبشكل أبسط، حكاية الراعي مع الذئب·
هنالك دائما من يهددنا ويتوعدنا فلا نحرك ساكنا، وحين نستجيب ضد تهديده ووعيده وعدوانه، فإننا نستجيب بفعل خاطئ، وسياسة ساذجة، ولهذا تكون الاستجابة غير مجدية، وتخلق فوضى فكرية وميدانية، وتسجننا في متاهة تقودنا بدورها إلى صدامات، ففي المتاهة الضيّقة يتصادم الناس، يتقاتلون ويتخاصمون ويحقدون، فالمدى مقفل والحركة مكبّلة، وبالتالي تفضح المتاهة الفرقاء ويقودهم اضطرابهم للوقوف مرة إلى جانب الأصدقاء ومرة أخرى إلى جانب الأعداء·
إن سياسة ردة الفعل من أسوأ السياسات التي يمكن أن تتبعها المؤسسة أو الأفراد كونها سياسة سلبية لا مبالية تفتقر للرؤية وتعيش حياتها يوما بيوم، ولهذا فإن أصحابها غير منتجين وغير رواد وغير فاعلين ومهزومين لا يتقنون سوى فن الصراخ الذي يمارسونه على استحياء، وبالتالي فهم غير منتمين بل هم أشبه بالسراب أو الضباب، لا ملامح ولا رائحة ولا صوت لهم، ومن لا صوت له أو رائحة أو ملمحا لا يمكن أن يكون موجودا، إلا إذا اعتبرنا أن الهواء موجود لأن الملابس تتحرك على حبال الغسيل·
إن سياسة ردة الفعل تفتقر إلى المنطق والحكمة والأمانة والأمان، فالتهديد لا يزيل ذاته بذاته بفعل الزمن، وهذا ما فعله أصحاب سياسة ردة الفعل، لقد تركوا الزمن يحل مشكلاتهم فإذا به يقضمهم واحدا واحدا، ويغيّبهم عن أنفسهم·
إن تاريخنا حافل بالأفعال التي تتبرأ من سياسة ردة الفعل، ولولا تلك الأفعال لما وجدنا ما نتفاخر به اليوم، ولا ما ننتمي إليه اليوم أو نعتقد به، ولما وجدنا جملة واحدة أو آية واحدة نرددها في أدبياتنا وعباداتنا وخطبنا، ولما وجدنا لنا لغة نعبّر بها عن كل ما سلف·
إن سياسة ردة الفعل تكبدنا ضحايا بين البشر والشجر والثروات، وتتركنا حائرين مرتبكين، فالارتباك مقدمة أولى للموت، والتفرقة أولى علامات الهزيمة، ويقول المثل ''الهزيمة تحل العزيمة''، ويقول مثل آخر ''إذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء''، ويقول الشاعر: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ·· وصدّق ما يعتاده من توهّمِ